جلال سراج الدين

لا شكَّ أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) ما كان ليستمر أو يتمدّد على هذه البقعة الجغرافية الشاسعة في #العراق و #سوريا لولا امتلاكه حاضنة ما، بغض النظر عن كبر هذه الحاضنة أو صغرها، علمها أو جهلها، قوتها أو ضعفها، فهذه المعارك الكثيرة تستنزف كثيراً من مقاتلي التنظيم، وبالتالي فهو بحاجة للرفد بشكل دائم بالمقاتلين المؤمنين بعقيدته وفكره.

 

يوضح أبو خالد وهو مقاتل من التنظيم لموقع #الحل_السوري “المقاتلون يسحبون للخدمة في جيش #بشار عنوة، بينما يندفعون للشهادة والقتال في صفوف جيش #الخلافة، وهذا مفتاح وسر انتصاراتنا”.

يلجأ التنظيم لوسائل كثيرة من أجل اكتساب مقاتلين جدد وتوسيع قاعدته الشعبية، ويبدو أنَّ قاعدته الشعبية سوف تتضاعف في حال استمرت سيطرته أعواماً مُقبلة، فعلى بساطة الوسائل التي لجأ إليها التنظيم، إلا أنه تمكن من اكتساب حاضنة شعبية، يقول المحامي عبد الرحمن من ريف #حلب: “التنظيم يمثل حالة مشوهة لما تمر به الأزمة من صراعات وتجاذبات، أي إنه حالة طارئة استثمرت الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة”، وليس المقصود بالحاضنة الشعبية تلك التي تحمل السلاح وتذود عن التنظيم وتقدم له الدعم، إذ تمثل هذه الفئة شريحة محدودة جداً، إنما المقصود بالحاضنة هنا إضافة لما سبق هي المجتمع المحجم عن أي عمل ضد التنظيم، والجاهز لتقبل قراراته ولو على مضض، يقول المدرس أمين من ريف حلب: “مازال كثيرون لا يدركون حقيقة الصراع، والأسباب التي دفعتهم للسكوت على ممارسات التنظيم، وهم الذين ثاروا على بشار، إذ يغيب عنهم أنَّ كثيراً من أبناء المجتمع يرى داعش شراً أهون من شر النظام”، فطرح الأسد كبديل للتنظيم يجعل المجتمع يقف موقفاً سلبياً.

استطاع تنظيم الدولة اختراق أجزاء من المجتمع السوري بسلاسة وبساطة مستغلاً الفوضى، وغياب السلطة، وغياب جهة ثورية تشرف وتدير ما نُزع من الأسد، يضاف لذاك تعطش بعض الشبان السوريين لخطاب ديني يخالف ما ألفوه.. يقول الشيخ أبو عبدالله من ريف حلب: “وجد تنظيم الدولة سريعاً مكاناً في سوريا سواء بين الثوار أو المجتمع، فقاتل مع الثوار، وأنشأ مراكز دعوية جذبت عدداً كبيراً من الشبان المتعطشين للخطاب الديني الحماسي، فوجد التنظيم عند الشبان أرضاً عطشى عرف كيف يسقيها”.

وقدم المجتمع الدولي ما يمكن تسميته خدمات لتغذية فكر التنظيم في سورية، فكان التنظيم يكرر للشبان والمجتمع أنه المخلص من ظلم نظام الأسد، وأنه من سيقود راية الجهاد، وأنّ المجتمع الدولي متآمر على السوريين يريد بقاء #الأسد في السلطة.. ويؤكد الناشط أبو أحمد من ريف حلب أن “الخطاب وجد آذاناً صاغية في ظل تغاضي العالم عن كل الجرائم المرتكبة بحق السوريين، واقتصار موقفه على الشجب والإدانة”، ويتابع أبو أحمد  “جاء تدخل #إيران وميليشياتها الطائفية ليصب الزيت على النار، وليسهم في تشكيل حاضنة أولية للتنظيم باعتبار أن الحديد يفل الحديد”.

بعد أن اكتسب التنظيم أرضية لانطلاقته بدأ بالمرحلة الثانية، وبدا ذلك واضحاً في ريف حلب و #الرقة، إذ باشر بمحاربة الفصائل التي اتهمها بالفساد، ووصف عناصرها بقطاع الطرق، مما وفر له شعبية جديدة بين الباحثين عن الأمن، وعندما نظر للتنظيم حينها كفصيل يقاتل الأسد، انتقل لمحاربة الفصائل الإسلاميّة.. يقول أبو ناصر من #حركة_أحرار_الشام_الإسلامية: “كنا ننظر إلى التنظيم كفصيل إسلامي يحمل فكراً إسلامياً متشدداً، ولم نفكر بأنه يحمل فكراً سياسياً إقصائياً لا علاقة للدين به”.

استطاع التنظيم استخدام أساليب منوعة لتعزيز شعبيته في المجتمع عموماً، والفصائل المسلحة خصوصاً، إذ صب جهده، ولم يدخر وسيلة لجذب الفصائل المسلحة، يقول الناشط أبو أحمد الذي يسكن في مناطق سيطرة داعش: “قد يكون مستغرباً أنّ كثيراً من الفصائل في #مسكنة و #دير_حافر و #جرابلس وغيرها من المناطق السورية بايعت التنظيم دون قتال وعن طيب خاطر، لكن جاءت هذه البيعات في سياقها الطبيعي في زمن الحرب، فكانت هذه الفصائل بحاجة السلاح لقتال الأسد، والمال لإطعام عناصرها”.

ولم تنفع نداءات واستغاثات الثوار والرجال الوطنيين بأنَّ الثورة ستقع في فخ تنظيم الدولة، ما لم يتم تقديم الدعم اللازم للثوار، وهو بالفعل ما أسهم في جذب المقاتلين إلى صفوفه أولاً، ومن ثم تشكيل حاضنة شعبية له في المناطق المدنية.

واختلفت درجة الصعوبة من منطقة لأخرى، يقول المحامي عبدالرحمن: “لم يجد التنظيم صعوبة في كسب شريحة كبيرة من الشارع في مدينة #الباب بسبب طبيعتها الدينية المحافظة، وفي بقية المناطق لجأ للتدرج في صبغ المناطق بصبغته، ثمّ لوّح لاحقاً بالعصا الغليظة عبر سلسلة الإعدامات بحق المعارضين، وصلب جثثهم في الساحات العامة، مما أحدث صدمة رعب كبيرة في المجتمع، اختفت إثرها الأصوات المعارضة إلا همساً وفي الغرف المغلقة”.

أخضع التنظيم لاحقاً معظم شرائح المجتمع لدورات شرعية استطاع من خلالها إقناع آخرين بخطابه، ولا سيما أنّ ذلك ترافق مع سيطرته على الخطاب الديني، يقول  أبو عمر وهو مقاتل في الجيش الحر سابقا: “أسهم اللصوص الذين تسلقوا الثورة السورية بخدمة التنظيم، فرفع التنظيم شعار محاربة الفساد، ولاحق وقتل عدداً من الفاسدين، ولم يستطع الثوار حينها الحرب جبهتي على النظام وداعش معاً، وهو ما أسهم في إكساب التنظيم شعبية وقوة، وما ساهم في الانضمام إلى صفوفه”.

وفعلت انتصارات التنظيم صيف العام الماضي ووصوله للموصل، “فعل السحر” في صفوف الشباب الذين تدفقوا لصفوف التنظيم، باعتباره “يمثل المستقبل”.. يقول مراد وهو طالب جامعي من ريف حلب: “للقوة سحرها وبريقها، هناك شريحة من الناس تأسرها القوة، وتعشق الانتصارات” فساهم تقدم التنظيم وازدياد قوته بمزيد من الجذب إليه.

ومع بروز سلطة التنظيم كدولة، وانقطاع أرزاق كثيرين، وانسداد أفق العيش الكريم وجد كثير من الشباب في التنظيم مورد رزق، ولا سيما أنه يعطي رواتب وتعويضات مجزية لمنتسبيه.

وما زال تنظيم الدولة يبتدع طرقاً لتجديد نفسه وزيادة شعبيته رغم ممارساته المتطرفة على الأرض، فخسارته للمهاجرين في المعارك وصعوبة تعويضهم بمهاجرين آخرين نتيجة الرقابة على الحدود دفعته للبحث عن شعبية عريضة بين “الأنصار”، فاستقطبهم من المحافظات السورية الأخرى، وشكل لهم جيوشاً خاصة، يسميها بأسماء المحافظات، فلحمص ولاية ووالٍ وقائد، وكذلك لحماه و #إدلب، وكانت عملية السيطرة على تدمر امتحاناً للأنصار في صفوف التنظيم، إذ كان السوريون العمود الفقري في العملية.

ومن اللافت أيضاً مرونة التنظيم في بعض القضايا التي تخص الشعبية والحاضنة، فلم يلجأ للخطاب الديني وحده في مناطق تماس القوميات، بل لعب على وتر الانتماءات القومية، فجذب العرب في المناطق المحاذية للوجود الكردي، يقول عمر من صرين: “لم يجد هؤلاء العرب من ينصفهم من قوات الحماية الكردية سوى تنظيم الدولة، فقد قامت القوات الكردية بكثير من التجاوزات بحق العرب وصلت مؤخراً لحرق عدد من القرى العربية”.

يعيش السوريون في مناطق سيطرة التنظيم تحت سلطة الأمر الواقع، فانتسب وينتسب السوريون الآن لصفوف التنظيم من أجل لقمة عيشهم، قبل أي سبب آخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.