أحمد الزين – الحل السوري:

يقال أن (الاقتصاد عصب الحياة)، لأنه دائماً ما يعكس الوضع المعيشي للمواطنين، لكن هذا العصب في سوريا أصيب بالتهاب حاد مزمن، بدأ مع بداية الأزمة في 2011، فأعادت الحرب المشتعلة منذ نحو خمس سنوات عجلة الاقتصاد عقوداً إلى الوراء، وذلك بعدما كان يُصنف اقتصادها في السابق على أنه اقتصاد واعد.

الاقتصاد السوري يعيش الآن حالة مرضية، وأسوأ مايحدث هو التراجع الكبير لسعر صرف العملة #السورية مقابل العملات الأجنبية والذي يترك تأثيراته بشكل مباشر على المواطن السوري، حيث شهد الدولار ارتفاعات مستمرة وبقفزات كبيرة في بعض الفترات، قابلها هبوط كبير في قيمة الليرة السورية، وإرتفاع جنوني في أسعار بعض السلع والمواد، مع فقدان بعضها، وشحها في أحيان أخرى، ووصل سعر صرف الدولارمقابل الليرة السورية إلى 449 ليرة مقابل كل دولار قبل أن يتراجع إلى نحو 425 ليرة، وهو رقم قياسي جديد يدل على الانخفاض الكبير في قيمة العملة الأمر الذي ألهب معه #أسعار المواد والسلع إلى درجة كبيرة. الليرة

المحطات التي مرت بها قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية كثيرة، وإذا اختلف بعضهم على مدى نجاعة الأدوات التي استخدمها مصرف سوريا المركزي في إخماد نار أسعار الصرف، وإعادة القليل من التوازن إلى أسعار الصرف، لكن الجميع متفق على أنَّ سرعة المصرف المركزي لم تكن بمستوى انفلات الأسواق والبطء الشديد كان السمة البارزة في أسلوب عمل المصرف المركزي، ما أتاح الفرصة لسرعة تراجع قيمة العملة المحلية، ومازاد من ذلك، هو اختباء أصحاب القرار في السياسة النقدية وعدم التجرىء والظهور إلى الإعلام والمواجهة، الأمر الذي ساهم ببث حالة من الخوف والهلع وهو يعد من أهم أسباب التأثير على الأسعار، فالبيئة التي خلقها المصرف المركزي، ومعه السياسات المالية والنقدية، أعطت فرصاً كبيرة وكثيرة للمضاربين وتجار #السوق_السوداء لإثارة الخوف والهلع بين المواطنين وبالتالي التأثير السلبي بشكل كبير على قيمة الليرة في الكثير من الفترات السابقة.

لقد تعرضت العملة السورية لضغوط مكثفة خلال الفترة الماضية وبالتحديد منذ تشرين الثاني 2015 حيث بدأت القوى الدولية في إجراء محادثات حول التدخل العسكري في سوريا فتراجعت قيمة الليرة السورية بأكثر من 15% في السوق السوداء على إثر تكثف الضغوط العسكرية، والدبلومــاســيــة والاقتصــــــادية في الشأن السوري مما آثار احتمال انهيار العملة في نهاية المطاف، هذا ويدفع المزيج من انخفاض الليرة والعقوبات الدولية، وسط الصراع الآخذ في الاتساع، أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع بشكل حاد.

نعم أنهم يضخون بعض الأموال لتخفيف الضغط على الليرة السورية، ولكن بعد فترة يمتصها السوقونعود إلى نفس الوضع من جديد.

نعم إنهم يصدرون الكثير من القرارات للحد من انخفاض قيمة العملة المحلية، لكنها قرارات غير مدروسة سرعان ما تتلاشى آثارها الايجابية المحدودة.

الهدنة لم تحسن الليرة

لقد توقع المحللون أن تكون الهدنة في سوريا والتي بدأت بتاريخ 27/2/2016 بداية لتحسن قيمة الليرة السورية ولو قليلاً لكن ذلك لم يحدث، ففي الأسبوع الأول للهدنة لم يحدث أي تحسن في سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وعلى ما يبدو أن الدولار أيضاً فضل المهادنة بانتظار ما ستسفر عنه الأيام الأولى للهدنة التي مالبثت أن دفعت بسعر الدولار للإرتفاع مقابل الليرة مع بداية الأسبوع الثاني للهدنة ليصل إلى 440 ليرة، وهو مرشح للإرتفاع، ولم يستطع مصرف سوريا المركزي العودة بقيمة الليرة السورية إلى مستويات سابقة رغم كل التفاؤل في التوقعات، والوعود الكثيرة التي أطلقها المصرف لإعادة الليرة إلى قيمتها الحقيقية، ورغم جلسات التدخل التي يقيمها بين الحين والآخر لضخ الدولار الذي سرعان ما يتم امتصاصه بطرق غير شرعية ويذهب إلى #السوق_السوداء إلى المتنفذين من أصحاب السطوة على قرارات #المركزي لتبدأ حمى المضاربات من جديد وتبدأ جولة جديدة من الارتفاع في #سعر_الدولار وبالتالي انخفاض في قيمة العملة المحلية.

كما إن حجم الطلب الحقيقي على الدولار لم يستطع المصرف المركزي والقنوات الرسمية تلبيته وهذا طبعاً باستثناء بعض التجار الذين يصولون ويجولون في أروقة المصرف المركزي ويحصلون على ما يريدون ويفصلون القرارات بالشكل الذي يناسبهم، الأمر الذي يدعم سعر الدولار في السوق السوداء، والأمر اللافت هو انسياقالسعر الرسمي للدولار وراء الأسعار غير الرسمية، كما إن اتساع نقاط الضعف في السياسات الحكومية في التعامل مع هذه القضية شكلت ممراً آمناً للدولارات باتجاه السوق السوداء، دون وجود أي حل حاسم، إضافة إلى أن قيمة الليرة السورية كانت ستكون أقل قيمة لولا الدعم من بعض الدول التي تضخ كميات كبيرة من الأموال في سوريا في سبيل تحقيق #مكاسب كبيرة في المستقبل أو في سبيل المحافظة على مصالحها الحالية.ارتفاع قيمة الليرة السورية إزاء الدولار الاميركي

إنّ أحد الأسباب الرئيسية في وصول سعر #الدولار إلى المستويات المرتفعة هو الخلل في تمويل #المستوردات من قبل المركزي، ولجوء التجار إلى السوق السوداء لتلبية احتياجاتهم التي أصبحت أكبر من امكانيات المركزي من جهة كما إنهم يجدون في السوق السوداء السرعة الكافية لتمويل أعمالهم التجارية التي لا تحتمل التأخير والمعاملات الطويلة التي يتطلبها الحصول على تمويل من القنوات الرسمية، إضافة إلى اتساع ظاهرة التهريب التي تضغط على الدولار، وهذا يجعل ترشيد الاستيراد بلا فائدة عملياً، أو باباً لاسترزاق البعض الذن أصبحوا من أصحاب الثروات، إضافة إلى الأخطاء الكثيرة في القرارات الحكومية في القطع المالي، مثل حركة الدولار في قطاع التأمين، وتحديد أسعار بيع دولار التدخل، وعدم تحديد سعر للشراء من المواطنين قريب منه، ولا ننسى اللعبة الكبرى التي يديرها كبار #المضاربين في السوق لجني الأرباح.

الذهب يصعد نحو القمة

وماذا عن #الذهب الذي ارتفعت أسعاره في الأسواق المحلية نحو 70% خلال عام 2015، ووصلت إلى 11800 ليرة لغرام 21 قيراطاً، وكان أنهى تعاملات العام 2014 عند 6950 ليرة لكن العام 2016 شهد وصول سعر غرام الذهب عيار 21 قيراط رقماً قياساً إلى 15200ليرة سورية بتاريخ 5/3/2016 وساهم في هذا الإرتفاع الكبير ارتفاع سعر الدولار من جهة وتحسن سعر الذهب عالمياً حيث وصل سعر الأونصة في الأسواق العالمية إلى نحو 1259 دولاراً.

وقد تباينت توقعات أسعار الذهب خلال العام 2016، فبينما توقع المحللون في مؤسسة طومسون رويترز تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات هذا العام، مواصلة خسائر العامين الماضيين قبل أن تنتعش في 2016 بفعل تعافي الطلب في آسيا، تخالفهم بيانات وكالة التوقع الاقتصادي والتي تفيد بانخفاض أسعار الذهب في عام 2016 إلى مستويات جديدة دون 1000 دولار للأونصة، وأن يسجل أدنى مستوى منظور عند 928 دولاراً للأونصة في نهاية عام 2017، دون أن يرتفع سعر الأونصة صوب 1000 دولار حتى عام 2020، وإن تحقق هذه التوقعات وعاد سعر الذهب العالمي إلى مستوى 1000 ليرة للأونصة، لكن ذلك لن يعيد أسعار الذهب في سورية إلى أسعارها السابقة نتيجة لارتفاع سعر الدولار بشكل كبير مقابل الليرة السورية.

الليرةوبالعودة إلى سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، فإنها كثيرة هي القرارات التي اتخذتها الحكومة ومصرف سورية المركزي ومجلس النقد والتسليف لتعزيز سعر صرف الليرة السورية،كالحد من ظاهرة التهريب، ورفع تمويل المستوردات لتصل نسبتها إلى 100%، وتكليف المصارف العامة العاملة بضرورة العمل على إطلاق حملات إعلامية للتشجيع على الإيداع بالليرة السورية مع توضيح نسب أسعار الفائدة من 13- 20% حسب نوع الإيداع إضافة إلى العمل على تسهيل إجراءات الإيداع، أيضاً قيام المصرف المركزي سابقاً بتوسيع نطاق إجراءاته التدخلية لتشمل التدخل بيعاً للقطع الأجنبي في سوق بيروت بهدف الحدّ من تأثير عمليات التلاعب والمضاربة على الليرة السورية في تلك السوق، وذلك عبر مؤسسات الصرافة المرخصة من جهة ومن خلال أدواته الخاصة من جهة أخرى، معتبراً المصرف المركزي ومن خلال هذا الإجراء أنه يستهدف سحب الكتلة النقدية بالليرات السورية المتداولة في سوق #بيروت والتي هدفها المضاربة على سعر #صرف_الليرة_السورية، بما يتيح ضبطاً أكثر فعالية لحجم المعروض من الليرات #السورية التي يتم تداولها في تلك السوق، والتي يتم توظيفها كأداة مباشرة للتأثير سلباً على سعر صرف الليرة.

ارتفاع الدولار عالمياً يرفعه محلياً

كل تلك القرارات لم تستطع لجم الإنخفاض المتسارع لقيمة العملة المحلية وارتفاع الدولار الذي يدعمه تحسن الدولار على المستوى العالمي مع تراجع أسعار النفط إلى مستويات قياسية خلال الفترة الماضية، الأمر الذي استدعى بعض الدول إلى تجميد انتاج #النفط من أجل الضغط باتجاه تحسن الأسعار.

للأسف دائماً مايعتقد المصرف المركزي السوري أن تلبية متطلبات المواطنين من القطع الأجنبي وللأغراض غير التجارية ستحل المشكلة وتخفف الضغط على الليرة السورية، وينسى المشكلة الأهم، وهي تلبية العمليات التجارية وتمويل المستوردات التي تحتاج إلى كتلة مالية كبيرة، وفي حال لم يتم التعامل معها بجدية ستكون هي السبب الرئيس في تراجع سعر صرف العملة السورية وليس احتياجات المواطنين غير التجارية والتي تكاد لا تذكر بحجمها مقارنة باحتياجات الأعمال التجارية.

كما إن لجم العمليات غير المشروعة لعدد من التجار المضاربين الذين يتاجرون بالعملات ويتحكمون بالأسعار لن يكون أمراً سهلاً إن لم يكن مستحيلاً وستكون بمثابة المهمة المستحيلة أمام المصرف المركزي الذي دائماً ما يكون عاجزاً في مواجهة هؤلاء فيسلك طريقاً دائماً ما ينعكس سلباً كإغلاق عدد لا بأس به من شركات الصرافة التي خرجت من السوق وتركت الساحة فارغة للشركات المقربة من أصحاب القرار.

المركزي ودوره في تأمين الدولار

للأسف فإن أفضل السيناريوهات لحال العملة المحلية في الفترة القادمة على الأقل على المستوى القريب ستكون قاسية على المواطن السوري الذي لاينقصه مزيداً من الضغط، ومسار الحالة العسكرية والسياسية والتجاذبات الدولية بشأن الوضع في سوريا سيكون له دور كبير في تحديد مقدار التراجع في قيمة الليرة السورية وسيكون للمصرف المركزي السوري الدور الأكبر في تحديد قوة هذه العملة، حيث إن تحسن الأوضاع سوف يرفع من نسبة الطلب على العملات الأجنبية لتلبية الارتفاع في الطلب على السلع والمواد، وبالتالي زيادة الحاجة إلى الاستيراد لتلبية تلك المتطلبات، وهنا يكمن دور المصرف المركزي السوري لتلبية الطلب الكبير على الدولار من أجل تأمين المستوردات، وغير ذلك سيزيد من تراجع قيمة الليرة السورية.

أما في حال ساءت الأوضاع وأصبح الطريق مسدوداً نحو حل سياسي للأزمة واستمرار الصراع والحديث عن بدائل للحل السياسي، سيكون سيناريو وصول الدولار إلى 500 #ليرة أمراً ليس بالمستبعد في منتصف العام الجاري وتجاوز 600 ليرة في نهاية العام 2016 سيمهد الطريق لإنهيار العملة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.