رامز أنطاكي – بيروت

بعد أن شكل #لبنان مستقراً ومساحة للجوء والنشاط يقصدها العديد من معارضي النظام السوري بالإضافة إلى اللاجئين من مختلف الانتماءات، الهاربين من جحيم الحرب في بلدهم، يبدو أنه يخسر هذه الصفة شيئاً فشيئاً بدءاً من العام الماضي، ووصولاً إلى مطلع العام الحالي، حيث شكل قرار المديرية العام للأمن العام اللبناني بخصوص إقامة السوريين في لبنان نقطة تحول بالنسبة للعديدين منهم، ومع قرار #النظام_السوري الأخير القاضي بتسهيل حصول السوريين على جوازات سفر نظامية أو تمديدها لقاء بدل مالي بغض النظر عن الوضع الأمني لصاحب الجواز، باتت الأمور تتجه نحو اليسرة.

 

الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى ترك لبنان تكمن في ما يعتبرونه ارتفاع كبيراً في تكاليف المعيشة فيه، من بدلات إيجار المساكن إلى تكاليف المعيشة اليومية وأجور الطبابة، كما أن سوق العمل باتت تضيق باللبنانيين أنفسهم بعد توافد ما يزيد عن مليون ونصف مواطن سوري إلى هذا البلد، ويشير بعض المعنيين إلى أن للتوتر الأمني والسياسي الذي يسود لبنان جراء مجاورته لسوريا، وتورط بعض الفرقاء السياسيين اللبنانيين في الشأن السوري، بالإضافة إلى بعض الممارسات العنصرية تجاه السوريين أدوار أساسي في قرارات مغادرة السوريين، كما أن القرار المطبق حالياً بشأن إقامة السوريين في لبنان، جعل من دخول هذا البلد وتجديد أوراق الإقامة فيه أمراً متزايد الصعوبة يوماً بعد يوم.

ويقول شحادة حمصي الشاب السوري الذي يعمل كحلاق في أحد أحياء العاصمة #بيروت، إنه لم يعد بإمكانه تجديد إقامته في لبنان، خصوصاً مع عدم رغبة صاحب المحل الذي يعمل فيه بكفالته لتجديد الإقامة بحسب مقتضيات القرار الأخير في هذا الشأن، ويردف إنه كان يفكر أصلاً بالسفر إلى #تركيا وبالتحديد نحو مدينة #غازي_عينتاب التي تستقبل أعداداً كبيرة من السوريين، فهناك بحسب رأيه “يشكل المردود المادي للعمل قيمة تتناسب مع تكاليف المعيشة التي تقل بشكل ملموس عن مثيلاتها في بيروت”، وهو كان قد استشار أصدقاء سوريين له كانوا قد سبقوه إلى هذه المدينة، ليتخذ قراره مؤخراً بأن يحذو حذوهم على أمل الوصول إلى حياة أكثر استقراراً هناك.

باستثناء المسافرين إلى دول أوروبية على وجه الخصوص للجوء بالطرق القانونية أو عن طريق وسائل تهريب غير شرعية، تبدو تركيا المقصد الغالب لمغادري لبنان من السوريين، وخصوصاً مدينتا #إسطنبول وغازي عينتاب، حيث الرواتب تعتبر جيدة نسبياً، وكلفة المعيشة مقبولة، ولا شك أن لوجود جالية سورية كبيرة تشكلت خلال السنوات الماضية بفضل تسهيلات تركية رسمية دور في دفع من يرغب في اختيار هذا البلد للاستقرار بعيداً عن مخاطر وتعقيدات البقاء في #سوريا أو في لبنان.

وفي السياق عينه تبدو المنظمات الدولية والسورية الناشئة التي ترتبط أعمالها بالوضع السوري أكثر نشاطاً وأفضل حالاً لجهة التمويل واستقراره، بعكس الحالة التي تواجهها المنظمات الشبيهة في لبنان حيث التضييق الحكومي المترافق مع تراجع وتقييد في التمويل.

ويشهد عبد الرحمن الموظف السوري في إحدى المنظمات الدولية في لبنان، والتي تهتم بشؤون اللاجئين السوريين، أن العديد من زملاءه السوريين فضلوا في الأشهر الأخيرة ترك لبنان قاصدين تركيا للعمل في المجال عينه، مؤكداً أن إجراءات الحكومة اللبنانية، وخاصة وزارة العمل التي تضغط على المنظمات العاملة في لبنان من أجل منع توظيف السوريين الذين ترى فيهم منافسين غير شرعيين للمواطنين اللبنانيين، جعلت بعض هذه المنظمات تضطر إلى إيقاف عدد من موظفيها السوريين عن العمل وعدم تجديد عقودهم، وفي بعض الحالات تم رفض عملهم التطوعي حتى.

من جهتها تشير رندا وهي شابة سورية اضطرت إلى مغادرة سوريا بعد ملاحقات أمنية بحقها نظراً إلى نشاطاتها المؤيدة للثورة إلى أنها قدمت إلى لبنان مضطرة، فهذا البلد كان خيارها الوحيد في الوقت الذي لم تكن تملك فيه جواز سفر سوري، ولبنان الذي يمكن دخول أراضيه بواسطة البطاقة الشخصية فقط لم يكن مستقراً مريحاً لها لما فيه من توتر وبيئة لا تراها رندا مناسبة للعمل وبناء مستقبل، وهي كانت قد حاولت مراراً الحصول على جواز سفر سوري دون جدوى، سواء عبر السفارة السورية في لبنان، أو بواسطة أهلها في سوريا، ولكن التطور الأخير في هذا الشأن والذي سهل حصول كثيرين ممن كانوا يواجهون صعوبات جدية لأسباب أمنية في الحصول على جواز سفر شجع رندا على بدء إجراءات استصدار جواز سفر، وهي تأمل بعد حصولها القريب عليه أن تتدبر عمل مناسب لها في المجال الصحفي بواسطة رفاقها الذين سبقوها إلى غازي عينتاب كي تلتحق بهم.

“يبدو الشعب التركي أكثر ترحيباً بالسوريين وتضامناً معهم في محنتهم من الشعب اللبناني”، هذا ما تقوله أم زكي ابنة مدينة حمص، وهي تصرح أنها لا تريد لوم اللبنانيين على موقفهم هذا رغم عدم موافقتها عليه، فهم برأيها “لديهم ظروفهم وأوضاعهم الصعبة الخاصة بهم”، كما “أن لبنان بلد صغير وعدد السوريين الذي قدموا إليه مهول، ولا مفر من بعض الحساسيات والتصرفات السلبية للأسف”، وأم زكي التي تبتعد بطبعها عن اتخاذ المواقف السياسية “تفضل ترك آراءها لنفسها خصوصاً في هذا الزمن السيئ”، مسرورة بأن أبناءها الذين يشاركونها عادتها هذه، فضلوا ترك #حمص إلى اسطنبول في الوقت الذي جاءت هي فيه إلى لبنان لتقيم لدى أختها المقترنة بلبناني منذ 15 عاماً، وتتكلم بفخر عن نجاح أبناءها الثلاثة في عملهم حيث استقروا مع عائلاتهم في مجال الخياطة وتصنيع الملابس، وتعبّر عن ارتياحها لدعوتهم لها للإقامة معهم في اسطنبول بعد استقرار أوضاعهم، خاصة بعد أن لمسوا عدم ارتياحها للبقاء في ضيافة بيت أختها.

يشير العديد من السوريين إلى أن التسهيلات التركية النسبية للسوريين، والإجراءات اللبنانية خلال الأشهر الأخيرة بحقهم نجحت فعلاً في دفع كثير من السوريين الموجودين على أراضيه للتفكير بمغادرته، وصار لبنان يخرج من قائمة المقاصد الممكنة للسوريين شيئاً فشيئاً، حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يفكرون مضطرين بمغادرة سوريا لاقتراب المعارك والعمليات العسكرية من مناطق وجودهم التي تمتعت حتى الفترة القصيرة الماضية بهدوء نسبي جعل من بقائهم في بيوتهم الأصلية أمراً ممكناً.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.