الكفاح من أجل رسم صورة مُنصفة لمعاناة سوريا

11 تموز 2015، الإكنوميست، من النسخة المطبوعة

 

ترجمة موقع الحل السوري

سوريا تحترق: داعش وموت الربيع العربي: كارلس غلاس

العبور: رحلتي إلى قلب سوريا المكسور: سمر يزبك، قامت بترجمته نشوى غوانلوك وروث أحمد زاي كيمب.

تجادل الـ FEW أن الحرب في #سوريا هي مأساة، لكن قد أصبح السؤال عمّا يقاتل الناس من أجله مُخَتلفٌ عليه بشكل مؤلم ومرير منذ اندلاع الأزمة في عام 2011. ومن بين العديد من الروايات، يرى البعض الأزمة على أنها معركة الثوار الجهاديين، من ضمن ذلك الدولة الإسلامية، ضدّ نظام #الأسد علماني المظهر. ويراها البعض الآخر على أنها حرب طائفية إقليمية بين المسلمين، يغذّيها الصراع بالوكالة بين الحكام الشيعة في #إيران من جهة، وبين الدول السنّية كالمملكة العربية #السعودية و #تركيا و #قطر من جهة أخرى.

إن أحد الأسباب التي تقف وراء هذا التباين في الآراء هو الصعوبة الكبيرة في الوصول إلى كل مناطق الصراع أو الأقاليم أو حتى الأفراد ذوي الشأن. يريد نظام الأسد للصحافة أن ترى رواياته الخاصة عن الأحداث والمجريات، لذلك فإن على أي شخص مقيم خارج سوريا ويريد تقديم رواية بهذا الصدد أن يحدد خياره: إما أن يقدّم رواياته مستخدماً تأشيرة الدخول الرسمية، والتي تعني أنه يخضع لرقابة صارمة من قبل النظام، أو أن يتسلل إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون فيواجه بذلك حرمانه من المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية. غير ذلك، لقد وجد معلّقون من حزب اليسار أنه من الصعب انتقاد النظام حيث يُعتقد أنهم ينتمون إلى الحملة ضد الإمبريالية.

هناك كتابان جديدان يوضّحان هذا: الأول هو كتاب “سوريا تحترق”، لكارلوس غلاس _ صحفي أميركي – بريطاني، قام بتغطية الشرق الأوسط لفترة طويلة _ ، وهو كُتيّب صغير الحجم يلقي نظرة عامة على ماضي وحاضر سوريا. وكان قد توجّه في رحلات إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية السورية، فضلاً عن سنوات من عمله في تغطية أخبار البلد. أما الكتاب الثاني فهو “العبور” للكاتبة السورية #سمر_يزبك، والتي اضطرت إلى مواجهة المنفى في عام 2011 بسبب آرائها المناهضة للنظام.

يزبك، التي تعيش الآن في #باريس، روت ثلاث رحلات قامت بها إلى سوريا منذ ذلك الحين، حيث وصلت إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار… للأمر وقعٌ خاص في النفس أن تجد بلدها من الجانب الآخر للخنادق.

يشكّل كتاب يزبك مساهمة قيّمة في محاولة تفسير الاضطراب الذي ما يزال يتكشّف في سوريا. وبالمقارنة، فإن السيد غلاس يعمل بشكلٍ معاكس، حيث يعمل على تشويش الأمور (أو تعكير المياه كما يقال) إلى حدٍ بعيد. حيث يعترف بأن الحرب في سوريا بدأت على شكل انتفاضة ضد نظام حكم الأسد الدكتاتوري، النظام الذي يحكم سوريا لفترة تفوق الأربعين عاماً. لقد قام بمقارنة الشباب السوري الذي خرج إلى الشوارع في عام 2011 بالانتفاضة ضد الانتداب الفرنسي عام 1925. (تم قمع الانتفاضة وما كان على السوريين إلا الانتظار حتى عام 1946 ليحصلوا على استقلالهم ). لكنّه كتب بأنها انقادت إلى التلاعب الأجنبي، الروح الثورية السورية بالنسبة له لا علاقة لها بالموضوع.

لا شك بأن القوى الأجنبية تلعب دوراً غير مساعد، لكن السيد غلاس ينسب الكثير إليهم. ينتقد تركيا والدول العربية الأخرى، التي قامت بدعم ثوار سوريا بشكلٍ فوضوي، في حين يقوم بعفو إيران وروسيا كثيراً أو حتى قليلاً، الدولتان اللتان موّلتا الأسد وزوّدتاه بالسلاح إلى درجة كبيرة جداً. وبالرغم من أنه ليس نصيراً مستميتاً للنظام، فإنه أيضاً يقلل من قيمة جرائمه قياساً بتلك الجرائم التي يرتكبها الثوار (والتي ليست محل النزاع ).

يقف أحياناً على حدود المراوغة التامة. فيكتب عن الأسلحة الكيميائية يُزعم بأنها “استُخدِمت ليس فقط من قبل الحكومة، إنما من قبل الثوار أيضاً “، ذلك بالرغم من وجود دليل دامغ ضدّ النظام، بما في ذلك الهجوم الذي شنّه النظام على ضواحي #دمشق في عام 2013 مُستخدِماً غاز السارين، والذي خلّف مئات القتلى. وبالمقارنة، هناك دلائل قليلة تثبت قيام الثوار باستخدام المواد الكيميائية، ولكن بالتأكيد ليست على ذات النطاق.

على الرغم من أن كتاب السيدة يزبك قد تمت كتابته بشكل حصري من المنطقة الواقعة تحت سيطرة الثوار من البلاد، وأنها تعتبر نفسها جزءاً من المعارضة ضدّ الأسد، فإن تقريرها عن الأسابيع التي قضتها في محافظة #إدلب الشمالية يعتبر أكثر توازناً. فقد أعطت الفرصة للناس من كل الألوان أن يتحدّثوا عما يرغبون:  زعيم الثوار الذي يهدد العلويين (الطائفة الأقلية التي تنتمي إليها السيدة يزبك كما الأسد)، رائد فارس وهو ناشط علماني معروف، بالإضافة إلى مواطنين سوريين عاديين ذكوراً وإناثاً.

ليست تتغاضى عن التغيرات الطبيعية للحرب، حيث أنها تحولت من انتفاضة سلمية إلى مسلحة، وإلى صراع ديني متزايد. وقالت إنها لا تخشى من خطر الجهاديين فحسب، إنما من التقوى والإيمان المتزايدان من قبل المدنيين العاديين الذين تُركوا بدون انتماء لأي شيء سوى لإيمانهم. حتى في كتابها _ الذي يطفح بالأصوات السورية _ تستمر الثورة لإسقاط نظام الأسد. إحدى النساء اللاتي ابتهلن مع السيدة يزبك ليخبروا العالم بما يحصل حقاً، أخبرتها أنها أبدا لن “تركع” للأسد. وقالت: “سوف أحمل كل تسعة أشهر وأبقى أنجب أطفالاً وبذلك سوف لن نهمد أو نخمد”.

رحلاتها تظهر السبب وراء وحشية النظام الواضحة في كل صفحة من صفحاتها المكتوبة. ما لا يمكن تصوره في سوريا التي يسيطر عليها الثوار هو السائد الآن: أطفال مبتوري الأطراف، عائلات بأكملها أُبيدت بالبراميل المتفجرة، ملاعب الأطفال التي تحولت إلى مقابر بينما المقابر قد امتلأت بأكملها. ومن خلال مقتطفات من حياة هؤلاء الناس قامت يزبك بعملها الهام بوضع ملامح للأرقام المذهلة  للأزمات السورية: فقد خلّفت أكثر من 200000 قتيل و10 مليون نازح. كان لدى العديد من السوريين _ وسط هذا الدمار _ إحساس مدهش بالتكافل الاجتماعي، وأوجدوا طرقاً مبدعةً للحفاظ على بقائهم. فمن المستحيل ألّا تتحدث عن غضبها من “الظلم الكبير الذي حلّ علينا كشعب وقضية”.

قامت يزبك بفعل الكثير لجعل سوريا مفهومة بشكل جيد، وهذا ما نجحت في إظهاره من خلال كتابها. أما كتاب غلاس فكما يبدو قد كُتب بشكل جدلي وعلى عجل. يمكن للمرء فقط أن يتمنى قيام مزيد من السوريين بكتابة قصصهم، مع تحسين فرص الوصول إلى البلد وفهمه. فإن مواجهتهم للحرب تحتاج أن تُسمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.