جوان علي – القامشلي

ابتلع البحر أطفاله الثلاثة، في حين عاد هو و زوجته إلى الشاطئ، منتظراً الموج، عله يحمل معه جثة أحد أطفاله، بعد أن يأس من العثور عليهم أحياء، مع انقضاء ساعات النهار.

 

كان هذا حال نوزت صبري ابن قرية سيكركا درعو (60 كلم شرق #القامشلي) قبل حوالي شهر من الآن، لكن فصول مأساته_ فيما يبدو_ لم تنتهي بعد. بحسب عائلته لا يزال هو وزوجته ينتظرون جهة أو منظمة أو حكومة ربما تتبرع بإيصال جثث أطفاله إلى مسقط رأسهم، بعد أن فقدوا من كانوا لأجلهم قد قرروا الهجرة.

قصة نوزت ليست إلا واحدة من عشرات المآسي التي ذاقها السوريون على دروب الهجرة خلال الأشهر القليلة الماضية،  فبحسب مجلة “ذا ديلي بيست” الأميركية، أكثر من 70 رضيعاً سورياً قضى غرقاً في رحلات تهريب اللاجئين منذ غرق آلان شنو  في شهر سبتمبر الماضي، ومع ذلك لا تزال تغريبتهم مستمرة.

وعلى الرغم من ازدياد مصاعب الهجرة مع قرب حلول فصل الشتاء، إلا أن منظمة الهجرة الدولية توقعت “إمكانية ترك مليون سوري على الأقل بلادهم مع اقتراب حلول الشتاء”، هذا ما صرح  به الناطق باسم المنظمة جويل ميلمان، لوكالة الأناضول   قبل أيام.

وفي حين تتشابه حال المناطق السورية  من حيث استمرار نزيف الهجرة، تتميز المناطق الكردية، بوجود استقرار وأمان نسبي مقارنة مع غيرها، مع ذلك كان اللافت أن محافظة #الحسكة احتلت المركز الثالث على مستوى سوريا من حيث نسبة المهاجرين منها، ذلك بحسب استبيان عن الهجرة وأسبابها؛ اجرته منظمة تبني ثورة بين حوالي 900 سوري وصلوا #ألمانيا خلال أخر ثلاث سنوات.

قوافل المهاجرين وعدد المآسي التي باتت تتكرر بشكل شبه يومي، أعاد الجدل حول ظاهرة الهجرة إلى مربعه الأول، وهو ما يفتح باب التساؤل  مجدداً عن حجم هذا النزيف و اسبابه والدوافع التي تقف وراء استمراره؟ وهل من أمل في إيجاد حل ؟

 

هجرة  اللاعودة (ما من احصائيات دقيقة)

تظهر احصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأخيرة،  تزايداً في أعداد الواصلين عبر البحر إلى أوربا، خلال عام 2015 “وصل أكثر من 600 ألف لاجئ حتى تشرين أول من 2015 عبر البحر مروراً باليونان”.

ويشغل السوريون ما نسبته 63% بحسب المفوضية، كما أن نشطاء سوريين انتقدوا ازدياد حالات الغرق بين هؤلاء الواصلين عبر البحر ” لعدم وجود أي استجابة لنداءات مفوضية شؤون اللاجئين في جعل العبور أكثر أماناً”.

3

جدول يبين المحافظات السورية التي ينتمي إليها المهاجرون (منظمة تبني ثورة)

 

المأساة التي شهدها نوزت صبري عادت وتكررت مع سوري آخر هو عماد ابن حي ركن الدين الذي فقد زوجته وطفليه على أطراف جزيرة يونانية، فكانت الصدمة أن جعلته يحمل صورهم سائراً بها في الأزقة والطرقات، بحسب ما تناقلته وسائل إعلام يونانية، الألم ذاته عاشه آلان أحمد محمد (29 سنة) من القامشلي،  بفقدانه زوجته مها عباس أحمد27 سنة وابنته سيلدا (4 سنوات) بعد غرق سفينتهم بالقرب من إحدى الجزر اليونانية.

“الهجرة ضخمة وخطيرة وعواقبها ستكون وخيمة على السوريين عامة وعلى الكرد بشكل خاص”، هذا ما يراه دوران بشار أحد النشطاء المتطوعين في مجال مساعدة اللاجئين السوريين في #النمسا،  ومصدر الخطورة بحسب بشار هو أن “معظمهم  يبيع كل ما يملك لأناس لا يعرفونهم ويهاجرون إلى أوروبا، دون رجعة”.

بينما سيهانوك ديبو؛ عضو مكتب العلاقات العامة ومستشار الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي يرى  أن هناك  هجرة  وهجرة مؤقتة، وهذه الأخيرة تعني “المغادرة من روج آفا إلى دول ومناطق الجوار،  حيث يتراوح عدد المغادرين بين 350 ألف و 400 ألف”، أما  المهاجرون الكرد من سوريا وروج آفا فبحسب ديبو  “لا تتجاوز أعدادهم وبحسب التقديرات الخمسين ألفاً” مؤكد أن الرقم  يظل رغم ذلك “رقماً كبيراً”

استمرار الحرب وبقاء الأوضاع كما هي

ربما لم يكن اللاجئ المهاجر دوران بشار؛ يتصور أنه سيأتي يوم ليعمل فيه متطوعاً في مجال مساعدة اللاجئين السوريين، متنقلاً بين الحدود الهنغارية  السلوفينية ومحطة قطارات فيينا،  فدوران بشار الذي كان عريفاً في الجيش السوري انشق عنه مع بدايات الثورة في العام 2011 وهاجر إلى النمسا. وهو الآن يرى أن السبب الرئيسي لاستمرار الهجرة، يعود إلى استمرار الحرب  وطول مدتها.

وهو يتفق مع ما يذهب إليه أحمد سليمان القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي في سوريا  إذ يقول “الأوضاع الحالية لا تمنح الناس أي شعور بالاطمئنان إلى قرب انتهاء الأزمة، وجميع الأطراف بما فيها المعارضة لم تستطع أن تكون في موقع، يمنح شعور أو ثقة للناس بوجود ضمانات لقرب انتهاء الحرب”.

من جانبه الكاتب والسياسي سلمان خليل يجد أن “استمرار الأوضاع المأساوية في سوريا في ظل حرب دائرة بأطراف عديدة سورية وإقليمية ودولية، يرخي بظلاله على الأوضاع في المناطق الكردية، والنتيجة خلق جو من القلق وعدم الاطمئنان والخوف من المجهول، مما يجعل المستقبل قاتماً، وهو عامل أساسي للهجرة” كما يذهب.

2

جدول يبين آراء المبحوثين من المهاجرين حول التنظيمات المسلحة المسؤولة عن هجرة المدنيين في سوريا (منظمة تبني ثورة)

 

غياب التوافق الكردي أم الإجراءات الأحادية من المسيطرين على الأرض؟

طوال السنوات الماضية، كانت السمة الأبرز للعلاقة بين الأطراف الكردية في سوريا، هو غياب التوافق بينها وعدم قدرتها على تبني مشاريع سياسية مشتركة، الأمر هذا بدا واضحاً في بدايات الأزمة السورية ولكنه اتسع مع مرور الوقت ليصبح الخلاف أكبر وربما أعمق وأشمل.

الكاتب والسياسي سلمان خليل يجد أن “غياب التوافق الكردي الكردي وحالة الخصام والخلاف المستمر بين المجلس الوطني وحركة المجتمع الديمقراطي تف- دم انعكس سلباً على المجتمع الكردي”.

خليل يرى أيضا أن “تفرد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD من خلال الإدارة الذاتية وإصدارها لقرارات مجحفة مثل قانون التجنيد الاجباري، ساهمت بشكل مباشر في هجرة فئات واسعة من أبناء الشعب الكردي وخاصة شريحة الشباب”.

وربما لا يختلف أحمد سليمان القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي عن خليل؛ إلا فقط في تسمية ووصفه لتلك القرارات الصادرة من جانب الإدارة الذاتية بـ ” الخطوات غير المدروسة التي لم تستطع إقناع الناس، فساهمت في إضافة قسم آخر للهجرة بالرغم من حالة الاستقرار النسبي”.

وسليمان يقصد هنا (بالقرارت) ما يتعلق بقضية الدفاع عن المنطقة و قضية “فرض مناهج دون المقدرة على أقناع الناس بهذه الخطوة”.

على النقيض من ذلك فإن سيهانوك ديبو؛ عضو مكتب العلاقات العامة ومستشار الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي يرى أن السبب الأساسي في الهجرة  هو “تدخل دول إقليمية وفي مقدمتها #تركيا التي تقوم بالتعاون مع بعض أدواتها المحليين من الكرد، وذلك بتعويم سياسة الخوف والإرهاب والتشويش المستمر على كل منجز ومكتسب تحققه الإدارة الذاتية الديمقراطية”.

بل يذهب ديبو إلى اعتبار اتهام الإدارة الذاتية بالمسؤولية عن التسبب في الهجرة  “عبثية كبرى”  ويؤكد أنه “لولا وجود الإدارة الذاتية  لكان من الاستحالة أن نجد الآن شخصاً واحداً في روج آفا؛ كنا سنجد #داعش و #النصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية بالإضافة إلى آلاف البراميل المتفجرة”.

ديبو بدوره يتهم بعض الأحزاب الكردية ” بممارسة التشويش والتشويه بحق الإدارة من أجل إفشالها”

على جانب أخر ربما لدى بعض المهاجرين أيضاً رأيهم؛ فنرى محمود (24 عاماً) وصل إلى النمسا منذ شهر قادماً من ديرك يقول ” كل شيء جميل هنا لدرجة تتمنى أن تجد شيئاً غير جميل وغير أنيق، ولكن نشعر أنها ليست بلادنا، فقط في بلادنا نشعر بهذا الاحساس من الامتلاك والامتلاء، هناك لم أكن أعاني من مشاكل اقتصادية، وكنا نتأقلم مع كل مصاعب الحياة، فقط التجنيد لم نكن نجد له حلاً”

أما دوران بشار فيؤكد من جانبه أن “نسبة كبيرة من الشباب المهاجرين كانوا قد فروا من تطبيق قرار التجنيد الإجباري”، وفي نفس الوقت يشير أيضا إلى وجود نسبة بين المهاجرين ممن “لم تعد لديهم أي ثقة بجميع الأطراف السياسية؛ لا حزب الاتحاد ولا معارضيه ”

الناشط السياسي نهاد إسكان وصل ألمانيا منذ قرابة شهر،  يقول “بالنسبة لي اليأس من الحالة السياسية وضياع مستقبل سوريا وعدم وضوح ملامحها هو سبب كاف للهجرة “.

إسكان يرى أن هذا أحد الجوانب التي دفعته لاتخاذ قرار الهجرة، لكن السجين السياسي السابق، لا ينفي وجود جانب شخصي في تجربته ولا يجد حرجاً في الاعتراف به طالما أتى في اطار التصالح مع الذات ليس إلا  “طالما فشلت شخصياً في الحالة السياسية، فهل علي ّ أن أبقى متمسكا برأيي وبعملي على حساب أفراد أسرتي، فأخسر عملي وأخسر أفراد أسرتي، أم علي مراعاة أوضاع أسرتي فاضحي بالعمل؛ من هذا المنطلق اعتقد أني على الأقل كسبت أسرتي ”

 

داعش وهجماتها

من المعرف أن داعش تسببت في نزوح حوالي 200 ألف من أهالي مدينة كوباني وريفها خلال هجومها قبل عام من الآن، وقد دفعت بالكثيرين منهم إلى التفكير بالرحيل والهجرة بعد ذلك الهجوم، كما إن هجماتها خلفت تأثيراً مشابها على مناطق أخرى من الريف في المناطق الكردية، فعدا أنها اقتربت من أطراف رأس العين وكانت تحاول دخول تل أبيض وكوباني أكثر من  مرة في الأشهر الأخيرة، استطاعت الاستيلاء على بعض أحياء الحسكة قبل أن تخرج منها منذ ثلاثة أشهر.

في معرض حديثه عن التقاءه بمئات اللاجئين أثناء عمله، يؤكد دوران بشار أنه التقى بالعديد من الفارين من تهديدات داعش على مناطقهم ، وكانوا في غالبيتهم ينتمون إلى مناطق و أرياف  سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض وكوباني.

في حين  يجد سلمان خليل أن ” تهديد  داعش ما زال موجوداً على مناطقنا رغم اضمحلال هذه الخطورة لكنها لم تنتهي”  ذلك أنها لا تزال “تلقى الدعم من أطراف إقليمية ودولية تقوم باستغلالها لتحقيق أجنداتها ومصالحها” لذلك من الطبيعي أن تكون أحد أهم الأسباب.

الاوضاع الاقتصادية والمعيشية

سمير أحمد الموظف في إحدى مؤسسات النظام يعمل مساءً في مكتبته لبيع القرطاسية مع ممارسته للصيانة البرمجية لأجهزة الكمبيوتر إن اقتضى الأمر، هذا إضافة إلى أن زوجته الموظفة سناء ابراهيم تقوم أيضاً بمساعدته، حتى يستطيعوا الإيفاء بمستلزمات واحتياجات أطفالهم الثلاثة،  سمير يعترف أنه لم يكن يصدق أن الأحوال ستسوء إلى هذه الدرجة .. “كان لابد لي أن أهاجر، فنحن نعمل صباح مساء دون أن نتمكن من تأمين حاجات عائلتنا”  و يرى أن الموضوع لم يعد متعلقا بالجوانب الاقتصادية فحسب بل “إن مستقبل الأطفال في ظل استمرار الحرب يبقى مهدداً”.

1

جدول يبين آراء المبحوثين من المهاجرين حول أسباب الهجرة (تبني ثورة)

 

 

سلمان خليل  بدوره يجد أنه من الطبيعي”أن الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي في هذه المناطق، ساهم كذلك في دفع المواطنين نحو الهجرة”.

بينما سيهانوك ديبو يقدر أن ” نسبة قليلة هجرت وغادرت بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، ويلاحظ بأن هذه النسبة كانت تعيش أساساً بعيدة عن روج آفا في المدن السورية؛ بسبب سياسات سلطة البعث الاستبدادية على الكرد وتهميش مناطقهم وإفقارها ”

طريق الخلاص مشياً حتى أوربا

(ن – ش) يعمل في  مجال تهريب الأشخاص عبر الحدود التركية السورية منذ أربع سنوات، يعزو السبب الرئيسي لتدفق المهاجرين هذا، “هو فتح طريق برية  تكلّف فقط ما بين 2000 و 2500 دولار، في حين كانت الهجرة قبل ذلك تكلف الشاب ما يقارب الـ10 أو الـ 11 الف دولار”.

ويؤكد ( ن – ش) أن هذا التدفق الذي شهدته أوربا كان وراءه هذا الطريق المنخفض التكاليف بحسب رأيه.

وبالمقارنة مع احصائيات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نجد أن الأشهر الأخيرة شهدت هجرة تساوي حجم الهجرة خلال سنوات سابقة، حيث وصل عبر البحر فقط إلى أوربا مرورا باليونان ما يقارب 620 ألف مهاجر والعدد في تزايد بشكل يومي.

وبحسب ( ن، ش) فأن الرواية التي يتم تداولها بخصوص هذه الطريق ومن كان له السبق في اكتشافه، يؤكد (ن،ش) أن الفضل فيه يرجع إلى مهاجرين سوريين اضطروا تحت ضغط الفقر وعدم توفر ثمن طرق التهريب، الاعتماد على الخرائط لقطع ألاف الأميال وصولاً إلى أوربا مشياً على الأقدام.

 

هل من حلول؟

 يبدو من الصعب في ظل تداخل مختلف الأسباب الاقتصادية والسياسية والأمنية بل والاجتماعية أيضاً توقع إيجاد حل لهذه الظاهرة المستفحلة، بحسب ما يراه قسم من المعنيين بالظاهرة

الكاتب السياسي سلمان خليل يقول في ذلك “متى ما تم معالجة الأسباب المؤدية إلى الهجرة، حينها يمكن القول بأن الهجرة ستتراجع إلى حدودها الدنيا، و دون إيجاد حلول سياسية و توافق بين الأطراف الموجودة على لأرض سيكون من الصعب أن تتراجع الهجرة”.

4

جدول يبين آراء المبحوثين حول ما قد يدعوهم للعودة إلى بلادهم (تبني ثورة)

 

 

على العكس مما سبق يجد عضو مكتب العلاقات العامة ومستشار الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي، سيهانوك ديبو أن “الحل الكلي بسيط وموجود،  وهو الاعتماد على الامكانات المحلية بعد الاقتناع بأننا نعيش حالة ثورة وحالة بناء وحالة تغيير”.

ويضيف ديبو “من الطبيعي أن يكون أمام كل هذا ثمن ومقابل؛ فكل الدول العظيمة التي نراها اليوم مرت بظروف تشبه ظروفنا وأكثر: إسبانيا؛ روسيا؛ ألمانيا؛ اليابان؛ فيتنام…الخ. لا يمكن نيل الحلم دون تضحيات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة