هشام سراج الدين

تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) موجة نزوح وهجرة غير مسبوقتين، مما ينذر بخلو “دولة الخلافة” من الشعب، وخاصة الشباب، وقد أقلقت هذه الظاهرة التنظيم وأرقته، ودفعته لاتخاذ سلسلة إجراءات للحد من هذه الظاهرة، أبرزها منع سفر أي مواطن دون أخذ الموافقة الأمنية من الولاية التابع لها، وحضور دورة شرعية قبل السفر، فضلاً عن قيامه بمصادرة أملاك كثير ممن هاجروا. يقول محمد (طبيب من #الميادين بريف #دير_الزور): “تحمل الشعب زمن الجيش الحر قصف النظام، وتمسك بالأرض، أما الآن فلم يعد هناك إمكانية للبقاء، فسياسات التنظيم وممارساته الجهنمية جعلت صبر الناس ينفد.. لم يعد بإمكان معظم الناس تحمل آثار القصف، وممارسات التنظيم على الأرض”.

 

ولم يتدارك التنظيم نفسه إلا مؤخراً فمعظم النخب العلمية، وشريحة الشباب لم يعد لها وجود في مناطق التنظيم، فيندر الآن أن تجد طبيباً مختصاً، يقول أبو وائل من #القورية “لم يبق أحد من أولادي الشباب، فقد طلبت منهم السفر جميعاً، فأنا أخشى أن يعلن التنظيم النفير العام، ويجندهم”، وهذا سبب رئيس لهجرة الكثير من الشبان.

هجرة النخب

برزت هجرة النخب العلمية منذ اليوم الأول لسيطرة التنظيم، إذ وعت هذه الشريحة منذ البداية صعوبة الحياة في ظل التنظيم، فقد ضيق داعش عليهم كثيراً، ولاحقهم على الصغيرة قبل الكبيرة، يقول الطبيب محمد: “ربما أكون آخر المهاجرين فمعظم زملائي سافروا منذ العام الماضي، فهل يعقل دخول دوريات الحسبة للعيادات والمشافي؟” هذه الممارسات وغيرها دفعت الأطباء وغيرهم للهجرة.

وعَقِبَ ذلك هجرة كل حملة الشهادات العليا، والحريصين على تعليم أبنائهم من القادرين على الهجرة، ولاسيما بعد إغلاق التنظيم لكافة المدارس الحكومية والخاصة، يقول محمد (عامل كهرباء من الميادين): “لم يدع التنظيم لنا خياراً، إما الانضمام له أو التعرض للمضايقات، ولعل أعظمها حرمان أبنائنا من التعليم، فقد افتتح مدارسه الخاصة به.. أما أبناؤنا فيريد منهم أن يكونوا وقوده التكفيري، ومقاتلي دولته المزعومة”.

ولا يغيب العامل الاقتصادي فقد ضيق التنظيم سبل العيش على الناس، وخاصة الشباب، ولاسيما إذا علمنا أنَّ المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تتصف بالفقر قبل الثورة السورية، فكيف الحال الآن وقد سدت السبل وأغلقت المصانع والشركات، وكسدت الأسواق، يقول فيصل من الرقة: “يملك والدي محلاً في مركز المدينة، لكنه أغلقه فلا يمكن العمل تحت القصف، وخاصة أنّ وتيرته زادت مؤخراً”.

ويتصدر الهاجس الأمني طليعة المحفزات للهجرة، فأنت لا تأمن على نفسك، يقول لؤي مقاتل سابق بالجيش الحر: “لا يمر عليّ يوم دون كوابيس رغم توقيعي على استتابة وخضوعي لدورة شرعية، فقد قام التنظيم بتصفية كثير من زملائي، وكنت أشعر دائماً أنَّ دوري غداً، فقررت الهجرة، وهذا كان حال أغلب الثوار سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، إسلاميين أو غير إسلاميين دون تمييز”.

ويعد الخوف من المجهول عاملاً معززاً لكل ما سبق، فالحياة في مناطق التنظيم بلا مستقبل، يقول الأستاذ حسين من منبج: “لا مستقبل لأولادك سوى أن يكونوا مشروع مقاتلين.. وإذا سَلِمْت من التنظيم فإنَّك لن تسلم من طيران التحالف والطيران الروسي وطيران النظام ناهيك عن القوات الكرديّة، رأينا ما حصل بصرين وتل أبيض، ونرى ما يحدث في عين العرب.. إذ يؤمن الجميع أنَّ الخراب سيحل حيثما يحل التنظيم.”.

وانعكست إجراءات التنظيم بمنع السفر سلباً على المواطنين ليس الراغبين بالهجرة فحسب بل الجميع، يقول حسين: “كنت محظوظاً إذ استطعت الهجرة وترتيب أموري قبل القرار الأخير، وبعت كل ما أملك شكلياً لأصدقائي حتى لا يصادر أملاكي التنظيم”، أمّا أبو رياض فلم يستطع حتى الآن الحصول على موافقة لعلاج ابنه المصاب بتورم كبدي، ويقول.. “أراجع الحسبة منذ أسبوع، وفي كل مرة يقولون لي تعال بعد يومين”، ولم يكن أبو عبدو النازح من كفر حمرة بأحسن حالاً فيقول  “أيعقل أن أنتظر الموافقة من أجل إحضار مستلزمات ورشة الخياطة.. جئت لمنبج على عجل وتركت معظم ورشتي هناك”.

ورغم ذلك ما زال هاجس الهجرة أملاً وطموحاً للجميع، يقول الناشط  المدني سارية الجبل “مساجد الميادين تغص بالشباب لحضور دورات شرعية قبل السفر، وعددهم بالمئات، وعليك إعادة الدورة الشرعية إذا لم تسافر خلال ثلاثة أيام بعد أخذ إذن السفر”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.