مكتب الحل السوري في مناطق تنظيم داعش

هشام سراج الدين

 

تتفاوت قرارات تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) في مستويات تطبيقها وفق معايير كثيرة، خاصة تلك القرارات ذات الطابع الاجتماعي والحياتي، ومن معايير تفاوت التطبيق ما يتعلق بأمير الحسبة المسؤول عن سير القوانين، ومنها أيضاً جنس من يتم تطبيق القانون عليه، أهو ذكر أم انثى؟ حيث يوجد فرق ظاهر بينهما من جهة الإلزام بالقوانين والعقوبات .

ولعل موضوع الاختلاف في تطبيق بعض القوانين على مكوني المجتمع، يفتح الباب للحديث عن قضايا #المرأة في ظل حكم داعش، حيث طرأت تغيرات كثيرة على حياة #المرأة_السورية مع بداية سيطرة التنظيم على شرق #سوريا، من #الرقة إلى #دير_الزور إلى ريف #حلب الشرقي.

تتميز المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم بالطابع العشائري الريفي، إذ تتصف البيئة الاجتماعية بأنها بيئة محافظة عموماً، “ملتزمة بالحشمة رغم هامش الحرية المنضبطة بالتقاليد والأعراف الاجتماعية”، حسب سكان من المنطقة، وقد “شهدت هذه المناطق تطوراً لافتاً في العقود الأخيرة نتيجة لتطور الحياة، فحصل نوع من الانفتاح”، ولا سيما في مراكز المدن كدير الزور والرقة ومنبج، كما تحسن الوضع التعليمي “فبتنا نرى المعلمة والطبيبة والمهندسة”.

أمام هذه البيئة المحافظة لم يجد التنظيم حرجاً في تطبيق قوانينه الصارمة، بل وجد بعضها مناسباً للبيئة، وكانت بعض الخطوط الحمراء التي فرضها جزءاً بالأصل من تكوين المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بقضايا “الاعتداء على الحرمات” التي لم يتهاون التنظيم في التعاطي معها، “عناصر التنظيم أغلبهم سوريون أو عرب، وهم يعيشون في مجتمعات تحكمها التقاليد المستمدة أصلا من الدين الإسلامي، لذا كان التنظيم قاسياً في أي اعتداء على الأعراض والحرمات، أو الإساءة لها”، يقول المربي غسان من ريف حلب، ويضيف أن التنظيم نفذ عدة عمليات إعدام بحق عناصر منه “بتهمة الاعتداء على الأعراض”، كإعدام أحد عناصره التوانسة في  ريف  دير الزور لاعتدائه على فتاة من المنطقة، إلا أن  “بيع الأيزيديات” الذي مارسه التنظيم وفق وثائق مثبتة، كان مخالفاً لكل ما ادعى التنظيم الالتزام به، وهو ما دعا التنظيم إلى تبرير سلوكياته تلك بالشرع.

قوانين..

قضية المرأة لم تمسّ عملياً المرأة وحدها تحت سيطرة داعش، وإنما طالت الرجل، فقانون منع الاختلاط مثلاً، كانت تقع عقوبة تجاوزه على الرجال غالباً، إلا أن هذا لا يعني بمكان أن المرأة كانت محمية من العقوبات، أو من آثار القوانين عليها.

تدرّج التنظيم بفرض قوانينه وأنظمته، فمن ناحية اللباس تدرج بالقوانين الصارمة، حيث بدأ بمنع لبس البنطال للمرأة، كما منعها من الظهور حاسرة الرأس، ثم منع “المانطو القصير” لاحقاً، وأخيراً ألزم النساء جميعاً بلبس العباءة السوداء إضافة للدرع، وزاد على ذلك بإلزام النساء بغطاء الوجه ومنع كشف العينين، واختلفت صرامة التطبيق من منطقة لأخرى حسب أمير الحسبة، المسؤول عن تطبيق قوانين التنظيم.

وسلك التنظيم إجراءات عدة من أجل فرض قوانينه بدءاً من الزجر، مروراً بالجلد والسجن والخضوع لدورات شرعية، ورغم صرامة التنظيم إلا أنّ الالتزام بقوانينه بقي محصوراً في المدن، إذ بدا الالتزام في الريف أقل، رغم تسيير التنظيم دوريات لعناصره بسياراته أو على الدرجات النارية، ويقول رائد وهو طالب جامعي من ريف منبج  “فاجأ عنصر من التنظيم أهل القرية، وأخذ هويات عدد من النساء، وطالب من أولياء أمورهن مراجعة مقر الحسبة في المدينة” لمحاسبتهم على مخالفة بناتهم للقوانين، وهو ما يشير إلى أن العقوبة تطال وليّ المرأة لا المرأة، إذ يعتبر الولي (زوج – أب – أخ) مسؤولاً عنها، مما دفع الرجال إلى عدم اصطحاب النساء إلى الأسواق.

وبقيت إجراءات الحجاب ومنع الاختلاط ثانوية، إذ ليس بوسع التنظيم مراقبة الأسر في البيوت، كما أنَّ شريحة كبيرة كانت ملتزمة بذلك به قبل مجيء التنظيم أصلاً، إلا أنَّ المشكلة الكبرى كانت بإيقاف التعليم، ومنع الشبان والبنات على حد سواء من التعلم في المدارس والجامعات الحكومية، تقول الطالبة فاطمة من ريف حلب: “استطاع الشبان إيجاد حيل، والهرب من حواجز التنظيم، وتأمين سكن جماعي مع رفاق لهم ريثما ينتهي تحصيلهم الجامعي، بينما حرمت غالبية الفتيات من متابعة الدراسة”، ووصل الأمر لمنع أي امرأة تحت سن الأربعين من التوجه لمناطق النظام إلا لأسباب قاهرة جداً.

وقد تدرج الحرمان من التعليم ولا سيما العالي منه وفق مراحل، إذ أجبرت الظروف المادية وطول الطريق وتكلفته كثيراً من الأهالي على الإحجام عن متابعة تعليم بناتهم، وقبل المنع النهائي تم فرض منع سفر المرأة دون محرم، يقول الحاج علي وهو تاجر من ريف حلب: “كان التنظيم يتهمنا بقلة النخوة والحميّة، وعدم الغيرة على الأعراض، لأننا نسمح بتعلم بناتنا في الجامعات الحكومية” وتعتبر محظوظةً من لها  أخ أو عم أو قريب في مناطق النظام تستطيع السكن عنده على الأقل لتقديم الامتحانات.

تقاليد تعود للظهور

عادت للظهور عادات قديمة كثيرة كان المجتمع قد بدأ بتجاوزها بشكل واضح قبل سيطرة داعش، منها الزواج المبكر للفتيات، وهو ما أسهم به أصلاً توقف التعليم، وإغلاق سوق العمل في وجه النساء، كما أنَّ الشهادات العلمية في مناطق التنظيم للفتيات لم يعد لها قيمة، ناهيك عن الفقر والعوز الذي أصاب كثيراً من الأسر.. يقول المحامي حسان من ريف حلب: “أفق الحياة بات مسدوداً أمام الفتيات، ولم يبق سوى التفكير ببناء الأسرة وتربية الأبناء..الشباب يهاجرون ويبحثون عن عمل فماذا تنتظر من الفتيات؟!”، كل ذلك دفع إلى بروز ظاهرة الزواج المبكر، والمبكر جداً، وهو ما اعتبر إيجابياً بالنسبة للتنظيم وعناصره، اللذين أسهموا بشكل كبير في رواج قضية الزواج المبكر، كون غالبيتهم بات بإمكانهم الزواج من فتيات صغيرات في مناطق سيطرتهم، بسلطة المال أو القدرة على الحماية.

ومقابل الزواج المبكر، بدت “العنوسة” أيضاً ظاهرةً جلية في المجتمع، كون معظم الشريحة المهاجرة خارج البلاد هي من الشباب الذكور، كما ساعدت عودة الزواج المبكر في تفاقم مشكلة العنوسة، تقول ريم وهي جامعية من ريف حلب: “لم تعد الفتاة المتعلمة مميزة في ظل سيطرة التنظيم، ودفعت الفتيات المتعلمات ضريبة باهظة، إذ ليس أمامهن أية، فرصة للعمل ولا يستطعن الهجرة كالشباب.. مناطق التنظيم سجن كبير للمرأة”.

وأمام قتامة تلك الصورة ظهرت بعض الإساءات والمضايقات في مناطق داعش، فعناصر التنظيم معظمهم شبان يريدون الزواج في مناطق وجودهم، لذا فقد اتبع كثير منهم طرقاً “لا يقبلها السوريون”،  مثل إيقاف الفتيات في الشوارع وطلب الزواج منهن، وقد تكررت تلك الحوادث كثيراً، بل كثيراً ما يطلب عناصر التنظيم من النساء العاملات معهم الذهاب إلى المدارس من أجل اختيار بنات مناسبات لهم.

يضاف لما سبق زواج فتيات صغيرات من عناصر التنظيم الأجانب، ولا سيما الخليجيين تحت إغراء المال والسلطة، وأحياناً رابط الانتماء للتنظيم.. وهو ما تم نقاشه في ملف سابق.

نساء في التنظيم

قليلات هن اللائي اخترن العمل في التنظيم بعد الزواج من عنصر منه، إلا أن وجودهن ملاحظ، وأغلبهن انضممن إلى كتائب نسائية، وبعضهن يرافقن أزواجهن في سيارة الحسبة، لمعاقبة النساء المخالفات لقوانين التنظيم، لأن هناك حرجاً لدى عناصر التنظيم في معاقبة النساء، أما عن سبب الانتساب يقول الأربعيني أبو وليد: “كان الدافع المادي سبباً في انتساب النساء للتنظيم، فمن تتزوج من عنصر من التنظيم، يرتبط مصيرها به، فلا ضير عندها من الانتساب وقبض راتب نهاية الشهر”، وبخصوص الكتائب النسائية يكمل أبو وليد: “هذه الظاهرة موجودة فعلياً في الرقة فقط، وتتمثل في #كتيبة_الخنساء، وأغلب عناصرها هن من المهاجرات وزوجات وأخوات عناصر من التنظيم، تقف سيارة الكتيبة على المفارق وتنصح البنات، أو تقتادهن الدورية لمقر الحسبة”، ويمكن أيضاً ملاحظة الدوريات النسائية في بعض مدن دير الزور.

لم يمنع كل ذلك التنظيم من تطبيق العقوبات جهراً على بعض النساء كالرجم الذي حصل عدة مرات في الرقة، والجلد في الشوارع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.