سكوتّ آتران (The Daily Beast) الخامس من تشرين الأول 2015

ترجمة موقع الحل السوري

 

بينما تقوم القوات الأمريكية وحلفائها بشن غارات جوية من أجل إنقاذ الأسرى المقرر ذبحهم من قبل ما يسمى #الدولة_الإسلامية، وبينما يصعّد الروس من قصفهم لتعزيز ديكتاتورية الرئيس السوري #بشار_الأسد، فإنه من السهل أن تغيب عن الناشطين حقيقة الجهد الحاسم حول القتال ضدّ #داعش : بشكلٍ أساسي، هذه هي حرب الأفكار التي ليس لدى الغرب فعلياً أية فكرة عن كيفية شنّها، وذلك هو السبب الرئيسي للفشل الذريع لمثل تلك السياسات التي تستهدف مكافحة داعش.

الأمر ليس كما لو كان النهج الرئيسي لداعش يعتبر لغزاً. الرؤية المفروضة لأمراء الدولة الإسلامية هي الإدارة الوحشية والهمجية لأبو بكر باجي، ففي بيانٍ مفصّل _ نُشر منذ عقدٍ  _ ينظر في نقاط ضعف الغرب والقوة الكامنة لتصاعد الخلافة الوحشية عديمة الرحمة. تقول إحدى الحكم المثالية: “العمل لكشف ضعف القوة المركزية الأمريكية يكون من خلال دفعها للتخلي عن الحرب النفسية الإعلامية والحرب بالوكالة حتى تقوم بالمحاربة بشكل مباشر”، تلك هي عملية جر القوات الأمريكية إلى القتال.

في هذه الأثناء، تمتد داعش وتنتشر بشكل خاص في إفريقيا، وأيضاً وسط آسيا, وحيثما يوجد حالة من الفوضى والهمجية أو (التوحّش)، فنجد تواجد داعش هناك لملئ الفراغ الحاصل. إنها تقوم بنشر خلافتها كما لو أنها أرخبيل عالمي حيث تتفجر “براكين الجهاد”، بحيث يمكنها البقاء على قيد الحياة حتى لو تدهورت قاعدتها الأساسية المتواجدة حالية بين الرافدين، نهر #الفرات في #سوريا (الرقة) ونهر #دجلة في #العراق (الموصل)، بدرجةٍ خطيرة .

#ليبيا هي الهدف، فتشكل بوابة إلى قارة افريقيا التي تعيش حالة من الفوضى، حيث تقوم داعش باستثمار قواها بكثافة. فقد ذهب أكثر من 700 مقاتل سعودي إليها خلال الأشهر الأخيرة، ذلك وفقاً لدليل قدّمه إلي زعماء سعوديين في شهر آب.

“الروايات المضادّة ” الحالية ليست في مستوى قليل النجاح أو الجذب، سواء في جذب أو ردع مؤيدي داعش ومجنديها. تلك الروايات سلبية في غالبيتها، إنهم يقوم بإلقاء المحاضرات على الشباب بدلاً من التحاور معهم. فقد تحدّث أحد أئمة داعش السالفين لي ولزملائي قائلاً : الشباب الصغار الذين جاؤوا إلينا لم يكن مجيئهم ليتم إلقاء المحاضرات عليهم وكأنهم  أطفال أغبياء، هم متواجدون من أجل الفئة الأكثر فهماً وعطفاً.

وبالمقارنة مع الحملة البعيدة عن وزارة الخارجية الأمريكية على موقع التواصل الاجتماعي التويتر والتي تقول: “فكّر مجدداً وتغيّر” فإن الدولة الإسلامية قد تقضي مئات الساعات في محاولاتها تجنيد الأفراد المستقلّين، وتعليمهم كيف يمكن أن يتم توظيف المظالم التي يعانون منها وتحويلها إلى موضوع ذي شأن عالمي من الاضطهاد ضد المسلمين، وبالتالي يتم ترجمة الغضب والإحباط لديهم إلى غضب أخلاقي.

يفتقر النهج الحالي لمكافحة التطرف _ بشكل رئيسي _ إلى الإيجابية، بينما يفتقر في الوقت ذاته إلى النظرة الشخصية والعميقة للأفراد.

يجب على أي ارتباط جدّي أي يكون متوافقاً مع الأفراد وشبكاتهم، وليس لتسويق كتلة من الرسائل المتكررة. فيتعاطف الشباب مع بعضهم البعض، في الحقيقة هم لا يلقون المحاضرات على بعضهم. فمن #سوريا، تراسل إحدى النساء أخرى قائلة: “أعلم كم من الصعب أن تتركي والديك اللذين تحبيهما، ولا تقومي بإخبارهما بأي شيء حتى تصلي إلى هنا، عندها قولي لهما أنك دائماً سوف تبقين تحبيهما، ولكن وجودك على هذه الأرض هو للقيام بشيء أكبر من أن تكوني مع والديك فقط وتخلصي لهما. أعرف أن هذا الموقف سوف يكون من أصعب المواقف التي قد تتعرضين لها في حياتك كلها ولكن دعيني أساعدك في توضيح الأمر لك، ولهم”.

الحكومة لديها شخص واحد يعمل في مجال التعامل على المستوى الشخصي مع هذه القضايا، ويبذل مكتب التحقيقات الفدرالي FBI  قصار جهده للعمل على “الخروج عن العمل الفوضوي للحيلولة دون الاشتباك بهذه الجماعة”، ذلك وفقاً لأشخاص تحدثت إليهم في المركز الأمريكي القومي لمكافحة الإرهاب، والذي يتمسك فقط بالتحقيقات الجنائية. أخبرتنا إحدى السيدات من الـ NCTC قائلة: “لا أحد يرغب في تبني أي شيء من هذا”.

يمكن تحقيق القليل من التقدم بقوة السلاح إذا لم يدعم بمناشدة عالمية. مناشدة الاعتدال أو (الوسطية ) تسقط على الشبان الضجرين والمثاليين في الغالب، الذين يسعون للمغامرة والاعتزاز والشعور بالأهمية. “غسيل الدماغ ” و “العدمية” أفكار مملة يتبنّاها غالباً هؤلاء _ خاصةً الآباء والسياسيون _ الذين لا يريدون _ ببساطة _ أن يواجهوا المشكلة، أو أنهم في حالة نكران لمناشدات داعش المتعددة الأوجه لتوقها للشبان الذين يريدون أن يصبحوا ثواراً مع وجود سبب مقنع، ليتحولوا بذلك إلى رجال، كما يريدون، وكما يرون الأمر، ذلك للدفاع عن المضطهدين.

نهج القاعدة الشعبية ليس كافياً. يمكن لمعارضي داعش أن يحققوا نجاحاً محلياً (حيث كان لبناة السلام نجاح رائع بهذا الخصوص) ولكن هذا الطعن الواسع بالدولة الإسلامية لن يؤثر عليها حيث تجذب الشباب من 90 أمة مختلفة تقريباً ومن كل مجالات الحياة.

هناك أوجه تشابه تاريخية بين تصاعد داعش وما دوّنه لنا التاريخ. فقد عانت الثورة الفرنسية من الطائفية والاقتتال الداخلي، وقُدّم “الإرهاب” كوسيلة سياسية، وتم غزو الثورة من قبل ائتلاف هش يتكون من القوى الخارجية، ورغم ذلك صمدت الثورة وبقيت وتحولّت فظهرت الإمبراطورية. إن فشل تلك الثورة وما تلاها من ثورات في عام 1848 و التي عمّت #أوروبا هي شيء يوحي لما حصل ويعرف بالربيع العربي، عندما لم تبنى الديمقراطية التشاركية _ بشكلٍ كافٍ _ على القيم الأساسية ومؤسسات الصحافة الحرة والقضاء المستقل والتسامح مع الأقليات وما إلى ذلك من حاجات جعل الخيار الشعبي والانتخابات أكبر أكثر من طغيان الأغلبية.

إن تصاعد تنظيم القاعدة في أواخر القرن العشرين يذكرنا بتصاعد الفوضى في أواخر القرن التاسع عشر. التضاؤل الحالي لأطراف القاعدة وتحولهم إلى داعش مشابه لما حصل خلال إبادة الفوضويين من قبل البلاشفة، الذين يُعرفون بشكل أفضل بكثير عن كيفية إدارة الطموح السياسي المشترك من خلال الإدارة العسكرية والإقليمية. هناك دروس أخرى يمكن تعلمها من تجربة النازيين: كانت الحركة الوطنية الاشتراكية تشكل نداءاً حقيقياً للتضحية بالنفس في مهمة تغيير جذري تاريخي للعالم والذي يرفض كل المعايير الدولية السابقة التي تحكم العلاقات بين الناس والأمم.

لمّح جوج أورويل لجوهر المشكلة في نقده لـ كتاب ( كفاحي ) الصادر عام 1940:

“لقد أدرك #هتلر زيف موقف التلذّذ بالحياة. يعرف هتلر أن البشر لا يريدون فقط الراحة والأمان وساعات العمل القليلة والنظافة وتحديد النسل، فهم عموماً يريدون النضال والتضحية بالنفس  أيضاً”.

وفي سياق مماثل، فإن الاتجاه السني المتطرف الحالي والذي تمثل داعش رأس الحربة فيه، هو عملية ديناميكية ذات أبعاد تاريخية عالمية، وببساطة نتعامل مع الأمر باعتباره شكلاً من أشكال “الإرهاب” أو “التطرف العنيف “، أو إقناع النفس لرفض دعوته باسمه الخاص، حيث يمكن بطريقة أو بأخرى نزع  الشرعية عنه، هو في رأيي وهمي، وبالتالي يضيف إليه الخطر.

داعش ليست موجّهة أو مسيطر عليها من قبل مؤسسات وأنظمة قوية من نظام الدولة القومية السائد، وكما كان الحال مع الحركة الفاشية والحركة الشيوعية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكذلك الأمر في #إيران التي تهيمن عليها النهضة الشيعية. لذلك لم يفهم الوضع بشكل صحيح، وتناول الموضوع بشكل أقل تماسكاً من قبل الأكاديميين وصناع السياسات الخاصة بنا.

تتجذّر روايات داعش في هيمنة المسلمين وسط أوروبا وآسيا حتى قيام الثورة الصناعية الأوربية، ورفض النظام العالمي الغربي الذي فرض بعد الانهيار العثماني والذي فشل في المنطقة، بكل أشكاله المختلفة والمجرّبة، سواء الاستبدادية القومية أو الاشتراكية أو الفاشية أو الشيوعية أو التحررية أو الديمقراطية أو حتى الملكية الدستورية.

في النهاية، هناك ديناميكية مؤسفة بخصوص تصاعد الإسلام الراديكالي وإحياء الحركات العرقية القومية المعادية للأجانب والتي بدأت تقوّض بشكل خطير على الطبقة الوسطى والتي تشكل دعماً أساسياً للاستقرار والديمقراطية في أوروبا، والتي تذكرنا بالأحقاد التي وجهها الشيوعيين والفاشيين للديمقراطية الأوربية خلال الفترة الواقعة بين عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي.

حقيقة إن نسبة التناسل في أوربا تشكل 1.4 طفل لكل زوجين تجعل هناك حاجة للهجرة الكبيرة إليها حفاظاً على القوة العاملة المنتجة التي تتحمل مستوى الطبقة المتوسطة من المعيشة في الوقت الذي كان هناك أقل مستوى لتحمل معاناة الهجرة والذي يشكل حالة أخرى من الفوضى التي استغلتها داعش والتي تتطور بشكل لا يدعوا للسرور.

على ما يبدو، أن الهمجية المدارة هي القدرة على الفوز بمدى سهولة تجنب الآلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة