ماجد نوّاز، دايلي بيست، 1  كانون الأول 2015

كيف خدعت داعش الغرب

سوف يصوّت البرلمان هذا الأسبوع بشأن انضمامه إلى التحالف لمهاجمة #داعش في #الرقة وما حولها أو لا. نستعرض هنا الأسباب التي تستدعي التصويت بنعم.

ترجمة موقع الحل السوري

 

لندن _  لقد بدأت بأزمة لاجئ، زعزعت صورٌ لأطفال قتلى قذفهم البحر إلى الشاطئ  الاتهامات الجديدة لمعتزلي المجتمع الدولي.

لكنها كانت الهجمات الجهادية في #باريس، التي وقعت يوم الجمعة المصادف لـ 13 من شهر تشرين الثاني، هي التي وحّدت السياسيين من مختلف الانتماءات. قِلّة تعتقد الآن أن ما يحدث في #الرقة، تبقى نتائجه محصورة في الرقة.

طلب الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا #أولاند من رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد #كاميرون أن يقدم له يد العون في قصف داعش في #سوريا. وقد أيد الأسبوع الماضي رئيس الوزراء البريطاني قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي ترعاه #فرنسا، حيث تدعم تلك الضربات الجوية. ويستعد كاميرون الآن لطرح التصويت على البرلمان في المملكة، ربما يحدث ذلك هذا الأربعاء. السياسة الخارجية التي يقودها الرئيس أوباما والتي تصرح بأن “لن نسمع بأي شر، ولن نتحدث عن أي شر، ولن نرى أي شر ” سوف تلاشى في نهاية المطاف.

بالرغم من هذا التحوّل الذي حصل في لحظة، فإن الرئيس باراك #أوباما وفي خطابه G 20  الذي أطلقه مباشرة بعد هجمات باريس، أوضح أنه لن يتزحزح عن سياسته الحالية في سوريا. يعتقد _ على ما يبدو _ أن سياسته ما تزال فاعلة. وطالما أن 48 % الآن يؤيدون الضربات الجوية،  وهم تقريباً غالبية الشعب البريطاني، و22 % ما يزالون مترددين، كما أنه ما تزال أصوات التأييد لـ كاميرون في البرلمان قليلة. وأيضاً ما يزال معارضه اليساري المتطرف، جيرمي كوربين زعيم حزب العمال، يعارض بحزم أي نوع من هذه الضربات.

إن هيئة المحلفين مخطئة بشأن أن أي من أعضاء حزب العمال المعتدلين في البرلمان سوف يصوتون لصالح كاميرون.

هنا الأسباب التي تستوجب عليهم التصويت، وبتدويني لها هنا، أناشدهم بشكل مباشر.

منذ أكثر من عشرة أعوام، توقّع أسامة بن لادن _ الأب المؤسس الراحل لهذا التمرد الجهادي العالمي _ الركود السياسي القادم في الغرب.

رؤية العالم لـ بن لادن لم تكن تحمل تنبؤات بأي تعلّق بالوحشية العشوائية، إنما شيء أشبه بالمحسوبية الاجتماعية. فقد قسّم أعدائه بين ” العدوّ القريب ” و ” العدوّ البعيد “. توضّح قراره بعولمة ” جهاده ” من خلال اعتقاده بأنه لا يمكن الإطاحة بالحكام العرب _ هدفه الحقيقي _ الذين يمثلون ” العدو القريب ” ما لم يتخلى عنهم مناصريهم الغربيون، والذين يمثلون ” العدو البعيد “.

ولإنجاز هذا، يحتاج ” الغرب” أن يشعر بثمن دعمه للحكام العرب في العبارات الوحيدة التي استُنتجت: “أكياس الجثث”. وعندما بدأت تتصاعد المصائب، استمتع بن لادن بخداع أمريكا الكارثي في #العراق، ذلك في عهد جورج بوش الابن. اعتقد بن لادن أن هذا الخداع من شأنه حث المسلمين على الانتفاض بشكل جماعي والانضمام إلى ” جهاده ” ما يجعل من المستحيل على المجتمع الدولي الحفاظ على أي وجود له في الشرق الأوسط. إن هذه المعركة تسببت بإرهاق دولي من الحرب، وأدت إلى انسحاب وتخلي الغرب عن حلفائها العرب.

في الحقيقة، إن رؤية بن لادن للشرق الأوسط والتي تخلى عنها المجتمع الدولي قد حدثت فعلاً. ويرجع سبب ذلك إلى حد كبير إلى الأخطاء التي ارتُكبت في عهد الرئيس بوش، وإن اليسار محق في الاحتراس من الدروس المستفادة من هذه الحادثة.

على أية حال، أينما هرعت إدارة بوش بتهور مباشر إلى فخ الجهاد، فإن المجتمع الدولي الآن يمشي نحو الكارثة دون إدراك. بقي العالم بطيء في الاستجابة لداعش مع قيادة أوباما. ولكن، ومجدداً، هذا بالضبط ما أراده بن لادن أن يحدث. ويعتقد بن لادن أنه كلما انسحب الغرب ” العدو البعيد ” منهكاً، كلما ستخلو الساحة للحكام العرب ” العدو القريب ” لدرء الانتفاضة الجهادية التي قام بحثّها. سيكون الحكام العرب غير عاجزين عن إيقافها. وعندما يطاح بهم، يمكن أن تُعلن الخلافة في أعقابهم، حيث سيسود الإسلام.

كانت وفاة بن لادن تشكل العقبة الوحيدة في استراتيجيته، انفصلت داعش عن تنظيم القاعدة، واغتصبت وحدتهم وأعلنوا ” الخلافة ” بشكل خاص بهم. وبخلاف ذلك، فقد تنبأ بن لادن تقريباً بما حدث خلال السنوات الـ 15 الماضية. وفي كل مرة، أدينا دورنا _ نحن في المجتمع الدولي _ بلطف في هذه الاستراتيجية الكبيرة. أسأنا _  في كل مرة _ بفهم عدونا، واستهنّا به.

لا يمكن أن يكون هناك مصطلح أكبر من ” وحي القاعدة المتطرف ” الذي أطلقته وزارة الخارجية لوصف المشكلة. لا، لم توحي القاعدة للتطرف، إنما الإسلام المتطرف ألهم القاعدة، ومن بعدها داعش، وسوف يستمر في إلهام الآخرين.

يواجه العالم تمرداً جهادياً عالمياً، يعمل على إستراتيجية خارجية تنفيذية مدروسة بشكل جيد، تغذّى بإيديولوجية إسلامية ما تزال جاذبة بشكل كافٍ بين المسلمين. إن قصف داعش في الرقة لوحدها لن يعمل على حل المشكلة. ربما تضعف الضربات الجوية في الرقة من قدرة داعش التنفيذية، لكن لا يمكن أن تهزم مناشديها. ما هو مطلوب الآن هو استراتيجية عالمية شاملة لمكافحة التطرف. لكن لا يجب أن تستثني هذه الاستراتيجية الشاملة عمليات القصف. ولهذا السبب ينبغي على البرلمان البريطاني أن يجيز استخدام القوة العسكرية في الرقة، والمصادق عليها من قبل الأمم المتحدة.

إلى جانب الضربات الجوية، لقد حان الوقت لوضع جدول الأعمال ذات الدوافع السياسية لتهميش الأكراد جانباً. نعم.. هذا الأمر سوف يضايق حلفائنا الأتراك والنظام العراقي، لكن وحتى الآن، فقد أثبت الأكراد أنفسهم مراراً وتكراراً _ في شمال العراق وكوباني وجبل سنجار _ أنهم القوة المقاتلة الوحيدة الفاعلة على الأرض في مواجهة داعش. يمكن أن تصعد الدولة الكردية _ إذا ما أتيحت لها الفرصة _ لتصبح الدولة الوحيدة العلمانية والديمقراطية ذات الغالبية المسلمة في الشرق الأوسط. وهذا من شأنه أن يكون مثالاً يحتذى به، ويمكن أن يستمر ليصبح شعلةً في المنطقة. لا عذر لدبلوماسيينا في إهمالهم إمكانيات هذا التقدم _حتى الآن.

يجب أن تكون الضربات الجوية مدعومة من قبل قوة دولية على الأرض _أيضاً. يمكن أن تكون هذه القوات تمثل بضعة آلاف، وليس عشرات الآلاف، وأن يكون في مقدمتهم العرب السنة. ويجب أن يكون هؤلاء العرب السنة مدعومين من قبل فرقة دولية من القوات الخاصة وهيئة دعم دولية. الهدف منها هو الإطاحة بداعش من عاصمتيها، الموصل والرقة.

ويمكن أن يناشد أعضاء الناتو تطبيق المادة الخامسة وطريقة “الدفاع الجماعي” لضمان مشاركة تركيا _ التي ينبغي أن تُدعى لتشكل جزء من هذا التحالف الدولي الناشئ . بالمقابل، يجب أيضاً الضغط على الأتراك للقبول بالأكراد، والتراجع عن الرؤية العثمانية للرئيس رجب طيب #أردوغان وتملقه للإسلاميين في المنطقة. يمكن للقوات البرية السنية أن تكون قادرة على تأسيس منطقة آمنة داخل سوريا، وبالتالي توفر ملجأ للسوريين، وتوقف تدفق اللاجئين _ الذي لم يعد بالإمكان السيطرة عليه _ إلى أوربا عن طريق تركيا، وفي ذات الوقت توفر منطقة يمكن فيها تدريب وإعادة تجهيز المقاتلين العرب السنة.

وإلى ما وراء داعش، يبقى السؤال ما العمل مع #الأسد في سوريا المستمر. كجزء من اتفاق مع روسيا وإيران، فإنه ينبغي الحفاظ على سلامة النظام السوري لتفادي الهاوية التي ابتلعت العراق ما بعد صدام. ولكن، وببساطة، يجب أن يرحل الأسد. سوف لن يكون هناك سلام ما دام الأسد باقٍ في الحكم. وبالمثل، يجب على المجتمع الدولي بالتزامن الإشراف على نزع السلاح نهائياً من جميع الميليشيات كجزء من أي اتفاق سلام، والذي من شأنه ضمهم إلى الاتحاد السوري الجديد. ففي ليبيا، يمكن للميليشيات المسلحة أن تدمر أي سلام هش في رمشة عين.

لا يمكن مطلقاً أن تنجح استراتيجية سوريا والعراق من استراتيجية إقليمية. ما يزال لدى داعش دعم قوي في ليبيا، ويمكن أن تتراجع هناك. ويجب حث السيسي في #مصر على العمل مع الحكومة الليبية الانتقالية نحو الهدف المشترك ضد داعش، في حين العمل على تحرير واستيعاب معارضتهم الخاصة.

ولكن لن يكون أياً من هذا فاعلاً في أي مكان ما لم يتم دعم المجتمع المدني العربي في تحدي نداء الإسلامية على مستوى القاعدة الشعبية. داعش هي مجرد إحدى مظاهر التمرد الجهادي العالمي، والتي بدورها تشكل مجرد تشنج عنيف للإسلام والذي يترسخ في المنطقة. لا يمكن لأي تمرد أن يستمر كل هذا الوقت بدون وجود دعمٍ كافٍ وهام على الأرض. وهذا هو الدعم الذي يجب أن يتم استنزافه. مقاومة الإسلام والإصلاحات الديمقراطية في الشارع العربي هي السبل الوحيدة للمضي قدماً. البديل للحكومة الإسلامية لا يمكن أن يكون أكثر من نظام ملكي عربي.

إذا كان لدى الرئيس أوباما استراتيجية خاصة به، فإنه من الأفضل أن تبدو قليلاً مثل ما ورد ذكره. التحول نحو التدخل المفرط يمكن أن يكون ضاراً. وعدم القيام بأي شيء يمكن أيضاً أن يعني السماح لحدوث شيء فظيع لنا، من قبل الآخرين. لذلك يقيم البابا قداساً لأننا نجد أنفسنا في الحرب العالمية الثالثة.

قد تبدو الحاجة إلى استراتيجية وكأنها نزاع علمي، ولكن علمياً فقداننا لهذه الاستراتيجية يعني فقدان المبادرة والسماح  لأعدائنا _ الجهاديين في هذه الحالة _ باغتنام المبادرة. أضف إلى ذلك أن القدرة التكتيكية لضرب داعش في العاصمة الرقة سوف لن تقلل من خياراتنا، إنما تقويها فقط. ولوضع استراتيجية ينبغي أن نطور رؤيتنا الخاصة للمنطقة، والعمل على تحقق ذلك من الناحية التكتيكية. وفي كل مرة نتخلى فيها عن إحدى هذه المتطلبات، فإننا نقوم بالضبط بما يريده الجهاديين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.