كريس ويبل، ذا دايلي بيست، 24 تشرين الثاني / نوفمبر 2015

ترجمة موقع الحل السوري

 

جاء في شريط الفيديو المروّع الذي ظهر من قبل #داعش، بالكاد بعد أسبوع من المجزرة الدامية في #باريس: “نقدّم للرئيس فرانسوا #أولاند والناس من حوله بشرى طيبة _ كما نقدّم للرئيس #أوباما أخباراً جيدة .. إن شاء الله، سوف نقوم بحرقهم بالأحزمة المتفجرة والسيارات المفخخة”.

في وكالة الاستخبارات المركزية، لا أحد يتوهم بأن تهديد داعش بشن المزيد من الهجمات على #أوربا أو حتى على أرض الولايات المتحدة الأمريكية هو مجرد تهديد. يقول كوفر بلاك _ وهو الرئيس السابق لمركز مكافحة الإرهاب _ عن اعتداء باريس: “إن الهجوم المفاجئ على باريس ووجود العديد من الأطراف المتنقّلة، هو أخبار سيئة بالنسبة لنا “، “أواجه هذا الموقف عندما أتعامل مع رجال سيئين.. لقد أخبرني جون ماكلولين مؤخراً، وهو نائب مدير سابق منذ فترة طويلة: معظمهم سوف يقومون بتنفيذ ما قالوا أنهم سيفعلونه، أو حتى محاولة تنفيذه ما قالوه. إن هدف داعش هو أن تدعم ما تسميه خلافة. ولكن ما لم يؤيد الخارج ذلك، فإنهم سوف يأتون إلى هنا. سوف يأتون إلى هنا. قولهم أننا لسنا في وجه المدفع، يذكرني بما حصل في 11 سبتمبر / أيلول، حيث واجهت الـ CIA  ما يمكنني تسميته مناخ الكفر”.

إذا كان البيت الأبيض لأوباما يعتقد _ قبل هجمات باريس _ أن تهديد داعش كان “وارداً”، فإنها ليست المرة الأولى التي يخفي قادة الولايات المتحدة الأمريكية رؤوسهم في الرمل. قبل فترة وجيزة، كانت الأجندة اليومية على طاولة الرئيس تتضمن: “بن لادن مصمم على ضرب الولايات المتحدة الأمريكية”، كلّ من الرئيسين بوش وكلينتون تلقّوا تحذيرات متكررة ومتعجّلة من مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA (جورج تينيت) مفادها أن الهجوم كان قادماً. لقد شرحت بالتفصيل التحذيرات التي ذهبت أدراج الرياح دون تلقيها الأهمية في مادة نشرت في صحيفة Politico بتاريخ 12 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، نتج عنها أخبار أحدثت صدى حول العالم. خلال الشهور الثمانية الماضية، وفي أكثر من ثمانمئة ساعة من المقابلات، نظرائي جولز وجيديون ناوديت وأنا، كنا قد تحدثنا مع تينيت ومندوبيه، والأحد عشر مدير سابق من الـ CIA  في البرنامج الوثائقي الذي من المقرر أن يُبث يوم 28 تشرين الثاني / نوفمبر على قناة الـ شو تايم.

لقد حذّر كوفير بلاك منذ اللحظة الأولى التي أصبح فيها رئيساً لمركز مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأمريكية عام الـ 1999، حذّر البيت الأبيض برئاسة كلينتون حينها من تهديدات تنظيم القاعدة. بلاك _ المشارك الأسطوري السابق الذي ساعد المخابرات الفرنسية بإلقاء القبض على الإرهابي سيئ السمعة كارلوس ذا جاكال _ كان قد تلقى تحذيراً بمؤامرة ناشئة في يومه الأول في مهنته. “لم يرف لي رمش. لكنني صدمت”، قال مستذكراً.. “هذه كانت موجة من التهديدات التي هلّت على الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن لدي أدنى شك بأن الولايات المتحدة كانت سوف تتلقى ضربات قاسية. كان الكثير من الأمريكيين في طريقهم إلى الموت”.

وبناءً على طلب ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي لكلينتون، قام جورج تينت مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية برسم خطّة سمّاها “ورقة السماء الزرقاء”.. قال بيرغر: “أريدك أن تتخيل امتلاكك لكل السلطات والمصادر التي تحتاجها للحد من تنظيم القاعدة. ماذا سوف تفعل حينها؟” ردّ عليه تينت بخطة تدعو الـ  CIA  إلى الهجوم على القاعدة _  “الدخول إلى الحرم الأفغاني، وشن عملية شبه عسكرية. نحن نعرف تماماً ماذا سوف نفعل. لقد كنا مستعدين للقيام بذلك”. لكن وضعت الخطّة على الرف. لاحقاً، وفي ربيع عام الـ 2011، قال تينت إنه قدّم خطة شبه عسكرية مماثلة لإدارة بوش الجديدة، وجاء الرد “لا نريد لساعة الصفر أن تنطلق “ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟” قلتُ موجهاً سؤالي لـ تينت. “أنهم لم يكونوا مستعدين” أجاب، وأضاف: “لدراسة الخيارات المتاحة أمامهم فيما يتعلق بالإرهاب”.

الحكمة من تلك التحذيرات بلغت ذروتها في 10 تموز / يوليو 2001. دعا تينت لاجتماع في البيت الأبيض مع مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايز وفريقها. (كان جورج بوش الابن في رحلة إلى #بوسطن).. قال رئيس وحدة القاعدة ريتشارد بلي: “سوف يكون هناك هجمات إرهابية مهمة خلال الأسابيع أو الأِشهر القادمة  ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية. الهجمات سوف تكون مدهشة. ويمكن أن تكون متعددة. نيّة تنظيم القاعدة هو تدمير الولايات المتحدة..”، ضرب بلاك بقبضته على الطاولة وقال “نحتاج أن نخطو إلى زمن الحرب الآن!” سألتُ كوفير بلاك… “نعم. وماذا حصل؟” أجاب: “بالنسبة لي ما تزال التطورات مبهمة، كيف يمكن أن تقوم بتحذير شخصيات كبيرة عدة مرات ولا شيء واقعياً يحدث؟ إنها أشبه بنوع من منطقة الانتقال”.

بالنسبة لقادة المخابرات المركزية الأمريكية، فإن أحد أكثر الجوانب التي تقشعر لها الأبدان بالنسبة لهجمات باريس الأسبوع الماضي هو على عكس أحداث 11 سبتمبر / أيلول، فإنها جاءت من دون سابق إنذار. تعتبر مديرية #فرنسا للأمن القومي ( DST )  إحدى وكالات الاستخبارات النخبة في العالم وعلى نحو واسع، وحصّنت بعقود من الخبرة بالتعامل مع الإرهاب المتوالد في #الجزائر، الحقيقة أنه بشكل كلي وعلى حين غرة تحدثت كثيراً عن قدرة #داعش النافذة على المرور دون أن تُكشف. “أظهرت داعش تفوقها على الأمن التنفيذي حيث أنهم تمكنوا من أن يطلقوا عدة عمليات وبطريقة منسقة ولم يكن لدى الفرنسيين أدنى فكرة عنها”، وقال بلاك الذي عمل مباشرة مع نظرائه الباريسيين: “باريس جديرة بالذكر، لأنه لم يكن هناك أي تحذيرات من قبل أن يُقتل هؤلاء الأشخاص. يدل كل ذلك على وجود مشكلة كبيرة في فرنسا مع المهاجرين الغاضبين وغير المندمجين بالمجتمع هناك، بالإضافة إلى فيض المهاجرين الجدد الأخير مع الإرهابيين. لقد فشلت المخابرات الأوربية”.

ما هي الدروس التي اكتسبها الفرنسيون من أحداث 11 سبتمبر / أيلول؟ نتائج كلا المسألتين نتجتا عن الخطأ في التقدير: التقليل من خطر الوجود الإرهابي.. من مضي خمسة عشر عاماً كانت القاعدة في #أفغانستان، اليوم أصبحت داعش في #سوريا و #العراق. “الدرس الذي تعلمناه جميعنا”، قال تينت، “عندما تعطي الإرهابي فرصة الوصول إلى الحرم دون عوائق، عندما لا تعرقلهم، عندما لا تمسكهم من أقدامهم وترميهم وعندما يُسمح لهم القيام بأفعالهم بدون الخوف من العقاب، عاجلاً أم آجلاً، سوف تدفع الثمن”.

إلى أي مدى سوف تذهب فرنسا الآن  _ كيف ستكون كلمات الرئيس فرانسوا أولاند “قاسية” _ لتمنع هجوماً آخراً من الوقوع؟ إنه السؤال الذي يذهب إلى صلب كيفية تعريف البلد لنفسه. هناك دروس لنتعلمها هنا من الرد الأميركي على هجمات 11 أيلول / سبتمبر. يقول ليون بانيتا، المدير الأول لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA في عهد الرئيس أوباما: “كيف نتأكد من أننا لم نباغت في خوفنا من العدو الذي ابتعدنا من أجله عن المبادئ والمعايير التي تمثل بلادنا؟ ليس هناك إجابة سهلة على ذلك”.

ما هو مقبول في “الحرب” المعلنة حديثاً من قبل فرنسا ضد داعش؟ القبض على المسلمين؟ تساءل بانيتّا : “عندما اعتُقل اليابانيون الأمريكيون كنتيجة لما حصل في بيرال هاربور، انتهك كل ذلك ما كان البلد عليه، وبعدة طرق، فإن هذا ما حصل بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر.. “تشير بانيتا إلى ما تسميه إدارة بوش تقنية الاستجواب المعززة _ التي سماها بعض مدراء الـ CIA  بالتعذيب _ ( والتي وعد المرشح الرئاسي دونالد ترومب بإعادتها في صورة الإغراق الوهمي للمحتجزين بالماء) . يقول ستانسفيلد تورنر، بعمر الـ 91 الآن، وهو مدير سابق في الـ CIA  في عهد الرئيس الأمريكي جيمي #كارتر: “أنا لا أعتقد أن بلد مثل بلدنا يجب أن يتلقى اللوم من إجراءات التعذيب، أعتقد أنه تحت مستوى كرامتنا. أعتقد أنه قليل من أجل سمعتنا ومن أجل العالم”.

هل سوف تلجأ فرنسا الآن إلى تعزيز عمليات الاستجواب لانتزاع معلومات استخباراتية حول المؤامرات الوشيكة؟ الاعتقال إلى أجل غير مسمى؟ “ينبغي على أحدهم النهوض وأن يكون لديه رغبة بقول هذا ليس ما عهدنا بلدنا عليه”، قال بانيتا، وأضاف: “نعم، نحن نواجه عدوٍ فظيع، شخص لا يهتم بمن يُقتل، لكن الولايات المتحدة أفضل من ذلك”. هل سوف تصبح فرنسا أفضل من ذلك؟ أنا حقاً لا أجد الإرهاب والإرهابيين يشكلون تهديداً للأمن القومي “يقول المحلل الكبير في مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جينا بينيت “بالنسبة لي، أمننا يهدد فقط من قبلنا _ إذا اخترنا تغيير المسار وأصبحنا شيئاً لسنا عليه”.

إن نقل المعركة ضد داعش إلى سوريا سوف يشكل معضلات للقيادة الفرنسية أيضاً. ماذا لو كان الإرهابي _ الذي هو أيضاً مواطن فرنسي _ في مرمى الضربات الجوية فوق سوريا؟ هل سوف تقرر فرنسا بأن مثل هذا الإرهابي يجب أن ينفذ من الجو بدون عملية قضائية؟ هذه هي المعضلة التي واجهتها الـ CIA عندما تعقّبت رجل الدين الجهادي أميركي الجنسية أنور الحولقي، في صحراء اليمن “كنت أسأل الناس، بماذا كنا مهتمين بشأن الحولقي؟” قالها ويليم ويبستر، 91 عاماً، وهو مدير سابق والوحيد الذي قام بإدارة الـ FBI . وقال أحدهم، “حسناً، إنه على القائمة”، قلتُ “ما هي هذه القائمة؟ “قالوا: حسناً، “قائمة الوداع”.

قائمة الوداع _ المعروفة أكثر بـ “قائمة الموت” _ هي قائمة الإرهابيين التي أشارت إليها الحكومة لتنفيذ حكم الإعدام بهم. في 30 أيلول / سبتمبر عام 2011، أطلقت طائرة بدون طيار تابعة لـ CIA  ومقرها نيفادا، صواريخ على الحولقي في اليمن، أسفرت عن مقتله ومقتل إرهابي آخر. وهذه هي المرة الأولى التي يُقتل فيها مواطن أمريكي بدون توجيه اتهام له أو محاكمته أو حتى إصدار حكماً بحقه، منذ الحرب الأهلية. وأثار مقتل الحولقي نقاشاً حساساً مستمراً حتى الآن بين مدراء الـ CIA  . “إن سابقة كون الرئيس الأمريكي قادراً على قتل مواطن أمريكي تحت أي ظرف، وبمجرد توقيعه على الموافقة، أمر خطير”، قال روبيرت غاتس، مدير سابق في الـ CIA ووزير الدفاع “هذا كان مواطناً أمريكياً وقضي عليه في النهاية”، أضاف ويبستر، وهو قاضي اتحادي سابق، “لكنه ليس أمراً ينبغي أن يُترك قراره لشخص واحد، بغض النظر عن من هو هذا الشخص”، يجادل بانيتا بأن الأوقات العصيبة تتطلب تكتيكات قاسية. “كان هناك نازيين، وكانوا مواطنين أمريكيين”، وأضاف.. “هل هذا يجعل منهم أعداء أقل؟ هناك إرهابيين وهم مواطنين أمريكيين. هل ذلك يجعل منهم بطريقة ما أعداء أقل؟ ”

بالنسبة للأوربيين، ربما الدرس الأكثر رزانة من أحداث 11 أيلول / سبتمبر هو فقط كم من الأمور القليلة التي يمكن لوكالتهم الاستخباراتية القيام به في مواجهة العدو عديم الرحمة _ مع حدودٍ مفتوحة، ومهاجرون لا يمكن استيعابهم، والأسباب لكامنة وراء الإرهاب عالقة بدون حل. وقال جون برينان، المدير الحالي لـ CIA   : ” سوف لن نرى نهاية للإرهاب في حياتنا أو حتى في حياة أطفالنا “، وأضاف: ” سوف لن تنتهي. فقط سوف نستمر بالعمل على الحد من قدرة هؤلاء الأفراد على تنفيذ العمليات الإرهابية. هذا ما تحاول الاستخبارات حقاً القيام به. نحن نحاول منح الوقت والمجال لصناع السياسة ولدبلوماسيينا لحل هذه القضايا العالقة في العالم. “، ويضيف المدير السابق مايكل هايدن: “الحقيقة هي أن الاستخبارات أو العمل المباشر يتيح لك المجال فقط. ونادراً ما يحل المشكلة من تلقاء نفسها. وإذا لم يكن لدى القادة السياسيين المال الكافي أو الشجاعة أو ما شابه ذلك لاستخدامه في المجال، سوف تصل إلى الاستمرار بقتل الناس إلى الأبد”.

كريس ويبل هو الكاتب والمنتج التنفيذي للبرنامج الوثائقي The Spymasters، الـ CIA  في المرمى، يبث يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر في الساعة التاسعة على قناة الـ شو تايم. وهو يكتب كتاب التاج على رؤوس رؤساء أركان البيت الأبيض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.