سارة العمر

يتركز ما تبقى من أملاك اليهود في مدينة #حلب حتى اليوم في أحيائها القديمة، وتشمل أملاكهم البيوت السكنية والمحال التجارية. في حي الجميلية الذي يقع وسط مدينة حلب في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري، ولاتزال العديد من العقارات السكنية والتجارية مسجلة بأسماء سوريين يهود في السجلات العقارية، يقول أبو عمار (٥٩عاماً) من حلب إن معظم عقارات اليهود في الجميلية تقع حصراً فيما يعرف اليوم بشارع  اسكندرون وشارع جامع الصديق، مشيراً إلى أن هذه المنطقة كانت معروفة باسم “حارة اليهود”، ويضيف “لايزال أخي وعائلته يقيم في أحد منازل المسجلة باسم اليهود هناك، أعرف بيتين بقرب بيتي جدي من ممتلكات اليهود، أصحابهم مقيمون في #أوروبا اليوم”.

 

بدوره، يشير أبو عبد الله  الذي عمل كدليل عقاري في حلب لأكثر من ٢٥ عاماً إلى أن “معظم الأملاك السكنية التي لاتزال مملوكة من قبل يهود في حلب مؤجرة وتخضع لقوانين الإيجارات القديمة”، ويضيف “يوجد بناء يقع قرب نقابة فناني حلب، تعود ملكية هذا البناء لطبيب يهودي هاجر مع عائلته عام 1994 إلى #كندا، البناء بكامله لايزال مأهولاً بالمستأجرين، والعديد من فواتير الكهرباء تصل بأسماء يهودية وهي أسماء أصحاب هذه العقارات” ويستطرد “يوجد في حي العزيزية بيوت لليهود مؤجرة لعائلات مسيحية”.

أما في الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام، وتبعاً للسجلات العقارية تعود ملكية عدد من العقارات في عدد من الأحياء القديمة المحيطة بقلعة حلب ليهود، كحي القلعة ومحلة البندرة المعابد، إضافة إلى بعض المحال التجارية في باب الحديد. إلا أن مصيرها مجهول كسائر الأبنية والمنازل بسبب عمليات القصف والتدمير التي طالتها طوال السنوات الثلاث الماضية.

في أياد أمنية

تفرض الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في حلب رقابة شديدة على أملاك اليهود في مناطق سيطرة النظام، خاصة البيوت والمحلات غير المؤجرة. والتي بقيت معظمها مهجورة منذ أن هجرها أصحابها، أبرزها القبو القديم الموجود قرب  القصر البلدي، والبناء المنهار جزئياً مقابل صالة معاوية في شارع اسكندرون.

وتتبع هذه الممتلكات اليوم لفرع الأمن العسكري في حلب، والذي يشرف على مراقبتها، يقول أبو عبد الله إن “القاصي والداني في حي الجميلية يدرك مدى خطورة الاقتراب من ممتلكات اليهود غير المأهولة أو الدخول إليها، أو حتى الصعود إلى أسطحتها. حيث يحذر عناصر الأمن سكان الحي من الاقتراب منها، حدث ذات مرة عام ٢٠١٣ أن عائلة من نازحي ريف حلب قررت المبيت في إحدى هذه العقارات فجاء عناصر الفرع في اليوم التالي وطردوا العائلة واقتادوا الأب إلى الفرع”.

في الإطار ذاته يشير أحمد الكيالي وهو أحد سكان الجميلية إلى وجود حملات تفتيش متكررة تقوم بها قوات الأمن في الحي منذ نحو سنتين، وتطلب فيها عقود إيجار من جميع الساكنين، ما يعني استحالة اقتراب أحد من هذه الممتلكات رغم أزمة السكن الخانقة، ويضيف “أذكر جيداً قبل بداية الثورة السورية أن فرع شرطة الجميلية قام بحملة تفتيش كبيرة عام 2009  استهدفت البيوت المسجلة عقارياً بأسماء يهود، للتأكد من قانونية عقود إيجارها. أخلت الشرطة حينها منزلاً يقع خلف جامع الصديق،  لأن سكانه لم يكونوا يملكون عقد إيجار قانوني”.

أجور العقارات

و”يتقاضى بعض اليهود أجور بيوتهم ومحلاتهم التجارية الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من خلال حوالات مالية يقوم المستأجرون بتحويلها إلى محام سوري مقيم في #بيروت منذ عام ٢٠١٢”، وفق ما أكد أحد مستأجري عقارات اليهود  (تحفظ عن ذكر اسمه).

ويوضح المستأجر للحل السوري أن “لدى هذا المحامي وكالات قانونية من قبل أصحاب العقارات ليقوم بتسيير أمور ممتلكاتهم في سوريا”.

مالكون آخرون توقفوا عن المطالبة بإيجارات عقاراتهم كونها إيجارات قديمة وقيمتها قليلة جداً مقابل العملات الأجنبية إلى جانب ارتفاع تكلفة التحويلات المالية وصعوبتها.

كنيس اليهود

يوجد في حي الجميلية اليوم وسط حلب كنيس يهودي كبير، كان مدرسةً ومعبداً يرتاده يهود حلب قبل هجرتهم، يطلق على هذا الكنيس تسميات مختلفة، يسميه العامة اليوم “كنيسة اليهود” أما سكان الحي القدامى فيعرفونه باسم  (كنيس سلويرة).

كنيس الجميلية مغلق اليوم ويخضع لرقابة شديدة من قبل الأمن العسكري، الذي أفرز  دورية مؤلفة من ثلاثة أشخاص لمراقبته  ومنع أي شخص من الاقتراب منه أو الدخول إليه وحتى لصق أي إعلان على جدرانه الخارجية، حسب ما أفاد بعض سكان الحي للحل السوري.

وتحول الكنيس لسلطة الأمن منذ اليوم الذي هجره الحاخام المسؤول عنه عام ١٩٩٢، والمعروف لدى أهالي الجميلية بإسم (أبو موسى).

بقي الكنيس مغلقاً تماماً طوال تلك المدة حتى بداية عام ٢٠١٤، حين اقتحمه  عناصر من جيش الدفاع الوطني التابعين للنظام والمعروفين باسم “الشبيحة”، وقاموا حينها بكسر أقفال المعبد ودخلوا إليه بصحبة عائلاتهم بغية الإقامة فيه، بعد خرجوهم من بيوتهم  في حي الأشرفية والشيخ مقصود إثر سيطرة قوات المعارضة على تلك الأحياء. إلا أن بقاءهم داخل الكنيس لم يدم طويلاً، حيث يروي  همام من حلب “كانت تلك الحادثة إحدى أكبر حوادث التصادم بين قوات الأمن والشبيحة في حلب، إذ تم إخراجهم على الفور، بأمر من رئيس فرع الأمن العسكري الذي جاء إلى الكنيس عقب دخول الشبيحة إليه، كان برفقته بعض الضباط وعدد كبير من العناصر، اقتحموا الكنيس وأخرجوا كل من فيه عنوة تحت ترهيب السلاح”.

يذكر أن العديد من المعابد اليهودية في أحياء حلب القدمية، تعرضت لعمليات هدم واسعة خلال مشروع  باب الفرج 1995. تبعاً لمنشورات لليهود السوريين صموئيل وشيفانا حاييم ولمعلومات أدلى بها عدد من سكان بعض أحياء حلب القديمة، إن غالبية الكنس لم تعد موجودة مع نهاية عام 1995، بسبب مشروع  باب الفرج الذي بدأ عام 1981 وهدم على إثره أجزاء واسعة من الكنس اليهودية التي كانت موجودة في محلة القلعة ككنيس بيت ناس وكنيس مدراش ألبومين، وكنيس الصفراء.
العائلة الأخيرة

مريم الحلبي (٨٠ عاماً) كانت آخر يهودية بقيت في حلب وغادرتها بداية ٢٠١٥ بصحبة أبنتيها غيلدا وسارة وعائلة غيلدا. و”توجهت العائلة  إلى تل أبيب”  وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية، التي نقلت أن “رجل الأعمال اليهودي (موتي كاهانا)  رتب عملية إخراج العائلة اليهودية، بمساعدة أصدقاء له في #سوريا”.

ووفقاً لأرقام المكتبة الافتراضية اليهودية كان عدد اليهود الموجودين في حلب عام 2011  أربع يهوديات، سافرت إحداهن إلى تلت أبيب منتصف عام 2012، فيما فارقت ٢ منهن الحياة، وبقيت مريم الحلبي التي غادت مؤخراً.

وبلغ عدد اليهود المقيمين في حلب خلال القرن التاسع عشر نحو  2500 يهودي، لكن عدداً كبيراً منهم قرروا ترك المدينة بعد حرب 1967، وتوالت بعدها هجرات العائلات اليهودية من المدينة. ويقتصر التواجد اليهودي في سوريا اليوم على بعض المسنين الذين يعيشون  في #دمشق، والذين لا يزيد عددهم عن  16رجلاً وامرأه .

وتشير مراجع تاريخية إلى أن وجود اليهود في سوريا يعود لأيام الملك داود في الألف الثاني قبل الميلاد طبقاً لرواية الكتاب المقدس، وكان حينها وجودهم منحصراً في منطقة (توراتيا) وحسب بعض الباحثين إن هذه المنطقة تقع قرب مدينة حلب، وهناك مجموعة أخرى من اليهود أتت لسوريا واستقرت فيها عقب سقوط الأندلس خلال القرن السادس عشر، ويعرف هؤلاء اليهود باسم (يهود السفارديون).

بدأت هجرة اليهود من سوريا بعد حرب 1967، التي  خلقت وسطاً معادياً لليهود المحليين، بسبب الانتهاكات التي مارستها إسرائيل التي طرحت نفسها ممثلاً عن يهود العالم، وكان اليهود يتبعون طرق غير شرعية للهجرة بسبب القيود التي كانت قد فرضت عليهم من قبل الأنظمة التي توالت في حكم سوريا، إلى أن فُكَتْ عنهم هذه القيوم في عام 1992 وألغي قانون حظر مغادرة اليهود من سوريا، عقب مؤتمر مدريد للسلام، فغادر عدد كبير من اليهود المقيمين في سوريا بطرق شرعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.