حسام موصللي

بينما استرسل السيد باراك #أوباما في حديثه عن إنجازاته الفردية، ونجاح تجربة الديمقراطية في العالم، وضرورة تعميم الرأسمالية، والتركيز، قبل أيّ شيء آخر، على قضايا تمكين المرأة (دون أن يكون واضحاً إزاء تمكينها من ماذا؟!) صعد عميل المخابرات السوفيتية السابق السيد فلاديمير #بوتين مسرح الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مشهد أقرب إلى صوره التي يعتلي فيها صهوة جواده بصدر عارٍ عن تعديلات الفوتوشوب. جال قيصر ببصرُه في الحاضرين دونما اكتراث حتى بحلفائه، ثم أعلن: “قليل على #سوريا أن تكون المحافظة الإيرانية رقم 35، يجب أن تكون الإقليم الروسي رقم 84.. كلا، أقصد رقم 85 بعد القرم”.

 

لم يفهم أحدٌ مما قاله سوى بضع عبارات من قبيل: “يا لسخفكم! أنتم بفلسفتكم الغربية ومثالياتكم المراهقة وبالٌ على معمورة الشر هذه. يا لتفاهتكم! أنا فلاديمير بوتين، قيصرك العالم قبل روسيا.. يا لسوء حظّي برعية مثلكم. أنا عرّاب الحرب العالمية الثالثة المنتظَر! بيد أنّكم أدنى من أن تكونوا خصوماً لي، وأحقرُ من أن يأتيَ التاريخ على ذكر أسمائكم مُحاذية لاسمي العظيم. يا لسذاجتكم! حسناً، ليس لدي وقت أطول أضيعه هُنا، هُناك في البعيد بلاد جديدة أريد أن أجلبُ إليها دفءَ الأوشنكا وأرمي خارجها قمصانكم الملونة. والآن، هيّا، صفّقوا لي قبل أن أطلقَ النار على بان كي مونكم هذا الذي يتصبّبُ قلقاً”.

صفقَ الجميع بحرارة تحت تهديد السلام، ثم خرج الرجل بعد أن ألقى إشارة واحدة نحو الثلاثة في الأعلى الذين بدورهم أدركوا أن الله قد نجّاهم من لحظة تاريخية، يتحوّل فيها خطاب دبلوماسي إلى مَجزرة.

في فندقه، جلس بوتين يُقلّب في قنوات الأخبار، ويا لسعادته عندما وجد أنّهُ يتوسّطُ شاشات العالم بشتى لغاته. وصل إلى الإخبارية السورية، فشاهدَ أحد عشر مُحللاً من فروع مُختلفة ساجدين؛ أحدهم كان متخصصاً في الطبّ الرياضي، وأخذ يشرحُ بشغفٍ عن فوائد مياه نهر الفولغا في مُعالجة التهاب العصب الوركي لدى ربّاعي الأثقال، ثم تحدّث آخر لافتاً الأنظار إلى جودة فودكا الشرق وما سيجلبه تصديرها من منافع جمّة على الاقتصاد المحلي، وثالث يفتخر بأن أعداد الحاضرين في الحفلة التي أحيتها جوقة الجيش الأحمر، بمشاركة من صوت المُحافظة علي الديك، ضمن فعاليات “وطني الكبير” في دار الأسد للثقافة والفنون، المُحافظ الأول، قد تجاوز كل الفعاليات السابقة منذ إنشاء هذه الدار، ومن بينها، حسب زعمه، أمسية الشاعر الفلسطيني محمود درويش. مع ذلك، لم تفتهُ الإشارة في هذا السياق إلى ما أثاره بعض النقّاد بصدد أن حضور الديك كان له أثره الحاسم في جذب الانفصاليين ودعاة الحكم الذاتي. من ثم، وعلى وقع أغنية “كاتيوشا”، عرض محلل عسكري “إنفوغرافيك” عن إنجازات أبطال الدفاع الوطني، وعلى رأسهم لواء شهداء #ستالينغراد، بصدد حفظ السيادة والاستقلال، وإرساء ثقافة السلام والوحدة الوطنية، في ربوع وطننا (الحبيب عادةً).

انتهت فقرة الأستوديو التحليلي بوقوف الضيوف تحية إكبار وإجلال لراعي مسيرة ما بعد الحداثة، ثم أعقبها إعلان حكومي لمؤسسة الغزل والنسيج تطرحُ فيه تشكيلتها الجديدة من تصاميم معاطف الفراء الخفيفة لموسم صيف 2016.

ارتأت إدارة القناة، ووافقها سيادته كذلك، أنّه ليس من داعٍ لمُتابعة تغطية ما تبقّى من خطابات في مؤتمر الجمعية العامة، لاسيما وأنّ خطابَ الأخير قد أحالها إلى جمعية خيرية على وشك الإفلاس، فانتقلَ برنامج البث إلى أستوديو النشرة الجوية التي لم يَرد فيها أيّ جديد أيضاً؛ عواصف ثلجية ومَوجات صقيع تُغطّي سوريا، وتحذيرات شديدة اللهجة بشأن عدم مُداعبة الدببة القطبية في موسم التزاوج. وكانت النشرة الاقتصادية أكثر مدعاة للتفاؤل؛ روبلنا يتصاعدُ باطّراد، وبحارُ نفطنا تُغرِقُ كل لاجئ من الأوبك إلى الغرب، وغازاتنا تنبعثُ من إقليم أوكرانيا واخزةً أنوف المُمتعضين، بينما تشهدُ أسلحتنا الفتّاكة رواجاً غير مسبوق بفضل سياساتنا الحكيمة في إحلال السلام العالمي بعد احتلاله.

بثّت القناة بعد ذلك فيلماً قصيراً يعرضُ مسألة تدجين النمور وما هي الوسائل الفعالة للاستفادة منها في الأعمال اليومية، على غرار حراسة الأطفال في المنازل نهاراً أثناء ذهاب الأهل إلى العمل، وتنفيذ عمليات التنمُّر الأخرى من ابتزاز وتهديد وتعذيب دونما إلحاق الأذى القانوني بالنمر أو بمرافقه. ولأن العمل كان غاية في الإتقان، أوعزَ الرئيس إلى أحد مساعديه بإرسال أحد نمور “آمور” النادرة كهديّة تقدير إلى محمد الأحمد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.