انخفضت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 18% عام 2010 إلى حدود 5%

انخفض أعداد العاملين في الزراعة بسبب ترك الفلاحين لأراضيهم

1.5 مليار ليرة فقط حجم التعويضات التي دفعت للفلاحين عام 2015

تراجعت كميات الإنتاج الحيواني 30% وانخفاض أعداد الدواجن بـ 40%

د. عبد الصمد اسماعيل*

تتمتع #سوريا بالعديد من المزايا والمقومات التي تجعل منها بلداً زراعياً حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية فيها 6.5 مليون هكتار، أي أكثر من 30% من مساحة البلاد، يستثمر منها 5.73 مليون هكتار كمزارع وغابات ومحميات رعوية، وتننشر فيها أنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية بأنواعها النباتية (الحبوب،القطن، الشوندر، البقوليات، الخضار، الفواكه، الزيتون) والتربة الملائمة لزراعتها والحيوانية التي يتم إنتاجها من تربية (الأغنام، الأبقار، الماعز، الدواجن، الجاموس) كما يمر فيها عدة أنهار كبيرة كالفرات ودجلة والعاصي فضلاً عن مناخها المعتدل.

يشكل القطاع الزراعي الركيزة الاقتصادية الرئيسية من حيث مساحات أراضيها الواسعة، وتنوع محاصيلها المنتجة وأعداد العاملين فيها، فضلاً عن تأمينها حاجة العديد من المنشآت الصناعية الإنتاجية من المواد الخام والأولية، فتكون بذلك مورداً هاماً لقطاع الصناعة السورية من جهة، وتؤمن حاجة الأسواق المحلية من المنتجات الزراعية والغذائية بشقيها الحيواني والنباتي من جهة ثانية.

ص5

أهمية القطاع الزراعي

تتجلى بوضوح أهمية هذا القطاع أيضاً عندما نعلم أن:

– مساهمته في #الناتج_المحلي قد بلغت في سنوات النصف الثاني من عام 2000 نحو 24% وسطياً.

– توفير حاجة سوريا من السلع الاستراتيجية الرئيسية كالقمح الذي تشكل منتجاته وخاصة الطحين والخبز غذاء رئيسياً للسكان والقطن الذي يدخل في مجال أعرق الصناعات السورية، وهي #الصناعات_النسيجية.

– يعمل في الزراعة التي تتوزع مساحاتها على معظم أراضي القطر نحو 20% من القوة العاملة (900 ألف عامل) وخاصة في منطقتي الجزيرة السورية وحوران.

– يعد القطاع الزراعي مورداً اقتصادياً لأكثر من 46% من السكان.

– تبلغ نسبة الصادرات الزراعية نحو 31% من إجمالي الصادرات #السورية وهذه المساهمة العالية في التجارة الخارجية تحسن في الميزان التجاري السوري.

– تنوع المنتجات والمحاصيل الزراعية المنتجة بشقيها النباتي والحيواني لتوفر للسوق المحلية نسب عالية من احتياجاتها الغذائية.

محاولات تحسين إنتاجية القطاع الزراعي

اتخذت الحكومة السورية قبل الأزمة إجراءات عديدة بهدف تحسين الواقع الإنتاجي للقطاع الزراعي وترشيد استخدام المياه فيه حيث يستولي هذا القطاع لوحده على 90% من الموارد المائية في سوريا، فطرحت العديد من المشاريع المبنية على أسس فنية ومعايير اقتصادية في طرق الري واستخدامات موارد المياه الجوفية في سقي المساحات المزروعة، وذلك لزيادة المساحات المروية التي تشكل الآن حوالي 30% فقط.بطاطا

الصعوبات ومعوقات العمل الزراعي

إلا أن العديد من الصعوبات كانت وما تزال تواجه سياسات الإنتاج والتطوير في هذا القطاع ومحاولات رفع الكفاءة الإنتاجية فيه وتتمثل في ما يلي:

– ضعف كفاءة الأجهزة الإدارية العاملة في المؤسسات والجهات الرسمية المسؤولة عن إدارة وعمل النشاط الزراعي من حيث عدم قدرتها على وضع استراتيجيات بعيدة المدى تخص القطاع الزراعي والدور الذي يجب أن يتبوأه داخل الاقتصاد الوطني.

– دوران السياسات والاستراتيجيات المطروحة بشأن عمل القطاع الزراعي في فلك السياسات الاقتصادية المعتمدة على التخطيط #المركزي مما أدى إلى إهماله لفترات طويلة وترك آثاراً سلبية واضحة على إنتاجيته وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام (فترة التسعينات).

– تشكل مساحة #المزروعات البعلية 70% من المساحات المزروعة، ما يترك الإنتاج عرضة لتقلبات المناخ وظروف الجفاف.

– ضعف حجم الدعم الزراعي المقدم من الدولة أمام إرتفاع تكاليف #الإنتاج والنقل وأسعار المحروقات والأسمدة.

– انتشار الفساد والمحسوبيات في توزيع مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة وغيرها على أعضاء التعاونيات الفلاحية.

– تهرب الكثير من #الفلاحين من تسديد القروض الزراعية أو أثمان البذار أو الأسمدة التي حصلوا عليها سابقاً وذلك من خلال عدم تسليم الإنتاج للحكومة أو توريده بإسم شخص آخر.

– عدم الاستفادة من مياه الأنهار بالشكل المطلوب والاستمرار في اتباع الطرق التقليدية في الري في ظل عدم قيام الجهات المسؤولة باتباع الوسائل والسياسات المحفزة الكفيلة بتحول الفلاحين لطرق الري الحديث ما سيؤمن رفع إنتاجية أرضه من جهة ويوفر الاستخدام الرشيد للموارد المائية المتوفرة من جهة ثانية.

مواشي

الأزمة تترك بصماتها السوداء على الزراعة

نال القطاع الزراعي نصيبه من الخراب والدمار إثر الأزمة التي ضربت جميع القطاعات الاقتصادية والحياتية والبشرية في البلاد، وطال هذا الخراب بنية القطاع التحتية وصعوبة قيام الفلاحين بالأعمال الزراعية، إلى جانب الظروف المناخية السيئة في السنوات الثلاث الأولى من عمر #الأزمة وفقدان الأسمدة والأدوية ونوعية البذار السيئة كل ذلك أدى إلى تراجع كبير في حجم الإنتاج النباتي والحيواني، لينتج عنه شح كبير في كمية المنتجات الزراعية المعروضة في السوق المحلية من جهة وارتفاعات جنونية في أسعارها.

من جهة أخرى، ففي حين تراجعت كميات الإنتاج الحيواني بمقدار 30% وانخفاض أعداد الدواجن بـ 40% بحسب احصائيات وزراة الزراعة. تراجعت كميات القمح المنتجة في عام 2014 إلى أدنى مستوى لها في 25 عام بحسب منظمة #الفاو لتتشكل فجوة في الطلب المحلي على هذه السلعة التي تعتبر الأهم بالنسبة للسوريين، لأنها تمدهم بالطحين والخبز بحدود 800 ألف طن وتتحول سوريا معها من دولة مكتفية ذاتياً إلى دولة مستوردة للقمح، وبذلك تكون الأزمة قد خلفت آثاراً سلبية واضحة على هذا القطاع تمثلت في ما يلي:

– انخفاض #المساحات_المزروعة بشكل كبير وإتلاف مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية.

– التراجع الكبير في كميات الإنتاج من المحاصيل الزراعية الرئيسية فقدبلغت كميات الأقماح المنتجة في عام 2010 بحدود 4.1 مليون طن تم تسليم ما يزيد عن 3 مليون طن من القمح منها (شكل إنتاج القمح 12% من كامل قيمة الإنتاج الزراعي عام 2005 واحتل 49% من المساحات المزروعة) في حين بلغت كمية الإنتاج بحدود 2.4 مليون طن عام 2015، بحسب تقديرات منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة.

– بلغت كمية #القطن المنتجة في عام 2010 نحو 428 ألف طن، وعلى مساحة 172 ألف هكتار، تراجعت في عام 2015 إلى أقل من 50 ألف طن، وعلى مساحة لا تتجاوز 25 ألف هكتار (شكل إنتاج القطن 6% في عام 2005 من كامل قيمة الإنتاج الزراعي واحتل 35% من مجموع المساحات المزروعة) ويعود السبب في ذلك لعزوف الكثير من الفلاحين عن زراعة القطن بسبب صعوبة تأمين البذار والأسمدة. القمح السوري

– انخفاض أعداد العاملين في #الزراعة بسبب ترك الفلاحين لأراضيهم وقراهم وصعوبة استمرارهم في العمل الزراعي.

– نقص كميات البذار والأسمدة والمبيدات والأدوية (وصل سعر طن السماد الآزوتي في الجزيرة هذا العام لحدود 275 ألف ليرة سورية) مما أدى إلى انتشار الأمراض وتسبب في تراجع كميات الإنتاج بشكل ملحوظ.

– التصدير العشوائي للكثير من منتجات القطاع الحيواني كالأغنام والأبقار في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية إلى دول الجوار وخاصة كردستان #العراق و #الأردن، ما أدى إلى تراجع كبير في الكميات المعروضة منها في السوق المحلية وأضفى إلى جموح أسعارها نحو الغلاء الفاحش.

– انخفاض مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 18% عام 2010 إلى حدود 5% عامي 2013 و2014.

– الارتفاعات الجنونية في أسعار اللحوم والخضروات والفواكه لنسبة وصلت أكثر من 500% لمعظم المنتجات بسبب نقص كميات إنتاجها أو تهريبها عبر الحدود إلى الخارج.

– بروز ملامح القلق حول مستوى الأمن الغذائي في سوريا أمام تراجع قدرة القطاع الزراعي عن تأمين احتياجات المواطنين الرئيسية من السلع والمنتجات الغذائية كما كان في السابق.

– صعوبة تصريف المحاصيل الزراعية المنتجة أو التصرف بها في ظل عدم توافر الأمن والاستقرار واستمرار العمليات الحربية والعسكرية.

خسائر لحقت بالبنية التحتية

في تقرير صادر عن #وزارة_الزراعة_السورية قدرت مجموع الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي حتى نهاية عام 2015 بـ220 مليار ليرة، منها 20 مليار في الثروة الحيوانية و10 مليارات في قطاع الدواجن وأكثر من 30 مليار ليرة في “البنى التحتية للوزارة من مبان وآليات وتجهيزات وشبكات ري ومراكز بحوث”والباقي بحدود 160 مليار ليرة.ص9

وأشارت منظمة الفاو للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها عام 2014، أن مجموع الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي السوري تقدر بـ 1.8 مليار #دولار حتى نهاية 2013 وعلى ذلك يمكن تقدير مجموع الخسائر حتى نهاية عام 2015 بأكثر من 2 مليار دولار، تضاف إلى الخسائر الكلية للاقتصاد السوري والتي بلغت 225 مليار دولار حتى الآن، بحسب آخر تقرير صدر عن المركز السوري لبحوث السياسات.

الحلول الممكنة في ظل الأزمة

نستطيع أن نقدم عدداً من المقترحات التي من شأنها أن تساهم في دعم العمل والإنتاج في القطاع الزراعي وهي:

– إعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة بالصورة القصوى وتقديم جميع المحفزات الممكنة لعودة الفلاحين إلى أراضيهم ومعاودتهم للعمل فيها وزراعتها بالمحاصيل والمنتجات الرئيسية لحياة المواطن اليومية لما يشكله انهيار الإنتاج في القطاع الزراعي من خطورة تتعلق بالأمن الغذائي للبلد.

– ضرورة العمل والتنسيق المستمر مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”بشأن دعم القطاع الزراعي وتوفير البذار والأدوية والمبيدات اللازمة للمحاصيل الزراعية لمحاولة رفع كميات الإنتاج منها ولو لتغطية احتياجات السوق المحلية فقط لضمان عدم وقوع السوريين فريسة تأمين الغذاء.

– الاستمرار بتقديم الدعم المالي الزراعي اللازم للفلاحين وخاصة لضرورة زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشعير والقطن ورفع مبلغ تعويض الخسائر جراء الأزمة وسرعة صرفها لهم (1.5 مليار ليرة فقط حجم التعويضات التي دفعت للفلاحين عام 2015) وتخفيض أسعار المحروقات والوقود اللازم للزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة ومبيدات وبأسعار تشجيعية تساعد على تخفيض تكاليف الإنتاج وتحقيق دخل مناسب للفلاحين.

– تفعيل قانون تمويل القروض من المصرف الزراعي رقم 11 لعام 2014 والقاضي بتسهيل تقديم التمويل العيني والنقدي للمزارعين الذين لم يسددوا كامل التزاماتهم تجاه المصرف لتحفيز المزارعين على العودة إلى أرضهم وزراعتها.

– معالجة المشاكل التسويقية وتصريف الإنتاج وخاصة فيما يخص الخضار والفواكه والتركيز على إنتاج ما يمكن تسويقه وليس البحث في امكانية تسويق ما تم إنتاجه وذلك من خلال اتخاذ الإجراءات الكفيلة بكف أيدي التجار المتلاعبين بقوت الفلاحين ومحاصيلهم بغية تحقيق الريعية الكافية لاستمرارهم في الإنتاج.

ص10
– اتباع السياسات الإنتاجية اللازمة من قبل الحكومة والكفيلة برفع إنتاجية مؤسساتها ذات الطابع الاقتصادي العاملة في مجال الثروة الحيوانية “المؤسسة العامة للدواجن” و”االمؤسسة العامة للمباقر” وذلك لتغطية النقص الكبير في حاجة السوق المحلية من اللحوم والفروج والبيض مع ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بوقف تهريب الأغنام والأبقار إلى خارج سوريا.

– توفير المقنن العلفي اللازم للثروة الحيوانية بالكمية والسعر المناسبين وعلى مدار العام بما يضمن قيام المربين بإنتاج حاجة السوق المحلية من المنتجات الحيوانية وخاصة اللحوم والبيض والحليب لتغطية الطلب المحلي وسد الفجوة الحاصلة فيه الأمر الذي قد يساهم في تخفيض أسعارها.

(باحث وأكاديمي سوري)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة