لوموند 1/9/2015

ترجمة موقع الحل السوري

 

“كانوا يؤدون صلاتهم كالمعتاد، لم يكن هناك شيء آخر يثير الريبة”، تتسع عيون علي الشادلي بريبة والعمامة ملفوفة حول رأسه، هو لم يعلم مطلقاً بمشروع أولاده بسفرهم إلى #سوريا حيث فقدوا حياتهم.. يدعونا العجوز للجلوس بالقرب من شجرة الكرمة في مزرعته في ضواحي قرية “سيدي علي بن عون”. على بعد 250 كم جنوب العاصمة #تونس، حيث تقع مدينة سيدي بوزيد معقل السلفية.. هي عالم آخر، هنا نجد مجموعة من الشباب الحالم بالجهاد في #العراق وسوريا و #ليبيا، وبعضهم بدأ بتحويل غضبه ضد بلاده.

الانخراط في تنظيمات متعادية:

بالنسبة لعلي الشادلي، بدأ العذاب باتصال هاتفي من #تركيا عام 2012. عندما اتصل به محمد ليطمئن عنه، فَهم الفلاح بسرعة أن ابنه الأكبر لم يسافر للسياحة.

بعد أن أنهى محمد دراسته الجامعية تمكن من إيجاد عمل في تونس كحارس أمني، وقد بدا عليه الاستقرار، لكن اختفائه وسفره لتركيا ليمر بعدها لسوريا أوقعت والده في دهشة، فالفلاح العجوز لم يكن قد تعدى حدود بساتينه.

بعد سنة من ذلك، كان دور الابن الأصغر المدعو راقي، حيث كان قد اختفى قبل بضعة أيام. والاتصال الهاتفي جاء من ليبيا هذه المرة. الاتصال الثاني تبعه بعدة أسابيع وكان من سوريا وتحديداً مدينة الرقة “عاصمة الدولة الإسلامية”، “من المحتمل أن يكون قد تأثر بأخيه”، يتساءل الأب.

المفارقة أن الأخوين كانا قد انخرطا في تنظيمين متعاديين: محمد كان قد انضم إلى #جبهة_النصرة المرتبطة بالقاعدة، بينما انضم راقي إلى صفوف الدولة الإسلامية. ومع ذلك بقيا على اتصال دائم. عندما قُتل محمد في تموز عام 2013، راقي هو من أخبر أباه. راقي أيضاً قُتل إثر غارة أمريكية على #الرقة في تموز عام 2014. وقد علم الفلاح العجوز بذلك عن طريق صديق ابنه.

استياء من الوعود الكاذبة:

في قرية سيدي علي بن عون وحدها، رحل ما بين 15 و20 شاب في السنوات الأخيرة إلى جبهات خارجية تحت راية الجهاد. إنه ساقية لا تجف. هذه تونس من الداخل، حيث انحصر التطور الاقتصادي في الساحل، تبدو اليوم عرضة للإغواء الجهادي. في بداية تموز، ذاع خبر عبور ثلاثين شاباً بالغاً من قرية رمادا (جنوب ـ شرق) من بينهم ثلاث جنود للحدود الليبية. الأمر الذي أثار ردود فعل الرأي العام التونسي.

تونس اليوم هي أحد أهم معاقل المرشحين للجهاد، بحسب تقرير أولي لمجموعة العمل في الأمم المتحدة حول “استخدام المرتزقة في تونس” والذي نُشر في 8 تموز. التونسيون الذين ذهبوا للقتال في الخارج هم حوالي 5500.

هذا التدفق مقلق بشكل خاص لتونس لأنها مستهدفة مباشرة من هذه المجموعات الوطنية المدربة في ليبيا. تفجير متحف بارد في 18/3/2015، وتفجير سوسة في 28/6/2015 كان من قبل تونسيين تدربوا في ليبيا. وللتقليل من الخطر قررت الحكومة التونسية الحد من مغادرة الأراضي التونسية لمن هم أقل من 35 سنة. حيث لابد من موافقة الأهل لكل سفر إلى ليبيا أو الجزائر أو المغرب أو تركيا.

في سيدي بوزيد حيث بؤرة السلفية، وسيدي علي بن عون تغذي الاحتياطي، كان رد الدولة أمنياً بشكل خاص، مما يثير شكوكاً واسعة النطاق. لقد كان هنا مهد الثورة التونسية عام 2010، حيث يوجد في سيدي بوزيد آلاف المستاءين من الوعود الاقتصادية والاجتماعية الكاذبة. “بالنسبة للشباب المحبطين الذين يريدون الفرار، هناك خياران: الهجرة غير الشرعية أو الالتحاق بالدولة الإسلامية”، يختصر أمين بوعزيزي ناشط يساري.

تقليد المجاهدين:

“الكثير من الشباب الجامعي المحكوم بالبطالة لا يرى أي مستقبل آخر غير حمل السلاح بوجه الدولة”، يشير خالد عواينة محامي وناشط في مجال حقوق الإنسان. ومما يساعد على ذلك وجود تقليد قوي في المنطقة للمجاهدين “المحاربين”. “سواء ما يتعلق بالثوار ضد الاحتلال الفرنسي أو بالأحزاب القومية العربية المطالبة بالقتال مع الفلسطينيين”، يضيف أمين بوعزيزي، “هذه المنطقة بين عفسة وكسرين وسيدي بوزيد كانت قاعدة لانطلاق الثوار. وهي قصص أسطورية متداولة”.

لكن ولادة أسطورة جديدة متمثلة بداعش منذ فترة قريبة ليست كل الحكاية. ففي قرية سيدي علي بن عون هناك حقيقة وهي من المحرمات ولا أحد يتكلم عنها بصوت عالٍ: المقاتلون يرسلون الأموال من سوريا.. العجوز علي الشادلي أقر بأنه استلم “مبالغ صغيرة” من ولديه، لكنه أصر على عدم أهمية ذلك.

لكن بحسب مقربين من القرية، التدفق المالي من الأهمية بمكان يجعل الأهالي ينكرونه. فلاح بسيط أب لأحد المقاتلين في الدولة الإسلامية، قد تحسن وضعه منذ سفر ابنه. لقد وسّع البيت وزاد عدد قطيع غنمه وقام بتركيب شاشة تلفزيون مسطحة في الصالون. الجهاد هنا هو غضب ومفاخرة ومصدر اقتصادي لا بأس به.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.