سارة العمر

يعاني طلاب الجامعات في #سوريا من ضغوط وعراقيل كبيرة تعترض إكمال تحصيلهم العلمي، أبرزها غياب وسائل البحث العلمي، وانقطاع الكهرباء وغياب الإنترنت ما يعرقل دراستهم في المختبرات، إضافة إلى هجرة الكثير من الكوادر التدريسية .

 

من جانب آخر، أصدر رأس النظام  السوري خلال السنوات الماضية عدداً من المراسيم الخاصة بالدراسة الجامعية، والتي تقضي بالسماح للطالب بالترفع للسنة المقبلة وتجاوز الحد المسموح به لعدد المواد التي يحملها، تبدو هذه المراسيم أنها تسهّل إكمال الطلاب لدراستهم، لكنها في الواقع تقضي على ما تبقى لديهم من أمل في أن يحصل على شهادة معترف بها دولياً.

هذا ما أكده تراجع ترتيب الجامعات السورية في الترتيب العالمي خلال السنوات الخمس الأخيرة، فوفقاً لتصنيف موقع “ويب ماتريكس” التابع لمجمع وحدة الأبحاث الدولية، الذي تضمن الجامعات الخاصة والعامة السورية لعام 2015، احتلت #جامعة _حلب المرتبة 18145عالمياً، في حين احتلت جامعة دمشق المرتبة 4404 ، وجامعة تشرين المرتبة7828، وكان ذلك دافعاً لكثير من الطلاب الباحثين عن جودة أعلى في التدريس للانتقال من جامعة حلب إلى جامعة دمشق أو جامعة تشرين.

 

معاناة التنقل

يعانى معظم الطلاب الذين يقطنون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من صعوبة الوصول للجامعة، ما اضطر الكثير منهم لترك دراستهم الجامعية ولم يبق إلا قلة من الطلاب الملتحقين بالجامعة والذين يخاطرون بأرواحهم لإنهاء دراستهم الجامعية.

مراد طالب في السنة الرابعة في كلية طب الأسنان، تسكن عائلته في ريف حلب، أما هو فيقيم في القسم الخاضع لسيطرة النظام لإكمال دراسته، يقول “لم أر عائلتي منذ سنتين، في كل مرة أنوي فيها الذهاب لزيارتهم أتراجع بناء على طلب أمي خوفاً من ألا أستطيع العودة أو أعتقل على الطريق، تعد مخاطرة كبيرة بالنسبة للشاب في عمري أن يتنقل من وإلى مناطق المعارضة. أعاني من غلاء المعيشة هنا وارتفاع تكاليف الدراسة لذا أعمل في إحدى المقاهي لسد هذه النفقات. أن تدرس في حلب في ظل الخطر وانقطاع الماء والكهرباء كفاح بحد ذاته،  لكن أن أصبح طبيب أسنان هو حلمي وحلم والداي ولن أتخلى عنه مهما حدث”.

خطورة وصعوبة الوصول للجامعة دفعت بالكثير من الطلاب لاختيار الفروع الأدبية التي تخلو من الجلسات العملية وتقتصر على المقررات النظرية.

هذا ما فعلته  سلوى، وهي  طالبة في كلية الأدب الانكليزي بجامعة حلب.  تسكن سلوى  في المناطق الخاضعة للمعارضة من مدينة حلب، حصلت  في الثانوية العامة على درجات تؤهلها لدخول إحدى كليات الهندسة، لكن والديها كانا خائفين من أن تنتقل بشكل تام إلى أحياء النظام فيصعب عليهم رؤيتها أو التواصل معها.

تقول “لم يكن لدي خيار آخر حتى أتمكن من متابعة دراستي الجامعية، اخترت فرعاً أدبياً لأني لا أستطيع الحضور، ويمكن أن أذهب للتقدم للامتحان فقط”.

قرارات  جديدة

عممت رئاسة جامعة حلب على جميع كلياتها بداية العام الدراسي الجاري، وجوب تطبيق قرار  يقضي بضرورة حضور الطالب ما لا يقل  75 % من محاضرات المقررة في كل من  القسم النظري أو العملي حتى ينجح في المقرر. إذ كان القانون يطبق على القسم العملي فقط. القرار أثار استياء مئات الطلاب في الكليات الأدبية، والذين يسكنون خارج أحياء النظام، واضطر العديد منهم للالتحاق بالجامعة بعدة أشهر على بدء العام خوفاً من ألا يستطيعوا التقدم للامتحان.

تقول سلوى “صدمت بتطبيق القرار، إنه  إجحاف بحق الطلاب الذين يقطنون في مناطق بعيدة ويعانون للوصول إلى الجامعة. لا يمكن أن أعيش هناك ولا نملك حتى المال الكافي لتحمل التكاليف. لا أعرف مالذي ينتظرني”.

صبا طالبة طب بشري سنة ثالثة تقول “دائما ما يتحدثون عن القرار لكنهم لم يطبقوه، هذا العام فوجئنا، بصدور قوائم فيها أسماء الطلاب المحرومين من الدخول للامتحان لعدم تحقيقهم لنسبة الحضور” وتضيف: “الحل طبعاً كان بدفع مبلغ لمراقب الدوام، ليحذف اسمي من القائمة”.

هذا القرار ليس الوحيد الذي  يعترض عليه طلاب جامعة حلب، فطلاب السنة التحضرية للكليات الطبية، يشتكون من عدم إنصاف نظام القبول الذين قبلوا على أساسه، والذي  يقضي بقبول جميع الطلاب الراغبين بدخول إحدى الكليات الطبية لسنة تحضرية، ثم يفاضلوا في نهايتها وفقاً لمعدلهم فيها على مقاعد كليات الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة.

محمود من طلاب السنة التحضيرية، يقول: “هذه السنة فاشلة بامتياز، أدرس بجد لأحصل على علامات تؤهلني لدخول كلية الطب البشري. درست كثيراً للامتحان ولكنني صدمت بأن أسئلة الامتحان كانت مئة سؤال خلال مدة لا تتجاوز الساعة ونصف وأغلبها كانت من خارج المقرر” .

تراجع  الكوادر والإمكانيات

ساهم انقطاع الكهرباء المستمر عن الجامعة، وقلة المستلزمات العلمية والمخبرية، وتراجع أعداد  الكادر التدريسي في الجامعة، بتراجع المستوى التعليمي الذي تقدمه. يلفت أحد أساتذة المخبريين في  كلية الصيدلة في جامعة حلب والذي فضل عدم الافصاح عن اسمه إلى أن “مستوى التعليم في الجامعات السورية عامة وجامعة حلب خاصة، تراجع في الخمس سنوات الماضية بشكل كبير، فأكثر من نصف التجارب يتم حذفها أو تجاوزها لأسباب عدة من انقطاع للكهرباء وغياب المواد اللازمة للتجارب العملية وغياب المدرسين المختصين، حتى أن الامتحانات العملية في بعض المواد الأساسية أصبحت تقتصر على الأسئلة النظرية فقط”.

ويضيف: “إن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي لتراجع مستوى التحصيل العلمي للطلاب بشكل كبير، فالطالب يتخرج بنصف المعلومات والخبرة  التي كان يملكها الطالب سابقاً”.

فاطمة وهي موظفة في كلية الطب،  تقول: “معظم الكليات تقتصر على عدد محدود جداً من الأساتذة الذين لم يسافروا خارج البلد. أمسى الاعتماد الأساسي في العملية التدريسية على طلاب الماجستير والطلاب الخريجين في شرح الجلسات العملية وحتى النظرية. وعلى الرغم من دورهم في تغطية نقص الكادر التدريسي إلا أنهم يفتقرون للخبرة العلمية اللازمة”.

ويعود تراجع أعداد الاساتذة في الجامعة إلى سفرهم خارج البلاد وتوقف الأساتذة الموفدين من الجامعات الأخرى عن التدريس في جامعة حلب، وهو ما أدى إلى إغلاق العديد من تخصصات الدراسات العليا التي كانت مفتوحة سابقاً.

تقول  سوسن خليل، وهي طالبة ماجستير في كلية الهندسة الحيوية إن “الدراسات العليا في الوقت الحاضر أشبه بالحبر على الورق.  نحن أكثر المتضررين من سفر الأساتذة المختصين فالبحث العلمي بحاجة لإشراف وتوجيه من قبل مختصين كما أن غياب وسائل البحث المتقدمة والمواد الضرورية وانقطاع الكهرباء والانترنت، جعل عجلة البحوث العلمية تدور ببطء وصعوبة فالمشروع الذي كان ينجز بسنة بات  يتطلب سنتين، ونتائج البحث تقريبية في أغلب الأحيان والتطبيق معدوم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.