حسام موصللي

مُذ تولّى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم في المملكة العربية #السعودية ، ارتبطَ اسم الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، مدير عام ورئيس تحرير قناة العرب، بعبارة (مُقرّب من صُنّاع القرار في #الرياض).

 

وبغضّ النظر عن المُشكلات التي أرهقَت #خاشقجي خلال الفترة الأخيرة، وأبرزُها عندما ألغَت “جهات عُليا” مُحاضرة لهُ من شهرين تقريباً حيثُ دارَت شائعات بصدد أنّ خاشقجي كان قد انتوى حينها الانتقاص من الماضي على حساب الإشادة بالحاضر والمستقبل، في تعبير واضح عن انتقاد نظام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وبصرف النظر أيضاً عن عدد المرّات التي نفى فيها خاشقجي وسمة القرب هذه، إلا أنه يَبدو واضحاً برغم ذلك أنّ تلك العبارة الرنانة سترافقُ الرجل لفترة طويلة، صابغة كلّ ما يكتبه أو يقوله بعلامة فارقة تفوقُ قدراته وتميّزه كواحد من أبرز الإعلاميين العرب وأكثرهم قدرة على قراءة الواقع السياسي وتحليله على مُستوى منطقة الشرق الأوسط.

يَبقى مُجرّد إسقاط العلامة السابقة ذاتها على شخصيات في #سوريا أمراً مُضحِكاً في البداية، ثم مُحزناً ومُخزياً في آن معاً؛ فلان قريب من القيادة الحكيمة في النظام السوري، وعلان مُقرّب من إدارة الحراك الميداني في #الائتلاف، وعلّاك البان مُتعاطف مُستقل مع مكتب الثقافة العضوية في تيار بناء الدولة، ورابع صديق شخصي لأمير التفخيخ في تنظيم الدولة، وخامس على اطّلاع مباشر بإحداثيات القذائف الصاروخية في #جيش_الإسلام، وسادس خيرُ جليسٍ لمُنشِد التينور في جبهة النصرة، وعاشر، إلخ…

سيكون الأول شيعياً لبنانياً “وليس لبنانياً شيعياً” تخّرج بشهادة دكتوراه من السوق السوداء في #أوكرانيا السوفيتية، والثاني شيخاً من عرب شمّر “يسرح ويبحث عن نورا خارج أوقات الدوام الرسمي” أو السخنة بحسب الدولة التي تتولّى إدارة ملف الائتلاف، والثالث مُديراً سابقاً للمركز الثقافي في قرية وادي قنديل، والرابع عضواً عاملاً في حزب البعث العراقي أو الشبيه رقم 37 لصدام حسين، والخامس مُساعداً أول يتولّى منصب مسؤول إطعام في مطبخ سجن #صيدنايا، والسادس خريجّاً من سجن #غوانتنامو و”رايح يجاهد ببيت أبوه”، وهكذا.

في سوريا، لا يوجد قرار في الأصل حتّى يُحسَب أحدٌ على صُنّاعِه، عدا قرار استمرار الحرب الناجم في الأساس عن عدم وجود قرار بإيقافها، وفي حال فرضنا جَدلاً أنّهُ لسببٍ ما تحوّلَت جهة من الجهات السابقة في مفصل تاريخي إلى جهة فاعلة وصانعة لقرار مُستقل بمعزل عن أيّ إملاءات وارتباطات خارجية، فستظلُّ لازمةَ القرب من تلك الجهة تهمة حَقيقية وطامّة كبرى على رأس كلّ من تلتصقُ به.

تفتقرُ الثورة السورية منذ بدايتها إلى أفراد فاعلين وقادرين على اتّخاذ القرارات التي تُحدِثُ تغييراً مَلموساً على الأرض، وفي المرحلة التي برزَت فيها عدّة أسماء مُرشّحة للقيادة، غُيّبَت أو حورِبَت أو اغتيلَت في ظروف وعمليات غامِضة يوحي تنفيذ أن من يقف خلفها أعقدُ من أن يكون محسوباً على طرف مَحلّي. وبالتأكيد، لا يَرقى أحد من الموجودين على الساحة الآن إلى تلك المكانة، نتيجة انعدام الكاريزما والشعبية اللازمة لاتّخاذ أي قرار، ومن ثم تطبيقه. وبالمقارنة مع تاريخ المنطقة ككل، ولن أعود أكثر من ستة عقود- أي حقبة حكم آل الأسد- سيبدو منهج اتّخاذ القرار مُختلفاً تماماً على نحو سلبي للغاية، بل بات شرخاً عميقاً لم يألفهُ السكان بعد؛ عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة، وانقلاب 8 آذار 1963، وكمال جنبلاط وبشير الجميّل والحرب الأهلية اللبنانية، وياسر عرفات ووديع حداد ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوج نشاطها، وصدام حسين ومعمّر القذافي والقومية العربية، وأسماء ومفاصل تاريخية لا تُحصى في منطقة لم تعرف الهدوء يوماً. ولستُ بصدد تفنيد المواقف إزاء الشخصيات والحوادث السابقة إيجاباً أم سلباً، وإنّما بالفكرة الأساسية التي تقول بأن هُناك أفراداً استطاعوا، على الرغم من الظرف التاريخي المُعقّد، أن يُحدِثوا تغييرات حقيقية كأفراد محليين، بعكس ما نشهده اليوم في سوريا، حيثُ تتقاذُف دول العالم فيما بينها كلّ ما في البلاد من جِهات اعتبارية مَحلية أنيطت بها مهمّة القيادة، فالائتلاف الوطني، ومن فيه، وصمة عار في حقّ العمل السياسي في المنطقة ككل، وفي سوريا بوجه خاص، بما فيه من فساد وتبعية ذليلة بصورة مناقضة تماماً للثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي يدّعي تمثيلها. حتى أن النظام السوري، تحت أسوأ قيادة جيوسياسية في تاريخه، مازال قادراً على إرسال علي مملوك إلى السعودية للتفاوض؛ علي مملوك كواحد أفراد أنظمة الاستخبارات التي أثّرَت في شكل المنطقة العربية وتحالفاتها وخصوماتها والصراع العربي- الإسرائيلي. في الوقت ذاته، من التهكُّم أن نتخيّل ما يحدث في اجتماع بين خالد الخوجة وجون كيري، ومن المستبعد للأخير أن يتعامل مع الأول بأي شكل من أشكال الجدّية أو النديّة.

صار واضحاً، وأقولها بكل الأسف، أن لا شيء يحدُث في سوريا بقرار سيادي وطني مُستقل، ومازلتُ عند رأيي بصدد معارك جيش الإسلام الأخيرة على الطريق الدولي دمشق- حمص ومنطقة ضاحية الأسد في دمشق، وكذلك قبلاً عن الجبهة الجنوبية في سوريا، وعن أحداث السويداء بعيد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، وعن معارك كفريا والفوعة التي تجري حالياً، وبالطبع لستُ أبداً في وارد الانتقاص من وطنية المقاتلين أو شجاعتهم، وإنما يكمن الخلل، كل الخلل، في تلك القيادات التي تسوقُها استراتيجيات المموّل الدولي في أي اتّجاه تريد، والتي استشرَت فساداً بما يكفي لطمس ما تبقّى فيها من آثار ثوريّة وطنية،  وهؤلاء تحديداً، خريّجو العفو الرئاسي من عسكريين وسياسيين، هُم من أزاحوا درب الثورة وحوّلوها من فعل وطني نبيل إلى شركة رأسمالية ربحية، دون أدنى مراعاة أن ذلك على حساب خلاص الشعب السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.