داعش يوفر على النظام ملايين الليرات بـ “استتابة المعلمين”.. ويرى التقاعد بدعة

داعش يوفر على النظام ملايين الليرات بـ “استتابة المعلمين”.. ويرى التقاعد بدعة

هشام سراج الدين

فوجئ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد أكثر من عام وأربعة أشهر من سيطرته المطلقة على ريف #حلب الشرقي، وبعد شهور على بيانه رقم 9 تاريخ 28/ صفر/1436هـ، القاضي بـ “إيقاف عمل جميع المعلمين السابقين واستتابتهم”، بأنَّ  عدد المستجيبين لبيانه الأول قارب مئتي معلم، في حين أدار الآلاف ظهورهم للتنظيم.

ففاجأ التنظيم المعلمين والمجتمع السوري ببيان صادم نص على أنّ “من لم يحضر للاستتابة يعد مصراً على ردته، وبناءً عليه تطبق في حقه الإجراءات القضائية الشرعية المناسبة”.

يقول محمد وهو معلم تربية إسلامية من مدينة #منبج: “لا تكمن خطورة البيان بتكفير المعلمين وحسب، إنما الخطورة بتكفير التنظيم للمسلمين جميعاً، وهذا البيان الصادر عنهم أبرز دليل على منهج التنظيم التكفيري”.

وأعطى البيان إشارة واضحة لنظرة التنظيم المستقبلية، يتابع المدرس محمد: “التنظيم يستخدم التقية والتسلسل، فبدأ بتكفير النظام والموالين له، ثم كفر الأحزاب العلمانية، ومناصري الديمقراطية ودعاتها، ثم كفر #الائتلاف وكل المعارضة السياسية، ثم الثوار والأحزاب الإسلامية، والآن جاء دور المجتمع”، ويؤكد ما قاله  الأستاذ محمد الطالب الجامعي محمود من سكان #جرابلس “صدمنا التنظيم عندما اعتلى المنبر، وخطب فينا قائلاً: أنتم كفار، ونعذركم لأنكم لا تعرفون أنكم كفار، وسنعلمكم حتى يذهب جهلكم”.

وغصّت المساجد المحددة لإجراء الاستتابة في منبج (المسجد الكبير، مسجد العلائي، مسجد أبو بكر الصديق) بالحاضرين، فالكل يريد الانتهاء من المسألة قبل قطع رأسه، فقام #داعش بصرف معلمي المدينة ليوم آخر لقرب بيوتهم، وطلب من معلمي الريف البقاء، وشهدت استتابة المعلمات ازدحاماً مماثلاً.. يقول المعلم حسن من مدينة منبج: “يدرك التنظيم أننا جميعاً غير مؤمنين بما نفعل، وأن ظلم التنظيم والخوف من تطبيق الردة دفعنا للمجيء، والدليل أنه لم يستجب إلا عدد قليل للبيان الأول رغم قسوته بالوعيد”.

ولا يجد أحد تفسيراً شرعياً أو منطقيا لمسألة التوبة، يقول أبو حذيفة من التنظيم: “التعليم الفاشل سبب انحدار الأمة، ولا يعقل أن تدرس مناهج النصيرية في بلاد الإسلام، وتدريسها والرضا بذلك نوع من الموالاة تخرج صاحبها من الملة”، ويرد الشيخ حسين  “توبة المعلمين تتعلق بحكم الردة، والكل يعلم أنّ أكثر من 90% من المعلمين معاد لنظام #الأسد وغير موال له، وله ملاحظات حول المنهاج لا يرضى بها وإن درّسها، فلا أساس شرعياً لمسألة توبة المعلمين”.

يقول المعلم عبد الله من مدينة منبج: “لنفرض جدلاً أني مت اليوم قبل إعلاني الاستتابة، فهل أنا كافر”، ويقول معلم آخر ساخراً “يجب إخراج رفات المعلمين الذين ماتوا خلال الفترة السابقة من مقابر المسلمين، فلا يجوز دفن كفرة (مرتدين) في مقابر المسلمين”، فهناك شبه إجماع أن هدف التوبة سياسي، هو تكريس سلطة التنظيم الديكتاتورية.

وتعيش مناطق التنظيم حالة من القلق والخوف والترقب الحذر، فإعلان التوبة يعني قطع الرواتب من قبل النظام، ويقول المعلم عمر من مدينة منبج “أصبح المعلم بين سكين داعش، وسيف النظام، وكلاهما يُضيِّق علينا، فإعلان التوبة يحتّم قطع الراتب”، فالاستتابة تنص على قطع أية صلة مع النظام بما فيها الامتناع عن قبض الرواتب.. يتابع عمر “مقاييس التنظيم، ومحاكماته العقلية عجيبة غريبة، فكأننا نقبض رواتبنا من بشار، وغاب عنه أننا نقبض من الدولة، وبشار ناهب لهذه الدولة”، فالتنظيم ينظر للدولة السورية بأنها “دولة نصيرية شركية”.

ولم يستثن التنظيم المعلمين الفقراء، فقد أجاب موظف الاستتابة وهو مصري الجنسية أحد المعلمين الذي قال له “أنا فقير، وبيتي بالآجار، وأولادي أطفال صغار لا يستطيعون العمل، ولا يوجد معين بعد الله إلا الراتب، كما أني لا أجيد شيئاً سوى التعليم”، بالقول “الرزق على الله، ولا توالوا الكفار، لا تجعلوهم يتحكمون ببلاد المسلمين في بلاد الشام”.

وامتد القرار ليشمل المعلمين المتقاعدين لأن التوبة مطلوبة من كل معلم درس ولو يوماً واحداً، وقال معلم متقاعد تجاوز السبعين للمسؤول عن التوبة “يا شيخ أنا كما ترى أكلت السنون عمري، وأفنيته بتدريس الأطفال، ولا أستطيع العمل، أتعطونني راتباً تقاعدياً؟!”، فجاء الجواب صادماً “لا يوجد شيء في الإسلام اسمه تقاعد، هذه بدعة محدثة”،  وفي هذا الصدد يقول الشيخ قاسم من مدينة منبج “غاب عنه أنّ البدعة تتعلق بالعبادات لا بأمور الحياة، وإلا كان ركوب السيارة بدعة”.

وقد وفّرت هذه الخطوة  ما لا يقل عن مئة وخمسين إلى مئة وستين مليون ل.س شهرياً على خزينة النظام السوري، فأعداد المعلمين بالآلاف، يقول عبد القادر وهو طالب جامعي “قدم التنظيم دعماً كبيراً من أجل دعم #الشبيحة والميليشيات الطائفية، فبدلاً من حصول المعلمين عليها سيحولها النظام لشبيحته”.

ويرى مراقبون أنّ التعليم من جملة الأشياء التي ستكشف عجز التنظيم عن بناء الدولة، إذ وعد التنظيم الأهالي بأنّ افتتاح المدارس سيكون بعد شهر، ويذكر هنا أنّ هذا الشهر تكرر منذ إغلاق المدارس بداية العام الدراسي، دون تمكن التنظيم من تنفيذ أي وعد، وأجرى التنظيم مؤخراً مقابلات اختار فيها ما يقارب 120 معلماً، جلّهم “ليس له علاقة بالتعليم”، وقدم وعوداً بإعطاء راتب يقدر بـ150$ شهرياً لهؤلاء المعلمين.

يذكر أنَّ إجراءات الاستتابة بسيطة جداً، فلا تحتاج سوى صورة عن البطاقة الشخصية، وصورة شخصية، وذاتية عن المدرس، ليُعطى المعلم رقماً يراجعهم على أساسه بعد شهر لأخذ ورقة الاستتابة، يقول المحامي محمد  من مدينة منبج “لا تشبه ورقة الاستتابة إلا صكوك الغفران التي كانت تقدمها الكنيسة في عصور الظلام، فهل يعقل أنَّ مجرد ورقة تخرج المرء من الكفر؟!”

وتلفت الانتباه الشائعة المتداولة عن أن هذا البيان تنفيذ لإرادة أمير التنظيم (خليفة المسلمين) #أبو_بكر_البغدادي، فهي آخر فرصة للمعلمين كي يتوبوا، وربما يكون هذا هو السر بأعداد المراجعين الكبيرة.

يرى نشطاء أنه “سوف تترتب على هذه الخطوة نتائج كارثية، تهدد مستقبل المنطقة وأبنائها علمياً واجتماعياً، فالأعوام القادمة لن تشهد دخول أبناء المنطقة الجامعات الحكومية أو الخاصة، حيث ستشهد انهياراً في المنظومة التعليمية مما يتطلب سنوات طويلة من البناء لإعادة ترميم ما تهدم”، يقول المربي عبد السلام “على مدى أعوام كثيرة قادمة سيصاب التعليم بفشل ذريع، لأن التنظيم نسف كل المراحل، ويسير على غير هدى، فكيف يبني دولة يُتهم فيها المربون بالردة “.

كما دفعت وتدفع الخطوة أعداداً كبيرة من المعلمين للهجرة إلى #تركيا أو مناطق النظام، ولاسيما المعلمون الذين تعمل زوجاتهم في حقل التعليم، ولديهم أولاد في المرحلة الثانوية أو الجامعية.. يقول المدرس أبو حسن “بغض النظر عن رفض فكرة الاستتابة فإنه لا يمكنني التفريط بخدمة 30 سنة، وبمستقبل أولادي من أجل عيون البغدادي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.