رامز أنطاكي

اعتاد القسم الغربي من مدينة #حلب الواقع تحت سيطرة النظام السوري على عمليات القصف التي يقوم بها مسلحو بعض الفصائل المعارضة من حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة، مستعملين قذائف #هاون محلية الصنع، وقذائف أخرى أساسها اسطوانات الغاز المنزلي، وقد طالت عمليات القصف هذه في غالب الأحيان مناطق يسكنها مدنيون.

في الحادي عشر من شهر نيسان وبعد سقوط أكثر من 20 قذيفة هاون واسطوانة غاز على منطقة #الجديدة وساحة المطران فرحات ومحيطها، تم استهداف أبنية سكنية في منطقة #السليمانية ذات الأغلبية المسيحية بصواريخ أحدثت دماراً هائلاً، وتسببت بعدد غير معتاد من الضحايا، منهم من مات نتيجة الانفجار مباشرة، أما البقية فقد ماتوا تحت أنقاض بيوتهم التي انهارت.

وكانت قذائف الهاون في منطقة الجديدة وساحة المطران فرحات قد تسببت بأضرار مادية جسيمة للشقق ولكاتدرائيتي #الموارنة و #الأرمن_الكاثوليك، كما بسقوط قتيل واحد، في قصف أمكن تحديد مصدره بسهولة بحكم العادة ونوع القذائف، أما القصف التالي الذي طال منطقة #السليمانية فقد كان مفاجئاً نظراً لحجم الدمار غير المعتاد الذي أحدثه، ويقول سليم بنا ابن حارة الكلّاس في منطقة السليمانية، إن سكان حلب الغربية اعتادوا على قذائف بدائية صغيرة قد تثقب سقف الشقة، أو تدمّر غرفة فيها، “أما حجم الدمار هذه المرة فيشير إلى قذائف أو حتى صواريخ قيل أنها من نوع #غراد”.

يبدو أن معظم أبناء المنطقة المتضررة مجمعون حول مسؤولية مسلحي المعارضة في القسم الشرقي من المدينة عن القذائف أو الصواريخ التي أودت بحياة من عرفوهم، كما أن حجم الدمار والخسارة الأليمة التي مني أهل المنطقة بها دفعت كثيرين منهم في ردة فعل أولية سريعة إلى النزوح عن المنطقة نحو مناطق أخرى داخل حلب الغربية وخارجها، فسمير رب العائلة ابن السادسة والأربعين يقول: “تعبنا، ربما يكون الموت رحمة بالنسبة إلى الكثيرين منا، لكن تبقى مسؤولية الاهتمام بأطفالنا تدفعنا إلى الاستمرار والبحث دوماً عما هو أفضل وأكثر أمناً لهم”، ويتابع أنه سينتقل إلى منزل أخيه في منطقة محطة بغداد التي لم تنل نصيباً كبيراً من القصف خلال الفترة الماضية، آملاً أن تبقى أكثر أمناً من غيرها.

جيمي الشاب الجامعي الذي كانت له تجربة اعتقال سريع سابق إثر مشاركته في مظاهرة ضد النظام السوري يؤكد أولاً أنه لم يعد يكترث حقيقة لمصدر هذا القصف، أكان من المعارضة أم من #النظام، وهو إن كان يميل لاعتبار القصف الذي أصاب منطقة السليمانية مصدره قوات النظام بخلاف ذاك القصف الذي طال منطقة الجديدة وساحة المطران فرحات، إلا أنه يفضل التريث معتقداً “إن تكرر القصف بهذه الشدة التدميرية -لا قدر الله- يكون المصدر على الأرجح من القسم الشرقي من المدينة”، فهو بعد مضي هذه السنين على انطلاق الثورة والأحداث التي شهدتها والتطورات المتلاحقة يعتبر أن بعض مسلحي المعارضة في المقلب الآخر من المدينة لن يحجموا عن استعمال أي سلاح مهما عظمت شدته التدميرية ضد النصف الآخر من المدينة إن توفر لهم.

وكان القصف ترافق مع انقطاع في خدمتي الإنترنت والاتصالات الهاتفية لأسباب قيل أنها متعلقة بسيطرة مسلحي المعارضة على مدينة #إدلب، مما سبب حالة من الهلع الزائد لدى الحلبيين الذي يقيمون في مناطق أخرى من #سوريا أو خارجها.

القصف النوعي لجهة ارتفاع حصيلته المؤلمة على صعيد البشر والحجر دفع مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في حلب إلى إصدار بيان إعلامي نشره الموقع الرسمي لراديو دولة #الفاتيكان جاء فيه: “استهدفت الأحياء المدنية الآمنة بقذائف حرب صاروخية لم نسمع ولم نر لدمارها من قبل مثيلاً… عشرات الشهداء من كل دين ومذهب”، مطلقين صرخة للكف عن التخريب والتدمير وإغلاق أبواب التسليح، ويقول البيان أيضاً: “ماذا تريدون منا؟ قولوا لنا؟ لقد تعبنا! هل تريدوننا أن نبقى مجروحين مهانين، معوقين وأشباه بشر؟ أم نرحل قسراً، ونباد جهراً”، معتبراً أن #المسيحيين في حلب يريدون الحياة بسلام مواطنين شرفاء مع سائر أبناء الوطن.

لم ينتظر الحلبيون المسيحيون خيراً من هذا البيان، فقسم لا بأس به منهم، خصوصاً من سكان المناطق الأشد تضرراً في حلب الغربية نزحوا إلى أحياء أخرى اعتبروها أكثر أمناً أو إلى قرى #وادي_النصارى والمدن الساحلية، فالانتقال إلى #تركيا غير محبذ لديهم لأسباب تتعلق باللغة والمشاعر السلبية عندهم تجاه موقف حكومة هذا البلد مما يجري في سوريا، محملين إياها جزءاً كبيراً من مسؤولية ما أصاب حلب على وجه التحديد، أما #لبنان فقد بات دخوله صعباً بعد قرار #الأمن_العام اللبناني مطلع العام الحالي بشأن إقامة السوريين في لبنان، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المعيشة هناك، خصوصاً بعد أن أنهكوا مادياً واستنزفت مواردهم بسب الشلل الذي أصاب قطاعاً كبيراً من الحياة الاقتصادية الحلبية.

الكنيسة من جهتها تبدو من خلال مصدر كنسي رفض الكشف عن هويته انتقل إلى خارج مدينته لأسباب قاهرة متفهمة لموقف المسيحيين، وهو إذ يصر على التحلي بفضيلة الرجاء يبقى أمله ضعيفاً باستمرار الوجود المسيحي في حلب إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه من تفاقم وسوء “فمن بقي منهم في حلب مجبر ولا خيار له في ذلك لأسباب صحية أو عائلية أو مادية”، آسفاً لتصرفات مسلحي المعارضة الذين يتبعون الأساليب الإجرامية نفسها التي يأخذونها على النظام من قصف عشوائي للمدنيين، ومحاولة إطباق الحصار عليهم محاربين إياهم في لقمة عيشهم، ومطالباً ألا يحاسب هؤلاء المدنيون على مواقفهم ونواياهم التي غالباً ما لا يجرؤن على الإفصاح عن حقيقتها، “فالأمور اليوم لم تعد كما كانت قبل سنتين وثلاث، فمن يريد خيرك لا يشبعك وعوداً بل يعمل على تحقيق تغيير حقيقي على أرض الواقع يشجعك على الاستمرار والبقاء”.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة