عمّار ديّوب

أنهى التدخل الروسي في سوريا الكثير من الأوهام حول فكرة “أصدقاء #سوريا” والدعم الأمريكي لثورة السوريين، واحتمال مجابهة هذا التدخل؛ وهو ما لم يتحقق. بل التصريحات الأمريكية تتحدث عن تنسيق بينهما! فالتحالف الدولي كان البداية، حيث لم تشمل غاراته قوات النظام؛ وقوات الاحتلال الروسي أتت لإنقاذه من التطورات العاصفة في شمال ووسط سوريا، ليتشكل لدى السوريين وعيٌ جديد بأن الوطنية لا بد من استعادتها، ولن ينقذ ثورتَهم إلا أنفسهم.

 

الوطنية المستعادة هذه، أتت كذلك على أرضية إخفاق المعارضة السورية، بأكثرية توجهاتها، في تأمين دعمٍ إقليمي أو دولي، وتحولها إلى مافيات لصالح دول الدعم المتوهَّم هذا، وبالتالي تعالت الانتقادات لمسار المعارضات، وأنها فرّطت كثيراً بالوطنية، بينما النظام لم يتخل عنها أبداً كمحض أيديولويجيا، أي ككذب كامل؛ فصمته وصمت #حزب_الله و #إيران عن التنسيق الأمني الإسرائيلي الروسي، وانطلاقاً من سوريا يوضح ذلك. وبالتالي هناك تململٌ سوري كبير من تغييب الوطنية في خطاب المعارضة، وقناعةٌ كبيرة لدى الموالين أن الوطنية لا تَستوي وذلك التنسيق. إذاً هناك أجواء سورية عامة تحبِّذ هذا التوجه.

يتلاقى هذا التوجه مع عدد كبير من السياسيين من خارج التيارات السياسية السائدة، والذين وجهوا انتقادات مستمرة لسلوك هيئة التنسيق أو المجلس الوطني ولاحقاً الائتلاف الوطني، وكذلك انتقدوا طويلاً التدخل العسكري في حياة المدنيين وغياب رؤية استراتيجية للفصائل العسكرية، وتحكّم المناطقية والعائلية ولاحقاً الجهادية في توجهات الكثير منها؛ إذاً الوطنية المقامة على المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بدأت تجد أنصاراً كثر، وينتظرها عدد كبير من السوريين.

مارست الجماعات الجهادية التشدّد الديني، ونزع الإسلام السياسي نحو التطييف الكامل، وبما يلاقى توجهات النظام نحو التطييف. فالسوريون الذين عايشوا هذه الممارسات باتوا كارهين لها، وأخذ الرفض لديهم شكلين، أولاً حدثت المواجهة ضد النصرة وداعش وأحرار الشام وكافة الجماعات الأصولية، ولكن الشعب فشل في مواجهتها، وثانياً اختار قطاع شعبي إما العودة للنظام أو اللجوء على دول الجوار ومؤخراً إلى أوروبا، ومن انضوى في هذه المنظمات فأغلب الظن ليس بجهاديٍّ، ولكن أغلقت كافة منافذ الدعم ولم تبق إلا نوافذ الجهادية، فانضووا فيها. هذه الممارسات تشكل معيناً إضافياً للميل الوطني، والعودة إلى شعارات الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.

ما هو مؤكد أن تسييس الطوائف والعشائر لعب أسوأ الأدوار في مسار الثورة، وحرفها نحو الطائفية والعشائرية والعائلية، وبالتالي وصول سوريا إلى بلاد فاشلة بالكامل. هذه الميل ليس من الثورة بشيء، وهو مدخلٌ مغاير لبدايات الثورة ولأهدافها.

المتابع لتحليلات المعارضة السورية، وللتوسع في الهجرة الكثيفة، يرى أن هناك تركيزاً على قوة النظام ولا سيما حلفائه، وتحديداً على دور #قاسم_سليماني أولاً وحالياً فلاديمير #بوتين. التحليلات كانت تقول أن سليماني سيستعيد إدلب، والمفاجأة أنّه لم يقم بأية حملة من أصله، وفشل في #درعا و #حلب. والآن يقال أن الروس سينتصرون وسيَهزون الفصائل التي تقاتله، بينما شهدنا مجزرة الدبابات في ريف #حماه، وتقدمت فصائل معارضة نحو بلدات في ريف #اللاذقية. هذه المؤشرات تعني أن الكثافة النيرانية الجوية لن تسمح بتقدمٍ بري واسع، ومن هنا نجد التحديد الروسي لمدّة الحملة، والتي لن تتجاوز الأربعة أشهر. إذاً بعكس التحليلات الساذجة السابقة هذه، فإن إيران هُزمت في سوريا وكذلك حزب الله والآن روسيا ستفشل.

في المقلب الآخر، فإن أغلبية المواليين للنظام بدؤوا يتذمرون، حيث لاحظنا مجموعاتٍ شيعية تقطع طريق حمص دمشق في حمص، وتقطع طريق المطار الدولي أكثر من مرة، وحدث احتجاج في منطقة الست زينب  كذلك، وهناك احتجاجات هامشية برزت في مدينة طرطوس واللاذقية. يضاف لذلك أن التخلف عن أداء الخدمة العسكرية أصبح ظاهرة عامة وشاملة لسوريا بأكملها، وأغلبية الشباب السوري يهاجر هارباً من هذه الخدمة. الحرب المستمرة يعتبرها الموالون والمعارضون ليست حربهم، وهي مقتلة مفتوحة وبلا هوادة.

لست أتوخى في هذا المقال الاستناد إلى وقائع جزئية لأستنتج ميلاً مهيمناً على السياسات والرؤى لتيارات القوى المعارضة للنظام، ولكنني أقول، هناك ميل كبير لاستعادة الوطنية ورفض النظام والجهادية وكل أشكال الاحتلال والتدخلات الخارجية. لكن من جهة أخرى، وفي حال لم يتشكل ميلٌ وطني شعبي كبير، وبالتأكيد بروز قوى وطنية فاعلة، فإن استمرار الحرب، وتوسع التدخل الروسي وتجاوز الفشل كاحتمال ممكن لاحتلاله المستجد هذا، سيظهر ميلاً لأفغنة سوريا، وربما تصل مضادات طيران في لحظتها، وهذا ما سيؤجل الحل السياسي ربما سنواتٍ لاحقة.

قراءتنا لتطور الأحداث أن الروس لن يتوسعوا في تدخلهم العسكري، والذي يطابق الاحتلال؛ فهم يعلمون متانة التدخل الإقليمي والدولي، والذي يمنع غلبة النظام على الفصائل المقاتلة أو العكس، ويعمل حثيثاً من أجل حل سياسي، حلٍ لا ينهي النظام ويمنع انتصار المعارضة، وهذا ما يمكن رصده من خلال الكلام عن الدولة والمؤسسات وغياب نظام سياسي بديل، وتعظيم خطر #داعش، وهكذا… أي أن الممكن الوحيد هو التفاوض، وهذا ما رفضته #روسيا، وتعمل باحتلالها على إعادة تأهيل النظام الذي كاد ينهار في الأشهر الأخيرة، من أجل مفاوضات “عادلة” والانتقال إلى مسارات #ديمستورا.

واحدة من الممكنات الواقعية في اللحظة الراهنة لأفق الصراع تعزيز الميول الوطنية، ومحاصرة الميول نحو اللجوء أو الأفغنة أو تأييد الاحتلال الروسي، أو تمدد الداعشية والجهادية. وهذا يقتضي تشكيل قوىً سياسية وطنية، تنقل سوريا إلى دولة لكافة السوريين وتبعد كل أشكال الاحتلالات الخارجية في الشأن السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة