هيلين المصطفى

أكثر من 15000 قطعة أثرية بين قطع فخارية ومنحوتات تتوزع في محافظة #إدلب سواء داخل متحف المدينة أو خارجه، وقد حاول المختصون منذ بداية الأحداث العسكرية الحفاظ عليها، وإبقائها في مكان آمن قدر الإمكان، لما لها من قيمة كبيرة.

 

وبمجرد توسع الاشتباكات ودخولها إلى المدينة، وجد موظفو المتحف والمختصون في مجال #الآثار أنفسهم خارج المؤسسات التي يعملون بها، لتضع الفصائل العسكرية يدها على ما تبقى من قطع أثرية لم يصطحبها النظام معه عند خروجه من المدينة، وتنقل المصادر من إدلب أن مصير ما تبقى من قطع أثرية تمثل #حضارة #سوريا منذ آلاف السنين تم نهبها وتهريبها عبر تركيا، وبيعها ضمن شبكات دولية أنشئت لهذه الأغراض، وانتشرت بكثرة في المنطقة بعد حرب #العراق 2003 .

انخرطت إدلب منذ  2012 تقريباً بالأحداث العسكرية في سوريا، وهي كما هو معروف من أهم المحافظات وأغناها بالمواقع والتلال الأثرية، والتي تغطي فترات زمنية طويلة منذ العصور القديمة وصولاً إلى الفترة الإسلامية، وقد تعرضت بمعظمها للقصف والتدمير والنهب.

إيبلا (تل مرديخ)

تعتبر #إيبلا من أهم مواقع الأثرية في محافظة إدلب، وتعود تاريخياً إلى مملكة إيبلا ذات السيطرة والنفوذ مابين (2600- 2240 ) قبل الميلاد، حيث سيطرت في أوقات من هذا التاريخ على شمال سوريا الطبيعية، وجزء من #بلاد_مابين_النهرين، بالإضافة إلى بنائها شبكة علاقات دبلوماسية مع دول عديدة أخرى بالعالم القديم كإيران و #مصر و #سومر.

التنقيب في إيبلا بدأ في العام 1964، وأهم اكتشاف فيها كان في العام 1975، وهو أرشيف المدينة الذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد ويضم ما يزيد عن 17000 رقيم مسماري، والذي اكتشف بحالة جيدة جداً محتفظاً بالترتيب نفسه الذي نسق ضمنه، ومن خلاله تم الكشف عن ماهية هذه المملكة من الناحية السياسية، الدينية، الاقتصادية،  الاجتماعية.

من الناحية العسكرية سيطرت إيبلا على ما يزيد عن 17 ولاية  منها لبنان حالياً، وكذلك جنوب شرق #تركيا (مناطق غنية بالخشب والفضة)، وكانت مركزاً تجارياً وصناعياً هاماً، حيث أنتجت الأقمشة، والمعادن، وزيت الزيتون.

اللغة في ايبلا كانت لغة إيبلائية، ومنهم من اصطلح على اعتبارها من ضمن شعبة #اللغات_السامية الغربية، من خلال الأرشيف المكتشف تم الكشف عن معاجم لغوية كاملة تم تحضيرها، حيث كانت إيبلا مركزاً تعليمياً هاماً يتم التوافد إليه من مناطق كثيرة في العالم القديم، بالإضافة إلى المراسلات الدبلوماسية والتجارية التي كشف عنها هذا الأرشيف والتي كانت تتم بين حكام إيبلا وملوك وحكام ممالك هامة  كمصر و #قبرص وسومر، مما يدل على مكانة ايبلا ونفوذها.

وتعتبر الحرب التي شنها #سرجون_الأكادي حفيد نارام سين في العام 2240 قبل الميلاد على إيبلا هي بداية النهاية، فقد دمرت أجزاء كبيرة من المملكة بأهم أبنيتها وقصورها ومراكزها الحكومية، بعد ذلك كانت هناك محاولات عديدة لإحياء المدينة نجحت في بعض الأحيان لكنها لم تستطع يوماً أن تعود لعصورها الذهبية كما كانت، واختفت تدريجياً بعد ذلك حتى لم يبق لها أي ذكر في القرن الثالث للميلاد.

إستنادا إلى الصور التي التقطت عن طريق الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى التقارير الصادرة عن الجهات القليلة التي تعمل في الداخل السوري منذ بداية الاشتباكات العسكرية في سوريا في بداية الـ 2012 تم رصد وتوثيق الكثير من الأضرار في موقع إيبلا الأثري والتي كانت على عدة أشكال:
من خلال الصور التي قدمتها الأقمار الصناعية في عام  2014 تبين إزالة معظم هذه الخيام أو إزالة للقاعدة العسكرية، وعلى الأغلب كان ذلك نتيجة لتغيير المعطيات العسكرية على الأرض.أولاًـ توضّحت الأضرار نتيجة الأعمال العسكرية، حيث تم رصد قاعدة عسكرية مصغرة استغلت موقع التل الذي يعتبر استراتيجياً من الناحية العسكرية، حيث يؤمن رؤيةً واضحة ًجداً للمنطقة المحيطة، وكانت عبارة عن مجموعة من الخيام، بالإضافة إلى السواتر والحواجز الترابية التي برز شكل العديد منها مع شكل الآليات العسكرية التي تمركزت على طول حافة التل بالإضافة إلى القسم الجنوبي منه.

صورة الأقمار الصناعية

صورة الأقمار الصناعية

ثانياًـ أثرت الظروف الطبيعية على معظم المباني في إيبلا، والتي هي من اللبن، وفي ظل غياب الصيانة الدورية تصبح ضعيفة المقاومة لعوامل التعرية، إضافة لتعرضها للهجمات والهزات بشكل دائم، ما أدى إلى حدوث العديد من الانهيارات في جداران الأبنية نتيجة التفجيرات ومرور المركبات العسكرية.

ثالثاًـ النهب والتنقيب غير الشرعي فحتى الشهر الأول من العام 2013 لم يتم توثيق أي محاولة للنهب أو السرقة، لكن في الشهر الثامن من العام 2014  تم رصد وتوثيق الكثير من حالات النهب في الموقع، حيث يوجد أكثر من 45 حفرة تدل على أعمال التنقيب غير الشرعي، والتي انتشرت بطريقة عشوائية في محيط التل، وشمال الأكروبول (مركز المدينة) بسبب طبيعية الموقع حيث لا يمكن التكهن بأماكن تواجد اللقى الأثرية.

المدن المنسية (الميتة)

هي جزء من محافظة إدلب، مدرجة على لائحة التراث العالمي منذ العام 2011، وهذه المدن المهجورة تحمل بقايا حضارات كبيرة مهمة غابت ولم يعد لها وجود منذ مئات السنين، خلفت ورائها صروحاً معماريةً رائعةً، منذ أواخر العصور القديمة وصولاً إلى فترة الحكم البيزنطي.

تم هجرها مابين القرنين الثامن والعاشر، وتحتفظ بجزء كبير من أثارها بحالة جيدة جداً من مساكن ومعابد ومباني عامة وحكومية، بالإضافة إلى كونها مثالاً استثنائياً على تطور #الديانة_المسيحية في المنطقة، بما تتضمنه من كنائس وكاتدرائيات.

المدن المنسية

المدن المنسية

تقع على مساحة 5500 كم مربع ذات طراز معماري سوري خاص جداً،  وهي عبارة عن عدة مدن أو قرى مثل #جرده، #جبل_الزاوية، #البارة، #قلب_لوزة، #عين_دارا….. هي شاهد على حضارات ازدهرت وأناس عاشوا في هذه المدن ودمرت مدنهم بسبب الحروب، وهذا يتشابه بطريقة أو بأخرى مع ما يحدث داخل المدن السورية في الوقت الحالي.

وقد دفعت الأحداث التي حلت بإدلب وريفها السكان نحو اللجوء إلى أماكن لا يمكن تصورها كهذه الأماكن الأثرية، حسب شهادة العائلات التي انتقلت إلى هناك فإنه بعد “تدمير بيوتنا وتنقلنا من ملجأ إلى أخر لم يبق لدينا خيار غير هذه الأماكن التي كان يقال لنا عنها أنها كهوف، لكن كما يبدو من الزخارف والتفاصيل المعمارية أنها أكثر من ذلك بكثير”.

بعض من هؤلاء اللاجئين حفروا في القبور القديمة، واتخذوها منازل مؤقتة لهم، بل وأصبحت مصدر رزق البعض،  فحسب شهادة القاطنين الجدد، تتم عمليات الحفر بشكل دوري ليلاً، ويتم بيع القطع المستخرجة لأشخاص من جنسيات مختلفة.. على سبيل المثال تم رصد بيع إحدى القطع التي تعود لعصر #البرونز في #سوريا بـ400,000  دولار، وهذا بالإضافة إلى آثار المركبات العسكرية والثقوب التي أحدثتها القذائف العشوائية في الجدران، وأعمال الغرافيتي العشوائية أيضاً التي انتشرت مؤخراً في سوريا، حيث يبدو هذا ملاحظاً بشكل كبير في #قلعة_سمعان، وهي من أهم وأشهر المواقع في المنطقة.

سمعان

الكهوف

إن سرقة الآثار والتجارة غير المشروعة بها أمر موجود في سوريا منذ سنوات، ألا أن وتيرتها ارتفعت بسبب الاضطرابات التي حرمت الكثير من المواقع التاريخية من الحماية اللازمة، بالإضافة إلى كون الكثير منها يقع ضمن مناطق اشتباكات ساخنة، ما يجعلها عرضة للتدمير ولأعمال العنف العسكري.

كما إن تزايد سيطرة ونفوذ الجماعات المتطرفة يشكل حتماً خطراً كبيراً على الإرث الحضاري السوري من معابد وكنائس يتم هدمها يومياً، بالإضافة لعمليات النهب التي تتم، والتي تعتبر من أهم مصادر التمويل لهذه الجماعات.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة