بيروت – رامز أنطاكي

لم يترك اللاجئون السوريون بقعة في #لبنان إلا ووصلوا إليها بعد اضطرارهم إلى الهرب من بلدهم خوفاً من الموت، فمن العريضة شمالاً إلى رأس الناقورة جنوباً، ومن البحر غرباً إلى المصنع على الحدود اللبنانية السورية شرقاً. وهو الأمر الذي كان محققاً أصلاً قبل اندلاع الثورة بواسطة العمال السوريين، إلا أن الأمر المختلف اليوم هو الكثافة العددية للاجئين التي تجاوزت عدد العمال السوريين الاعتياديين في لبنان بأضعاف.

 

من بين كل هذه المناطق باتت المناطق ذات الأغلبية الشيعية كضاحية بيروت الجنوبية، مناطق متحولة من الأكثر أمناً واحتضاناً للعمالة السورية قبل الثورة ربما، إلى مناطق يفكر اللاجئ السوري مراراً قبل الاستقرار فيها للإقامة أو للعمل، وهو الأمر الذي يفسر على أساس الاحتقان السني – الشيعي السائد في المنطقة، ومشاركة #حزب_الله – الميليشيا الأبرز على الساحة اللبنانية – في الأعمال العسكرية في #سوريا إلى جانب النظام السوري.

شاب شيعي جامعي من سكان ضاحية #بيروت الجنوبية يتبنى موقفاً مؤيداً للثورة السورية، يقول إنه من غير العادل اعتبار الضاحية مكاناً خطراً على السوريين، كما لا يمكن القول في الوقت عينه أنها مكان آمن لهم، فالسوري يمكن له العيش في الضاحية لكن دون أن يصدر عنه أي تعبير مؤيد للثورة السورية، فعند سكان الضاحية حسب رأي هذا الشاب “السوري سوري، لكن السوري المعارض للأسد هو عضو في #داعش”، وهو يعتبر أن الممارسات العنيفة ضد السوريين معنوية كانت أم مادية ترتبط بردات فعل مرتبطة “بأعمال إرهابية تصيب هذه البيئة أو تراجع لقوات حزب الله في سوريا”.

يلفت هذا الشاب الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بأمنه، أن حزب الله يهمه تقديم نفسه كحاضن للاجئين السوريين ومساند لهم، لكن هذا يتوقف عند حد معين، “خاصة عندما يعني الدفاع عن هؤلاء اللاجئين في لحظات احتقان معينة اصطداماً ما بين الحزب وبيئته التقليدية”، مع ملاحظة أن التصرفات العدوانية تجاه اللاجئين السوريين في الضاحية عادة ما تأتي من طرف “شبان زعران” معروفين في مناطقهم، ولا يمثلون المجتمعات التي ينتمون إليها عادةً.

مصدر آخر في الضاحية يعتبر أن أهل الضاحية يحبون السوريين تقليدياً، لكنهم “يعتبرون أنفسهم أفضل منهم”، بالإضافة إلى شعورهم المستجد بفائض القوة لديهم على ضوء تغييرات الأحداث خلال السنوات الأخيرة في المنطقة ككل. ويتابع المصدر أن أهل الضاحية كانوا يخافون أحياناً من السوريين على أرضية الشك أنهم مخبرون ولهم صلاتهم بالمخابرات السورية، “لكنهم الآن يعتبرون أن حزب الله أقوى من نظام الأسد”، ولذلك فالسوري المقيم في الضاحية “حيطو واطي” ويسهل على قليلي الأخلاق التعدي عليه، هذه الحقيقة لا تنفي وجود نسبة مرتفعة من سكان الضاحية المتعاطفين مع السوريين تعاطفاً حقيقياً على أرضية إنسانية صرفة.

أمجد رجل سوري يدير محل بقالة في الضاحية، وبحكم ضرورات العمل كان أحياناً يبيع بعض زبائنه من أهل المنطقة بضائع بالدين، وفي إحدى المرات طالب أحد الشبان بدفع حسابه بعد أن تراكمت الديون عليه لأشهر، وبين أخذ ورد اعتدى عليه الشاب ورفاقه رافضاً أن يدفع لأمجد مستحقاته، فما كان من أمجد إلا أن توجه إلى مخفر المنطقة ليشتكي على هؤلاء الشباب، فكان جواب المخفر رفض تسجيل الشكوى بحجة أن أمجد سوري الجنسية.

في النهاية أمجد الذي فضل إغلاق دكانه والانتقال إلى منطقة أخرى يعلق على الحادثة بقوله أن الأمر لا يتعلق بالضرورة بإشكالية سوري – لبناني، أو سني – شيعي، فرغم أن الأوضاع الحالية تدفع إلى التفكير في هذا الاتجاه إلا أن أي حادثة مماثلة لصحاب دكان شيعي من أبناء المنطقة مع شبان ينتمون إلى عشيرة ما معروفة بسطوتها قد تدفع الضحية إلى سلوك مماثل لسلوك أمجد طلباً للسلامة وتجنب الأذى. هذه التفسير من أمجد لم يلق قبولاً من زوجته التي تعتبر أن زوجها يحاول اقناع نفسه بهذا المنطق ليستطيع تقبل الإهانة التي لحقت به بسهولة أكبر.

أما محمد ابن مدينة #درعا المعارض لنظام الأسد الآتي إلى الضاحية مع عائلته، فقد أصبح معتاداً على “الكلام العنصري” على حد تعبيره، والذي يسمعه من بعض زبائن دكانه في الضاحية، وكيف علقوا له فوق مدخل دكانه صورة كبيرة لأمين عام حزب الله #حسن_نصر_الله في تصرف استفزازاي تقبّله بصمت دون أن يبدي أي ردة فعل من أي نوع.

في السياق نفسه تطرح زينب الشابة اللبنانية الشيعية جانباً آخر للموضوع، هو جانب قديم – جديد يتعلق بالعمالة السورية في لبنان، فازدياد تدفق السوريين إلى لبنان وسعي الكثيرين منهم إلى العمل بحثاً عن رزق يؤمّن لهم ضرورات الحياة، جعل المنافسة بينهم وبين أبناء البلد في سوق العمل أكثر شراسة، وهو الأمر الذي ساهم في تأجيج المشاعر السلبية تجاه السوريين في مختلف المناطق اللبنانية بما فيها المناطق ذات الطابع الشيعي. وتشير زينب إلى أن من عادات أغلب اللبنانيين برأيها تحميل المسؤولية عن كل مشاكلهم لأمر واحد قد يتغير بتغير الزمن، وهذا الأمر بالنسبة إليهم اليوم هو اللجوء السوري.

في المحصلة تبدو أحوال سكان ضاحية بيروت الجنوبية من السوريين الذي قدموا إليها قبل الثورة أفضل حالاً من هؤلاء المستجدين فيها، الذي قد يكونوا لم يستوعبوا بعد الطريقة المناسبة للتأقلم في بيئة معقدة كهذه.

تبقى الضاحية ملاذاً لمن لم يجد منطقةً أفضل للسكن والاستقرار، فكما ابتعد العمال السوريون عن بعض المناطق السنية عقب اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق #رفيق_الحريري لتجنب احتقان سياسي أمني انعكس عليهم، ها هم يبتعدون مرة أخرى عن بعض المناطق الشيعية، وتبقى لقمة العيش والظروف القاهرة هي التي تدفع السوري إلى سكن هذه المناطق على أمل أن يعود في يوم قريب إلى وضع آمن ومستقر يحفظ كرامته ويضمن معيشته.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.