أحمد زين الدين – الحل السوري:

بعيداً عن أي رأي سياسي وبالحديث عن الوضع الاقتصادي والتنموي في سوريا، علينا جميعاً ان نتفق على مسألة واحدة غاية في الأهمية ألا وهي “لو قامت سوريا بألف ثورة وربيع عربي، لن تتطور جذرياً”.

الثورة خطوة أولى لإنهاء الإستبداد السياسي الذي جثم على صدر #سوريا نصف قرن، وأن التطور يأتي فقط عن طريق بناء مؤسسة علمية حديثة، وحكومات تقوم على أسس تكنوقراط، تضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

لابد من الرجوع إلى تجارب من قبلنا لإثبات صحة إدعائنا، لذلك نستعرض المثال التالي: إستطاع #الألمان الذين تسببوا بمقتل حوالي 75 مليون إنسان خلال الحرب العالمية الثانية بعد 60 عاماً من بناء قوة سياسية وإقتصادية، وأصبحت ألمانيا قلب أوروبا والقاطرة الاقتصادية لمنطقة #اليورو دون منازع، بل إن إنسحاب الألمان من الإتحاد الأوروبي يعني تلقائيا إنتهاء هذا الإتحاد وسقوط عملته الموحدة، بعد أن كانت تعاني من الإنكسار بسبب إتهامها بالنازية وأنها مدمرة للحضارة الانسانية، تم تقسيمها إلى شطرين غربية وشرقية، تخضعان لنظامين اقتصاديين مختلفين ألمانيا الغربية #رأسمالية تابعة لحلف #الناتو، وألمانيا الشرقية تتبع لحلف وارسو.

التجربة الإقتصادية الألمانية

من أهم الأسس التي قامت عليها التجربة الاقتصادية الألمانية هي زرع القناعة لدى الشعب الألمانى بأنهم من أفضل شعوب الأرض، واستخدام تلك العبارة بالمعنى الإيجابي الصحيح، أي مطلوب منهم تحسين صورتهم وأن يعيدوا اعتراف العالم بهم كبناة حضارة لا كمخربين، ولا نازيين، وقتها كانت تركيبة القوى العاملة (75% نساء و25% رجال)، لأن الرجال إما قتلوا فى #الحرب أو يعاقبون في السجون.

لذلك كان لابد من نشر الوعي الاقتصادي لدى عامة الشعب انطلاقاً من الواقع والامكانات المتوفرة والتي كانت سبباً فى تحقيق التنمية فى ألمانيا، والتي تلخصت بـ:

1- بنوك الإدخار: وهي بنوك لتعبئة المدخرات مهما كان حجمها من المواطنين، وهذه البنوك منتشرة فى كل ربوع ألمانيا، فكيف لشعب فقير خارج من الحرب أن يدخر؟

يعرف الاقتصاديون الإدخار بأنه “الفائض من الدخل بعد الاستهلاك”، وهم (أي الألمان) ليس لديهم فائض لأنهم خارجين من الحرب، إلا أن طبيعة الظروق الصعبة والعيش في ظل الحرب فرضت على الشعب إيجاد نظريات اقتصادية لم تكن موجودة، حيث كان #الألمان يدخرون قيمة السلعة أولاً ثم يشترونها، وعليه يمكن تعريف الإدخار بالنسبة للألمان “بأنه تأجيل إنفاق عاجل الى إنفاق آجل”، وهذا يعكس سلوك أمة راغبة فى البناء وتحقيق النهضة.

2- الوعى المصرفي: أي أن سلوك كل المجتمع الألماني هو إيداع أية مدخرات ولو قليلة فى البنك، ووجد أن 95%من الشعب الألماني له حسابات فى البنك أي أنهم مدخرين، سواء كان ذلك فى المدن أو القرى.

3- ترتيب الأولويات وإعادة بناء الانسان: ظل العلماء الألمان يفاخرون، بأن الحرب دمرت المصانع والبيوت ولكن لم تدمر العقول، وكيف يتم تمويل المشروعات وحجم المدخرات لا تفي بحاجات الخطة وهنا تم وضع “نظام معلومات للأولويات” أي ما هي المشروعات التي تحتل الأولوية الأولى، فإن نظام الأولويات بدأ بالمشروعات التى تحافظ على كرامة وكبرياء المواطن الألمانى كأولوية أولى، كى تحقق له الاسقرار، والأمن الإجتماعي، فبدأت الخطة بتوفير المسكن، والمأكل، والتعليم، والصحة ، والزواج، ما أثر ذلك على الأداء.

4- تنمية الولاء الشعب الألماني ليدين بالولاء: والولاء ليس كلمات شعر تقال أو أغنية يتغنى بها، بل إن الولاء هو إتقان العمل، فكان العامل الذى يقوم بتنظيف الشارع كأنه فى محراب عباده، ويقول صحة المواطن الألماني تبدأ من هنا من نظافة الشارع، ولما كان يزور المدارس يجد المدرس يعمل بنشاط وكفاءة عاليه ويقول هؤلاء هم علماء المستقبل، العمال فى المصانع فى المزارع، الكل يتقن عمله.

5- مشروع المساعدات: “مشروع مارشال”: بعد الحرب العالمية الثانية تم صياغة قانون مساعدات لاعادة بناء أوربا، ويقرر “قانون مارشال” إعانة نقدية لكل مواطن.

ألمانيا اليوم وبالأرقام

تنتمي ألمانيا لأكثر بلدان العالم الصناعي تطوراً وأقواها أداء، وتشكل بعد الولايات المتحدة واليابان والصين رابع أكبر اقتصاد في العالم، وعلاوة على ذلك تعتبر أيضا أكبر وأهم سوق في دول الاتحاد الأوروبي (EU) بعدد سكانها البالغ 83 مليون نسمة، في العام 2009 احتلت ألمانيا بحجم صادراتها البالغ 1121 مليار دولار المرتبة الثانية في العالم بعد الصين (1202 مليار دولار)، ويعادل هذا الرقم حوالي ثلث الدخل القومي الإجمالي لألمانيا، وذلك بعد أن احتلت على مدى الأعوام من 2003 حتى 2008 ست مرات متتالية المرتبة الأولى في التصديرفي العالم. وتقارب نسبة مساهمة ألمانيا في التجارة العالمية 9%.

التطور الياباني يقوده التعليم

رغم أن #اليابان هو البلد الوحيد الذي قصف بالسلاح النووي، واستسلم دون قيد أو شرط، وتم حل جيشه البالغ ستة ملايين مجند، ونفض يده من كل الآلة العسكرية المخيفة التي بناها بيديه، لكنه لم يحرر بلده بحرب تحرير فيتنامية أو جهاد أفغاني، بل بطريقة امتاز بها هذا الشعب، وذلك لا يعود إلى سبتمبر عام 1945، عندما تم اعتماد التعليم كأساس لبناء اليابان الجديدة.

فلا تكاد تنظر إلى أي جهة من جهات النهضة #اليابانية دون أن ترى موضوع التعليم يقابلك بوضوح، وبدأت إصلاحات النظام التعليمي الحديث في اليابان في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، ثم انتعشت في بداية القرن العشرين.

تشير الدراسات أن الطفل الياباني يحصل على نتائج عالية في الاختبارات الدولية التي تقيس القدرات في الرياضيات والعلوم أكثر من الطفل الأميركي والبريطاني والفرنسي.

التعلّم من نظام التعليم في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية

ينقسم السلم التعليمي في اليابان إلى أربع مراحل هي كالتالي:‏ المرحلة الأولى، مرحلة رياض الأطفال، من سن ثلاث سنوات إلى خمس، وتهدف إلى تهيئة الأطفال للمدرسة ومساعدتهم على النمو العقلي والجسمي السليمين من خلال تنمية قدراتهم على التفكير والسلوك، والقدرة على التعبير، وتقديم الأنشطة التي يحتاجها الأطفال.

المرحلة الثانية‏: مرحلة التعليم الابتدائي، ويقيّد بهذه المرحلة جميع الأطفال الذين بلغوا السنة السادسة، وتهدف تلك المرحلة إلى إتاحة الفرصة للأطفال للنمو المتكامل طبقا لقدراتهم الجسمية والعقلية والنفسية.

المرحلة الثالثة:‏ مرحلة التعليم الثانوي، وتنقسم هذه المرحلة إلى مستويين (المدرسة الثانوية الدنيا) وتقابل مرحلة التعليم المتوسط (الإعدادي) في الدول العربية و(المدرسة الثانوية العليا)، أما مرحلة التعليم الثانوي الدنيا، فيدخل بها جميع الأطفال الذي أنهوا المرحلة الابتدائية قسراً، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات.‏ أما المرحلة الثانوية العليا فيلتحق بها الطلاب بعد اختبار مسابقة صعب.

ويضم هذا #التعليم ثلاثة أنواع من الدراسة: دراسة كل الوقت، ودراسة بعض الوقت، ودراسة بالمراسلة، ويهدف هذا النوع من التعليم إلى مد الطلاب بالمعلومات #الأكاديمية والفنية التي تتناسب مع قدراتهم الجسمية والعقلية، ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات بالنسبة لمدارس الوقت الكامل، وأربع سنوات في مدارس المراسلة ومدارس بعض الوقت, والدراسة إما نهارية أو ليلية.‏ المرحلة الرابعة: مرحلة التعليم العالي: وهي المرحلة التالية للتعليم الثانوي، والدراسة بها متنوعة لمدة أربع سنوات أو خمس حسب نوع الكلية.

من أهم ملامح وخصائص نظام التعليم الياباني ما يلي:

1- يستمد النظام التربوي الياباني أهم مقوماته من طبيعة مجتمعه وروح أمته واحتياجات وطنه، ولا يأتي انعكاسًا لنماذج تربوية خارجية.

2- يستمد النظام الياباني نهضته الحديثة من جذوره ومؤسساته وتقاليده المتأصلة والقائمة بالفعل ولم يدمرها أو يهملها بدعوى قدمها وتقليديتها.

3- يعد التعليم في اليابان خدمة وطنية عامة وواجبًا قوميًا يتجاوز أي جهد فردي أو فئوي خاص, وأنه في مناهجه ومقرراته وتوجيهاته يمثل عامل التوحيد الأهم لعقل الأمة وضميرها منذ مراحل التعليم الإلزامية الأولى, إذ لا يسمح فيه بتعددية المناهج والفلسفات التربوية.

4- لم تأخذ اليابان بالنزعات الليبرالية والسيكولوجية الغربية بل ظلت متمسكة بقيم الانضباط الموحد في الفكر والسلوك رغم الضغط المعاكس من الاحتلال الأمريكي ورغم النقد الغربي لها.

5- نقطة القوة الأساسية في النظام التربوي الياباني ليست جامعاته، إنما معاهده التقنية المتوسطة التي تمثل عموده الفقري، والممارسة العملية التدريبية هي أهم وأبرز واجبات الياباني منذ طفولته عندما يقوم بتنظيف صفه ومدرسته إلى ما بعد تخرجه عندما يبدأ من جديد التدريب الوظيفي في برامج إجبارية قبل أي منصب ثابت، أما الفتاة اليابانية فإن أهم وظيفة لها هي نجاحها في أسرتها فيقدم لها برامج تربوية عملية ضمن النظام التربوي الرسمي تعلمها كيف تصبح زوجة ناجحة.

اليابانيون قوم شرقيون مثلنا، بدأوا مسيرتهم نحو التقدم من واقع العزلة والتخلف الحضاري كما بدأنا في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، ولكن شتان ما بين بداية وبداية، فلماذا هذا الفارق الشاسع بيننا؟

بتدقيق النظر في التجربة اليابانية، فإننا لا نندهش من هذا التقدم الذي يقف أمامه العالم كله مذهولاً، مندهشاً، ففي #أميركا وأوروبا وروسيا يعكف أهل العلم والتقدم والتكنولوجيا على دراسة الإنجاز الاستثنائي لهذا البلد الشرقي الذي ينافسهم في أمضى أسلحتهم ومخترعاتهم، كما يثير تقدم اليابان دهشة الشرقيين وإعجابهم، دون أن يتمكنوا من اللحاق به على كثرة ما حاولوا وجربوا، وما علينا إلا التعلم من تجاربهم من أجل النهضة الشاملة لسوريا المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة