رامز أنطاكي – بيروت

لجأ عدد كبير من الفلسطينيين الذي كانوا مقيمين في #سوريا إلى #لبنان، قادمين من المخيمات الفلسطينية في سوريا وعلى رأسها #مخيم_اليرموك في #دمشق، وقاصدين في أغلب الحالات مخيمات فلسطينية أيضاً لكن في لبنان، مثل مخيمي #صبرا و #شاتيلا المتداخلين، ومخيم #برج_البراجنة، ومخيم #مار_الياس، ومخيم #البداوي، ومخيم #عين_الحلوة… وكانت أسباب اختيار اللاجئين للمخيمات الفلسطينية في #بيروت وضواحيها أو قرب #طرابلس و #صيدا تبدو واضحة ومفهومة، فهم كفلسطينيين لهم أقاربهم هناك، وأبناء وطنهم المسلوب، ولو كان اللجوء قبل عشرات الأعوام قد فرقهم بين سوريا ولبنان ودول أخرى.

 

لم تتأخر الاحتكاكات السلبية والحساسيات في الظهور بين أبناء الوطن الواحد من فلسطينيين، بين فلسطيني-سوري من جهة، وفلسطيني-لبناني من جهة أخرى بحسب ما جرت عليه التسميات، ولا يخفي أبو ياسر معلم المدرسة الفلسطيني الكهل الذي أتى من مخيم اليرموك إلى مخيم شاتيلا أن هناك فروقات جوهرية بين الفلسطينيين الذي ترعرعوا في البلدين، ويرد ذلك إلى البيئة التي نشؤوا فيها، دون أن ينسى أن للحرب الأهلية اللبنانية والدور الفلسطيني فيها إسهام فعال في تعميق هذه الفروقات.

يتابع أبو ياسر مفسراً أن الفلسطينيين في سوريا عاشوا في ظروف أفضل بكثير من تلك التي عاشها مواطنوهم في لبنان عموماً، فالفلسطيني في سوريا كان يعيش دون أي قيود على حياته وعمله ودراسته وسكنه، إلا ما يطبق على المواطن السوري نفسه، بعكس الفلسطيني في لبنان الذي شارك في #الحرب_الأهلية التي انعكست بآثارها عليه، حيث قرارات وأنظمة الحكومة اللبنانية تضيق على اللاجئين الفلسطينيين لجهة العمل والإقامة والسفر، بالإضافة إلى عدم سماحها بتأهيل المخيمات الفلسطينية لتكون مناسبة للحد الأدنى من الحياة الصحية الكريمة إلا في حالات نادرة، وتشارك أحلام الشابة الفلسطينية- السورية أبو ياسر رأيه لكن مع ملاحظتها “أن التعميم خاطئ في كلا الحالتين، ولكن يبدو من الواقعي الحديث عن فروقات واضحة بين الطرفين”.

من جهة أخرى أثار حصول الفلسطينيين القادمين من سوريا على حصة مهمة من إعانات ومساعدات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (#الأونروا)، حفيظة الفلسطينيين- اللبنانيين، خصوصاً من كانوا قد اضطروا إلى ترك بيوتهم في مخيم #نهر_البارد إثر المعارك التي نشبت هناك سنة 2007 بين تنظيم #فتح_الإسلام و #الجيش_اللبناني، وصارت هناك صورة عامة في أذهان غالبية الفلسطينيين-اللبنانيين أن مواطنيهم القادمين من سوريا يقاسمونهم لقمة عيشهم.

وكما هي حال المواطنين اللبنانيين أصبح بعض الفلسطينيين- اللبنانيين يعانون من ارتفاع بدلات إيجار المنازل في مخيم كمخيم شاتيلا نظراً لكثر الطلب الذي سببه السوريون عموماً والفلسطينيون منهم خصوصاً، وارتفعت الأصوات للتعبير عن الاستياء من منافسة القادمين الجدد للفلسطينيين- السوريين على فرص العمل التي أصلاً كانت تعتبر نادرة بالنسبة للفلسطيني- اللبناني الذي تمنعه الأنظمة والقوانين اللبنانية من العمل في كثير من المهن والحرف. وفي الوقت عينه استفاد أصحاب البيوت في المخيم من كثرة الطلب ليرفعوا بدلات الإيجار ويزيدوا مداخيلهم، كما من رخص اليد العاملة الوافدة، وقد شهدت بعض المخيمات فورةً في عمليات البناء لمواكبة ازدياد الطلب على الشقق المخصصة للإيجار، وفي المحصلة ازدادت أرباح أصحاب الشقق والأعمال الكبيرة بينما تأثر سلباً أفراد الطبقة الوسطى فما دون.

الأحداث التي جرت مؤخراً في مخيم اليرموك المحاصر والذي يعتبر أكبر تجمع للفلسطينيين في سوريا، ودخول تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) إليه والسيطرة على أجزاء منه، دفعت أبناء المخيم من الفلسطينيين المنتقلين قسراً إلى لبنان لتنظيم تحركات تضامنية مختلفة الأشكال، من اعتصامات إلى معارض ووقفات صامتة… وبطبيعة الحال جرى قسم من هذه التحركات في المخيمات الفلسطينية التي استقبلت اللاجئين من سوريا.

في أحد هذه المخيمات، حيث كل الفصائل الفلسطينية ممثلة بتنوعاتها وانقساماتها، مثل #فتح، و #حماس، و #الجبهة_الشعبية لتحرير فلسطين، و #القيادة_العامة… هتف الفلسطينيون- السوريون منتقدين تعامل السلطة الفلسطينية السيء برأيهم مع قضية مخيم اليرموك، ولم يرق تصرفهم لمؤيدي حركة فتح والرئيس #محمود_عباس في هذا المخيم، فحصلت بعض الاحتكاكات والتهديدات، ويشير عمار الذي شارك في التحرك وشهد أحد الإشكالات إلى أن الأمر ذكره بـ “#شبيحة_الأسد الذين يرفضون أي ذكر سلبي لرئيسهم، فهل صار هناك شبيحة لأبو مازن (محمود عباس) أيضاً؟؟”، ومن جهته يشير ابن مخيم شاتيلا الذي رفض الكشف عن هويته أن على الفلسطيني الوافد إلى المخيم أن يراعي حساسياته وقواعده، فالأمر في مخيمات لبنان لا يشبه كثيراً المخيمات السورية، و”الفلسطيني الذي صار متمرساً بالشعارات والهتافات اللاذعة عليه أن يحترم كضيف مشاعر مضيفيه”.

وفي حالة أخرى أثارت صورة في معرض صور حول مخيم اليرموك امتعاض مسؤول أحد التنظيمات المسؤولة عن القاعة التي أجري فيها المعرض، لأنها تظهر في جزء منها شعار وأحد قيادات تنظيم مناوئ له دوره اليوم في المعارك التي تدور في مخيم اليرموك.

وينقل زياد الذي يسكن هذا المخيم منذ ترك مخيم اليرموك، أن كلاماً كثيراً تردد خلال الأيام الماضية حول قيام عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة باعتقال شابين من المشاركين في أحد الاعتصامات والتحقيق معهم وتعذيبهم، والأمر – الذي لم يتم التأكد من صحة حصوله – يشير على أي حال إلى مدى التوتر الذي يسيطر على الأجواء بين لاجئي اليرموك ممن يعارضون النظام السوري، وعناصر القيادة العامة الموالية لنظام الأسد في المخيمات اللبنانية المضيفة.

الانقسامات التي تسود الساحة السورية لها أشكالها الشبيهة في الساحة الفلسطينية، وهي انقسامات نقلها الفلسطينيون معهم من سوريا إلى لبنان، لتتفاقم الأمور مع دخول العامل الفلسطيني- اللبناني بتعقيداته إليها، وهنا وهناك، بين هذا وذاك تبقى شريحة واسعة من الفلسطينيين تريد العيش الحر الكريم، بعيداً عن كل ما تعتبره تفاصيل ومهاترات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.