هشام سراج الدين

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً عقب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) على ريف حلب الشمالي أخبار انشقاقات واضطرابات كبيرة داخل التنظيم، مثل عزم القيادي عمر الشيشاني على الانشقاق، وبقيت الأخبار في إطار الإشاعات، إذ يؤكد الواقع أنّ تنظيم الدولة رغم تمدده على مساحات جغرافية واسعة فإنه ما يزال صلباً ومتماسكاً على خلاف ما يشاع، يقول أحد شرعيي داعش في ريف #حلب الشرقي: “يُمنّي أعداء الله أنفسهم بتفرق كلمة المجاهدين، ولا يعلمون أنّ المجاهدين خرجوا من أجل كلمة التوحيد الجامعة، ولا مطمع لهم بدنيا زائلة، فقد باعوا أنفسهم لله”.

 

وتبقى مسألة الانشقاقات في صفوف التنظيم ضمن دائرة الممكن لا المستحيل، حيث ظهرت حالات تؤكد أنَّ التنظيم رغم تميزه بخصائص تزيد من تماسكه وترابطه، إلا أنه يمتلك عناصر أخرى تسهل وتسارع في عمليات الانشقاق، يقول أبو سارية المقرب من التنظيم : “بعد تسلسل الأحداث وتمدد التنظيم اختلفت تركيبة التنظيم الداخلية، فكثرت الاختراقات، وانضمّ كثير من الباحثين عن المصالح باختلاف درجاتها، ولم يعد ذلك الانسجام العقائدي كما كان بانطلاقة التنظيم”.

يخشى التنظيم كثيراً من الانشقاقات، فقد كانت السلاح الذي فتك بنظام #الأسد، وأدى لخسارته مواقعه العسكرية ومعاركه الحربية، كما لعبت الانشقاقات دوراً في انهيار وتفكك كثير من الفصائل الثورية والإسلامية الكبرى مثل #جبهة_ثوار_سوريا بقيادة جمال معروف، و #حركة_حزم، و #لواء_التوحيد الذي تقلص وانكمش، بل حصلت انشقاقات داخل #النصرة و #أحرار_الشام وغيرها، إذ انضم عدد من أفراها لتنظيم الدولة، يقول الناشط أبو حمزة: “يدرك تنظيم الدولة أنَّ كثيراً من العناصر الذين انشقوا عن الفصائل الثورية انشقوا من أجل المال والبحث عن السلاح الذي منع عنهم، لذلك يحرص على إلحاقهم بدورات شرعية من أجل إقناعهم بفكر التنظيم، والتخلي عن المبادئ الثورية التي خرجوا بداية من أجلها، ويمتد ذلك للفصائل الإسلامية أيضاً”.

انتكاسات في جسد التنظيم

وتشير الأحداث على الأرض أنّ التنظيم لم يكن استثناءً عن بقية الفصائل، أو خارج السياق، إذ شهدت صفوفه هزّات عنيفة، بعضها كاد يطيح بوجوده في سوريا، يقول علي وهو قائد كتيبة معارضة سابق في ريف حلب الشرقي: “مطلع 2014 كانت هنالك فرصة ذهبية للتخلص من التنظيم في سوريا، إذ انتفضت كل الفصائل الثورية ضد التنظيم، وانشقت أعداد كبيرة عنه ولا سيما من السوريين، لكن مفرزات #جنيف2 فضلاً عن إرادة المجتمع الدولي ورغبته ببقاء التنظيم في سورية لغاياتهم الخاصة حالت دون استئصاله، بل إن منع السلاح عن الثوار سمح للتنظيم بإعادة ترتيب صفوفه”.

وينظر التنظيم لتلك المرحلة على أنها مفصلية في حياة التنظيم، ويسمونها مرحلة التمحيص، يقول أبو عبدالله من داعش: “جعل الله الخير كله في تلك المرحلة، إذ ميّز المؤمنين من غيرهم، وتمايزت الصفوف فانكشفت #الصحوات وظهر ولاؤهم للكفر، وتمكن المسلمون من ترتيب صفوفهم وإعلان الخلافة لاحقاً”.

لجأ التنظيم عقب تلك الهزة العنيفة لمزيدٍ من عمليات التحصين لبيته الداخلي، فزاد من مدة الدورات الشرعية والعسكرية، وامتنع عن إعطاء أية تعويضات مالية خلال فترة الإعداد التي تستمر شهوراً ليختبر صبر وجلد المنتسبين الجدد واستعدادهم للتضحية من أجل التنظيم.

أما بقية الهزات التي تعرض لها التنظيم فكانت وخزات بسيطة، لا تشكل شيئاً بالمسار العام لتمدد التنظيم، وكانت محدودة في العدد والزمن، إذ ترافقت مع انتكاسته في #كوباني (عين العرب)، لكنَّ التنظيم استطاع التعمية عليها من خلال مهاجمة الكرد في ريف #الحسكة، واستمرار معارك الكر والفر في ريف عين العرب.

ويبقى الانشقاق العقائدي الخطر الأكبر الذي يتهدد التنظيم، ويُنذر بنسفه وتفككه من الداخل، إذ تتصارع كثير من التيارات الفكرية داخل التنظيم، وبدا ذلك واضحاً عقب إعلان التنظيم ولادة الخلافة الإسلامية، ووقف عدد من القادة ورجال الدين ضد الإعلان، وذهب بعضهم للتصريح علناً ببطلان الخلافة ووصفها بأنها غير شرعية كأبي عبد الرحمن المصري الذي خطب وصرح بذلك علناً على منبر الجامع الكبير في مدينة #الباب، قبل أن تتم تصفيته مع عدد من القادة في سجون التنظيم.

التكفيريون

برز جناح في التنظيم سمي بالتكفيريين وهو جناح كفّر #أسامة_بن_لادن، و #الظواهري، وذهب بعضهم لتكفير #البغدادي نفسه لتوقفه عن تكفير ما سبق ذكرهم، وشنّ التنظيم حملة قوية ضد هذا التيار حتى لا يستفحل خطره، يقول حسن من ريف حلب: “يمثل هؤلاء الصقور بالتنظيم، ويؤمنون بالتكفير على التسلسل، أي المسلم الملتزم المحافظ يعتبر كافراً إذا توقف عن تكفير مسلم آخر، وقد حكم التنظيم بكفرهم، فالمسلم الملتزم عند هؤلاء يعد كافراً إذا توقف عن تكفير جبهة النصرة بسبب وقوفها مع الثوار، والثوار كفرة لموالاتهم للغرب، وهكذا تمضي سلسلة التكفير”، وتبدو الصرامة بتنفيذ حكم الإعدام فوراً بمن يثبت عليه الانتماء لهذا التيار.

ويعزز التنظيم من إجراءاته الأمنية للحيلولة دون أية انشقاقات مستقبلية، ومنح الأميين صلاحيات واسعة، ويلاحظ مؤخراً انعدام الانشقاقات تقريباً، إذ تتناسب عمليات الانشقاق عكسياً مع الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانتساب لصفوف التنظيم، فعمليات الشحن الطائفي التي يعمل التنظيم على تعزيزها تستفيد من تسمم الأجواء، يقول الحقوقي مروان من ريف حلب: “يقدم النظامان العراقي والسوري خدمات عظيمة للتنظيم في إطار الشحن الطائفي، فالتنظيم يصور المعركة على أنها معركة وجود وبقاء”.

ويسهم التقدم الذي حققه التنظيم مؤخراً في #الرمادي و #تدمر، في زيادة الثقة بالتنظيم مما يحول دون عمليات الانشقاق، بل تسهم عمليات التمدد برفد التنظيم بعناصر جدد، إذ يعمد قادة التنظيم للتوسع في مناطق السنة لهذا الغرض، يقول خطيب  الجامع الكبير في #منبج:  “الآن المرحلة تتطلب فتح مناطق أهل السنة من أجل اكتساب مقاتلين يرفدون جيش الخلافة لفتح بقية المناطق، فقد تمَّ خداع أهل السنة بأوهام، ويكتشفون الحقيقة عندما يعايشون الخلافة الإسلامية”.

ويتحاشى التنظيم ما أمكنه الدخول في صراع مع الفصائل الإسلامية رغم تكفيره لها، ولا سيما مع جبهة النصرة، لأنه يخشى أن تؤدي هذه العمليات لانشقاقات داخل التنظيم، وهذا ما يفسر طابع العمليات ضد النصرة إذ تأخذ سمة حرب العصابات أو ما يسمى عند التنظيم غزوات، يقول الحقوقي مروان: “تؤدي الغزوات المتلاحقة لإزالة الحاجز النفسي الذي يحول دون قتال النصرة، وسيأتي اليوم الذي تكون فيه حرب شاملة بين الطرفين بعد أن يتم قطع الشعرة الأخيرة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.