جلال سراج الدين

توضِّحُ طريقة تعامل تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) مع أصحاب المهن في المناطق الخاضعة لسيطرته، طبيعة الدولة التي ينشدها التنظيم، حيث تلاشت بعض المهن بعد أنْ غدت محرّمة، وتغيرت أخرى، فيما بقيت مهن غيرها محتفظةً بنفسها، ويخضع كل ذلك تبعاً لتقييم تنظيم الدولة لهذه المهن.

 

يقول الشيخ عدنان من ريف #حلب لموقع #الحل_السوري، إن من يتعمّق بإجراءات التنظيم تجاه أصحاب المهن يجد أنَّ “المعيار الشرعي واحد من المعايير للحكم على المهن”، فالحكم عليها قد يكون أيضاً “لأسباب أمنية ومصلحيّة”، في حين يؤكد أمراء التنظيم أنّ هدفهم “تطبيق شرع الله”، وذلك لا يتمُّ إلا “بتطهير المجتمع من شوائب الشرك الحديثة من قوانين وضعية، ودعوات فاسدة للديمقراطية أو الاشتراكية أو العلمانية”، إذْ يرى التنظيم الكثير من المهن قد روّجت لذلك و”لوثت العقول”.

ويلفت الانتباه تغاضي التنظيم عن ممارسات معينة في بعض المهن، مقابل اعتبار تلك الممارسات ذاتها جريمة إذا مورست في مهن أخرى، فالتنظيم الذي منع اختلاط طلاب الأول الابتدائي، وحرم تدريس المعلمات للأطفال، سمح بنوع من حرية الاختلاط في مهنة الطب، إذ أعطى الأطباء والممرضين هامشاً من الحرية.. يقول الطبيب أحمد من ريف حلب لموقع الحل: “رغم كل المضايقات التي تعرضنا لها فإننا نُعدّ الأحسن معاملة، حيث يَعدّ التنظيم للألف قبل اتخاذ أيَّ إجراء بحقنا”، وترجع المعاملة الحسنة نسبياً لحاجة التنظيم الماسة للأطباء، يتابع الطبيب “الدافع مرجعه قلة الأطباء، ولا سيما المهرة منهم، فهجرة الأطباء إلى خارج مناطق التنظيم ظاهرة منتشرة، ومن المتوقع أن تُقبل المنطقة على كارثة إنسانية إذا استمرَّت هذه الهجرة”.

انتعاش تجاري..

انتعش التجار، ولا سيما الكبار منهم، إذ اقتصرت مضايقات التنظيم في مجال التجارة، على جمع الزكاة الإجبارية، ومنع بعض السلع مثل الفروج المجمد، والسجائر، وبعض المواد الأخرى، فيما رفع التنظيم بالمقابل أيّ رقابة عن الأسعار، وترك السوق مفتوحاً.. يقول المدرس حسان من مدينة #منبج: “التجار أقل المتضررين من سيطرة التنظيم بل إنهم استفادوا حين وفّر التنظيم لهم الأمان النسبي، ونشَّط الحركة التجارية نتيجة السيولة المادية التي يضخها عناصر التنظيم في السوق”.

مهن منقرضة

يعيش أصحاب بعض المهن أحلك أيام حياتهم، كالقضاة والمحامين، إذْ شنَّ التنظيم حرباً شعواء عليهم، وأغلق جميع المحاكم في مناطق سيطرته دون استثناء، باعتبار هذه المحاكم تحكم بالقوانين “الوضعية الشركيّة”، يقول أبو الحارث وهو شرعي في تنظيم الدولة: “الحكم لا ينبغي أن يكون إلا لله، وهذه المحاكم تحكم باسم الشعب دون الله، وهذا شرك لا يرضى به مسلم”.

ويشير الواقع إلى أن المحاكم الموجودة في مناطق التنظيم، هي محاكم تسير معاملات بسيطة كالوكالات، إضافة للمحاكم الشرعية، فيما تعرض القضاة الذين كان ينظر لهم بعين الاحترام، للاعتقال والإهانة، كما صادر التنظيم بيوت بعضهم وأودعهم السجن، أمّا المحامون فلم يعد لهم أيَّ عمل، وأجبروا على “إعلان توبتهم”، وقطع أي صلة لهم مع محاكم #النظام، “وأيّ محام يُكتشف ترافعه وتعامله مع المحاكم الحكومية يحكم عليه بالردة”، وقد تعرض عدد من المحامين للاعتقال والتعذيب حتى الموت، “كما حصل مع المحامي محمود كامل والذي ادعى التنظيم أنّه مات إثر سكتة قلبية”.

ومن المهن المنقرضة في مناطق التنظيم مهنة المنشدين والمغنين والموسيقيين.

ترميم المهن..

بعض مهن أصبح أصحابها “بيْنَ بين” كمهنة التعليم، فعلى الرغم من إغلاق التنظيم للمدارس الحكومية، وإجبار المدرسين على إعلان “التوبة” والخضوع لدورات شرعية، إلا أنّه أعلن بالمقابل مسابقات للمدرسين من أجل لعمل في مدارسه، يقول  أبو حسن الأنصاري من التنظيم: “الهدف من عمليات الاستتابة للمعلمين ليس الانتقام أو التكفير، إنما انتشال المعلمين الذين سيربون المجتمع من مستنقع الشرك الغارقين به دون أن يشعروا، من خلال تعليم أبناء المسلمين أفكار الإلحاد، والدعوة للمذاهب الفاسدة من ديمقراطية واشتراكية”، ويرى آخرون أنّ الهدف من الضغوط على المعلمين ضم شريحة مثقفة إلى صفوف التنظيم.

ويبدو غريباً أن التنظيم يحارب العاملين في الحقل الديني، إذ اعتبر تنظيم الدولة علماء الدين من أئمة وخطباء، مسؤولين عن كل “المصائب التي حلت بالأمة”، وصنّفوهم بين “عالم سلطان، وصوفي، ومرجئي، حتى وصل الأمر لإعدام بعضهم بتهمة السحر والشعوذة”، مما اضطر معظم المشايخ ولا سيما مشايخ الصوفية للهجرة خارج #سوريا، وقد صادر التنظيم بيوت وعقارات عدد من علماء الدين بتهمة الردة، وموالاة الكفار.

دورات شرعية.. “في الإعادة إفادة”

ألزم التنظيم أصحاب المهن جميعاً، وكل من يملك محلاً تجارياً، بالخضوع لدورة شرعية، فيقول حرفي الكهرباء أبو محمد لموقع الحل: “خضعت لدورة شرعية لأني أملك محلاً تجارياً، ولم أنهِ الدورة الأولى حتى أبلغت بضرورة حضور دورة شرعية ثانية، على الرغم من أنَّ الدورة الثانية نسخة عن الأولى، لكنّ الجواب كان جاهزاً: تلك لأنك صاحب محل، وهذه لأنك صاحب مهنة، كما أنّ في الإعادة إفادة”.

يتعامل تنظيم الدولة مع أصحاب المهن ومع المواطنين بطريقة أمنية بالدرجة الأولى، وحسب الحاجة ثانياً، فلا وجود للشرع في معاملاتهم و”قراراتهم تدور بين العبثية والتخبط والانتقام من المجتمع ملصقين كل شيء باسم الدين”.

ورغم حرص التنظيم على معاملة أصحاب الكفاءات العلمية الرفيعة كالأطباء معاملة خاصة، لكنه لم ينجح بجذب أحد، فأغلب أصحاب العقول والخبرات الرفيعة يواظبون على الهجرة، إذ إنَّ الأمر لا يتعلق بهم شخصياً، فمنظومة الحياة التي يسعى التنظيم لرسمها دفعتهم للهجرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.