جوان علي – القامشلي

تشهد الحدود السورية التركية في الفترة  الأخيرة، إجراءات أمنية غير مسبوقة، خاصة مع تصاعد التوتر في المنطقة، وقيام الطيران التركي بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في #كردستان_العراق، وبعض مواقع تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) في الشمال السوري. حيث انعكست هذه التطورات على حالة التهريب (الهجرة) التي لم تتوقف منذ سنوات.

 

منطقة #القامشلي كغيرها من المناطق الحدودية تشهد منذ سنوات حركة تهريب للبشر عبر ريفها الممتد أكثر من 70 كيلومتراً، من #القحطانية (تربسبيه ) شرقاً وحتى #عامودا غرباً، وكاد التهريب يغدو المورد الوحيد لبعض العائلات خلال أول سنتين من عمر الثورة، خاصة بعد تراجع مورد المحاصيل الزراعية في السنوات الأخيرة. بحسب ما يؤكد (ن، ش) الذي يعمل في تهريب الأشخاص إلى #أوربا منذ ثلاث سنوات.

يقول (ن. ش) “إن بدايات التهريب ترجع إلى ما قبل سنين الثورة، إذ كانت المنطقة تشهد تهريب لبعض المواد كالتبغ، ولكن تهريب الأشخاص بدأ مع بدايات #الثورة_السورية، حيث كان هناك تراخٍ أمني من الطرف التركي “.

الآن وبسبب التشديد الأمني كما يقول (ن، ش) “نتفق مع ركابنا على أننا غير مسؤولين عن عبورهم للحدود التركية، واتفاقنا ينحصر بإيصالهم من #إسطنبول وإلى وجهتم التي يريدونها في أوربا ”

 

رغم ازدياد المخاطر على حياة المهاجرين الذين يسلمون أرواحهم لسماسرة التهريب، خاصة وأن العديد لقوا حتفهم على يد الجنود الأتراك في السنتين الأخيرتين، إلا أن الإقبال على الهجرة لم يتوقف أبداً… “رغم تعرض الكثير للضرب المبرّح، وحالات أخرى كإهانة عابري الحدود بعد نزع ثيابهم بشكل كامل، وارسالهم عراة من حيث أتوا، إلا أن الإقبال على عبور الحدود لا يتوقف” هذا ما يؤكده (س، ع) من قرية (خان كلو) الذي عمل مهرباً طوال السنوات الماضية في قريته الحدودية.

في حين يؤكد (د، ع) صاحب محل للسفريات (#تركيا/كردستان العراق) أن الشاب أسعد أسعد (في الثلاثينيات من العمر وهو من أهالي قرية خراب عسكر) قتل على يد الجنود الأتراك قبل عام، أثناء عبوره الحدود بين قريتي (اللطيفية وسيكركا)، “كما أنه بات يتردد في الأيام الأخيرة، قيام الجنود الاتراك بإطلاق النار بشكل مباشر على من يقترب من الحدود ليلا “.

قبل ذلك كان التعامل “أكثر إنسانية” كما يفيد (ن، ش) حيث أنه وقبل أن تشهد الحدود تشديداً أمنياً منذ سنتين، كانت الناس تعبر الحدود بسهولة ويسر، وحتى وإن حدث وأمسكهم الجنود كان يتم توسط بعض المعارف من الطرف التركي، أو يتم إطلاق سراح غالبيتهم بعد تسجيل أسمائهم، وفي كلا الحالتين كانوا يحظون بحرية الحركة داخل تركيا.

مهاجرون

غالبية المهربين ممن يعملون في المنطقة يجمعون أن نسبة كبيرة قد تبلغ (70%) ممن يهاجرون، هم من الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين (18 وال 30)، وهو السن المطلوب للتجنيد في المنطقة، وهو الأمر الذي يرجح استمرار نزيف الشباب والكوادر طالما بقيت الحرب مستمرة وطالما بقي التجنيد.

التطورات السياسية والتشديد الأمني

تنقسم مراحل التشديد الذي حدث على الحدود مع تركيا إلى ثلاثة مراحل (بحسب ما تتفق عليه آراء معظم من يعملون في مجال التهريب):

أولى هذه المراحل بدأت منذ ما يقارب السنتين، حيث يرجح غالبيتهم أنه تزامن مع إعلان #الإدارة_الذاتية في منطقة الجزيرة، الأمر الذي يوضح مدى تأثير التطورات السياسية على جانبي الحدود على حركة التهريب.

المرحلة الثانية، بدأت في الفترة التي سبقت عقد الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، أي قبل حوالي أربعة أشهر. في حين أن المرحلة الثالثة بدأت مع إعلان تركيا عن حملتها الجوية ضد حزب العمال الكردستاني، وتنظيم داعش، وهو ما ترافق مع تشديد غير مسبوق من قبل الجانب التركي.

قبل ذلك كان التشديد يحدث بفترات متفاوتة، وهو يختلف دائماً من منطقة إلى أخرى “غالباً يعود السبب إلى المسؤول العسكري المكلف من الجانب التركي، حيث يختلف التشديد الأمني باختلاف المسؤول الأمني في تلك المنطقة والتي تليها” هذا ما يقوله (ن، ش) مؤكداً ” في ظل هذا التشديد الأمني غير المسبوق يمكن العثور على مناطق متراخية أمنية، أو متعاونة مع المهربين”.

على الحدود ما بين مدينتي نصيبين التركية والقامشلي السورية، قامت السلطات التركية ببناء جدار لمنع تسلل المهاجرين. الجدار شهد حملة احتجاجات من قبل أوساط سياسية كردية في تركيا معارضة لسياسة حزب العدالة والتنمية قبل سنتين، لكن بناءه استمر.

تشهد حالياً مناطق أخرى من الحدود حفر خنادق من الجانب التركي وقبالة القرى السورية، ممن يشك بوجود نقاط عبور فيها، حي شهد أهالي قرية قره حسن (8 كيلومترات شرق القامشلي) قيام جرافات تركية بحفر خنادق على طول المسافة المقابلة لقريتهم وقرية خان كلو، وهو إجراء جديد من نوعه.

“الدستور” طريق الهجرة الآمن إلى المصير المجهول

يذهب أصحاب مكاتب السفريات (وهي مكاتب مرخصة من الإدارة الذاتية، تؤمن خروج المهاجرين عبر الحدودية التركية والعراقية، ومنتشرة في أحياء عدة من القامشلي وغيرها من المدن)، إلى أن النتائج الأولية لهذه التطورات العسكرية والسياسية، هي ارتفاع تكاليف الهجرة إلى تركيا وإلى كردستان العراق.

إذا يقول (ن، خ) الذي يعمل مع شبكة تهريب منذ أكثر من سنتين: أسعار التهريب حالياً هي ما بين 350 دولاراً و500 دولار إلى تركيا، بينما ارتفع سهر تهريب الشخص إلى كردستان العراق من 350 إلى 800 دولار.

(م، س) الذي يعمل مع شبكة تهريب تقدم “خدماتها” لمن يودون الهجرة إلى دول أوربا (المانيا، النمسا، السويد) يؤكد أنه استطاع أن يسفر العشرات من أبناء عائلته، وهو يساعد الكثيرين في قضاء حاجتهم، ولكن وجود إقبال كبير من قبل الناس على الهجرة، ومحدودية النقاط التي يتم العبور بها حالياً _التي كانت سابقاً تفوق الخمس عشرة نقطة على امتداد ريف القامشلي_ جعلت المهربين يتحكمون بالأسعار.

يقول (د، ع) صاحب مكتب سفريات “في البداية كان سعر عبور الشخص 2000 ليرة سورية، ولكن بعد مرور سنتين قفزت الأسعار إلى 15 و20 الفاً”.

يؤكد المصدر أنه ومع ازدياد التشديد الأمني وجد المهربون طريقاً آمناً، يقال له طريق الدستور، وهو عبارة عن طريق يتم فيه الاتفاق مع بعض الجنود أو الضباط الأتراك بمقابل مالي، لتمرير أعداد محددة يومياً في ساعات محددة من خلال النقطة المتفق عليها “لكن لابد أن أسعار هكذا طريق ستكون أكثر تكلفة من غيرها، من الطرق العادية “.

يبدو طريق الدستور اليوم متوقفاً، ولا مجال إلا للطرق العادية التي ارتفعت أسعارها من 25 ألف ليرة سورية إلى 350 دولارا.

(ن، د) وهو أيضاً صاحب مكتب سفريات يقول: الآن بعد تشديد أمني شهدته الحدود على طول ريف القامشلي، بات المهربون يقومون بنقل “ركابهم” إلى منطقة كوباني (عين العرب) خاصة بعد فتح الطريق بين القامشلي وكوباني.

في حين يؤكد المهرب (ن، خ) أن هذه الطريقة كُشفت من قبل #أسايش الإدارة الذاتية، ولم تعد هذه الطريق أمنةً أيضاً، ويبدو أن المهربين سيضطرون إلى البحث عن طرق أخرى في الأيام القادمة، ما لم يفتح طريق للدستور مجددا.

آخر طريق  للتهريب.. الرشوة

تكاد الإجراءات الأمنية على الحدود التركية رغم قساوتها، لا تفلح في إيقاف نزيف الهجرة المستمرة من الشمال السوري تجاه تركيا، كبداية للانتقال إلى بلدان أوربا الغربية، الأمر الذي أفسح المجال أمام طبقة المهربين الجدد ، للبحث عن حلول تلبي الرغبة والطلب الزائد على الهجرة، فكان طريق “الدستور” أخر الحلول المستوحاة من ثقافة الفساد والرشوة “المألوفة خلال سنوات البعث والأسد” يختتم المصدر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.