تحتل سوريا المركز الأول عربياً في معدلات البطالة خلال الأزمة

ارتفع معدل البطالة أكثر من 60% في السنوات الماضية

د. عبد الصمد اسماعيل*

تعتبر #البطالة إحدى أخطر الظواهر الاقتصادية الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات البشرية متقدمة كانت أو متخلفة وتنشأ نتيجة لاختناقات في #الاقتصاد الوطني واختلالات الظواهر الاقتصادية فيه، لتترك أثراً سلبياً على معظم المتغيرات الاقتصادية من جهة وتطال الحياة الاجتماعية والسياسية لتلك البلدان التي ترتفع فيها معدلات البطالة إلى نسب عالية من جهة ثانية.

وبتضرر القطاعات الاقتصادية والإنتاجية نتيجة الأزمة المستمرة في البلاد منذ خمس سنوات والتدميرالذي لحق بالمنشآت وبنيتها التحتية وبمنشآت الأعمال المختلفة الإنتاجية منها والخدمية، يكون العاملون في تلك القطاعات ومنشآتها المتضررة كلياً أو جزئياً الضحية الأكثر إيلاماً بسبب فقدانهم عملهم، وبالتالي مصدر دخولهم وتحولهم إلى نازحين يقتاتون خبزهم اليومي من سلال المساعدات التي توزعها المنظمات الانسانية أو مهاجرين في مخيمات اللجوء ودولها.

في أسباب البطالة قبل الأزمة

يبلغ عدد العاملين في #سوريا حوالي 5.7 مليون شخص يشكلون قرابة 25% من مجموع سكان البلاد يعمل منهم نحو 73% في القطاع الخاص و27% في القطاع الحكومي.

ص2وكانت سوريا تعاني قبل بداية الأزمة من ظاهرة عدم قدرة اقتصادها الوطني على استيعاب أعداد الوافدين إلى سوق العمل وبالتالي ارتفاعاً في معدلات البطالة للأسباب التالية:

– سياسات الاستثمار غير السليمة التى كانت تتبعها الحكومة السورية وتعقيد إجراءات الاستثمار وتفشي ظاهرة #الفساد والروتين الإداري المتبع.
– ندرة رؤوس الأموال المخصصة للاستثمار وتوجيهها إلى قطاعات غير إنتاجية أمام هروب الكثير منها خارج البلاد.
– سوء التخطيط التعليمي وعدم ربط مخرجات عملية التعليم باحتياجات سوق العمل.
– ضعف مستويات التأهيل والتدريب لدى قطاعات واسعة من القوة العاملة المتوافرة في البلاد.
– عدم التنظيم في سوق العمل بسبب غياب المؤسسات الاجتماعية الحقيقية وبالتالي فوضى في القيام بأعمال مختلفة قد لا تتناسب ومؤهلات الشخص.
– تغير الفن الإنتاجي والمستوى التقني داخل المؤسسات العاملة وعدم مواكبتها من قبل العاملين.
– أسباب ديموغرافية قد تتعلق بارتفاع معدلات النمو السكاني في سورية وقد تتعلق بارتفاع هجرة سكان الريف إلى المدن.
– ارتفاع أعداد الوافدين إلى سوق العمل سنوياً وخاصة من خريجي المعاهد والجامعات أمام عدم توفير فرص العمل المناسبة لهم.

البطالة بالأرقام خلال الأزمة

وللأسباب المذكورة آنفاً، فقد وصلت معدلات البطالة قبل إندلاع الأزمة لحدود 9% رسمياً ولأكثر من 16% واقعياً، ومع تراجع القدرة الاستثمارية لدى القطاع الحكومي فقد أظهرت بيانات الموازنة العامة للدولة لعام 2016 أن حجم الاعتمادات الاستثمارية بلغت 510 مليار ليرة #سورية وهذا الرقم يساوي فقط 1.17 مليار #دولار وفق سعر الصرف السائد في السوق.

وإذا سلمنا بأن هذا الرقم يعتبر جيداً فأين يمكن استثماره في ظل استمرار النزاع والمعارك على طول البلاد وعرضها، فالاستثمارات بحاجة إلى بنية سياسية مستقرة.ص5

كل ذلك أدى إلى تراجع فرص العمل وعدم إمكانية خلقها من جديد (بلغ مجموع التراجع في رأس المال المستثمر 28 مليار دولار وبلغ حجم رأس المال المتعطل 27 مليار دولار في حين بلغ رأس المال المتضرر 78 مليار دولار حتى نهاية عام 2014 بحسب المركز السوري لبحوث السياسات).

هذا وكانت نسب البطالة قد شهدت إرتفاعات كبيرة خلال سنوات الأزمة لتحتل سوريا المركز الأول عربياً متقدمة على اليمن 40% وموريتانيا 31% وفلسطين 26.5% فبعد أن كان معدل البطالة فيها 8.6% عام 2010 بحسب الإحصاءات الرسمية للحكومة السورية فقد وصلت إلى 57.7% أي أكثر من نصف أعداد القادرين علىالعمل في نهاية عام 2014 بحسب دراسة صادرة عن مركز البحوث والأمانة العامة لإتحاد المصارف العربية).

ص3لتبلغ أعداد العاطلين عن العمل 3.72 مليون شخص وحيث شهد عام 2015 تطورات عسكرية متسارعة نتيجة التدخل العسكري الروسي وتزايد المواجهات الأمر الذي ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية الاقتصادية وتعطيل الكثير من المنشآت الإنتاجية والخدمية في القطاعين الصناعي والسياحي وقطاع النقل لا سيما في مدينة حلب التي كانت تدور معظم المعارك فيها وفي محيطها والتي تحوز على النسبة الأعظم من المنشآت الإنتاجية في البلاد (30% من إجمالي عدد المشروعات في سوريا) مما أدى ولا شك إلى ارتفاع معدلات البطالة لأكثر من 60%خلال سنوات الأزمة وذلك نتيجة:

– نزوح آلاف السكان من المناطق التي طالها القصف أو الحصار أو أصبحت مسرحاً للمعارك الدائرة مما أدى إلى تركهم أعمالهم لينضموا إلى جيش البطالة.

– تراجع حجم #الاستثمارات العامة والخاصة نتيجة السياسات المالية السلبية كضغط الإنفاق العام (انخفض مجموع الانفاق الاستثماري الحكومي والخاص حتى عام 2015 في سورية بنسبة 90% من الناتج المحلي بحسب المركز السوري لبحوث السياسات).

– توقف المصارف العامةالمتخصصة عن منح #القروض الإنتاجية والاستثمارية مما أدى إلى تراجع المشروعات وبالتالي انخفاض فرص العمل.

– انخفاض حجم الطلب على اليد العاملة الوافدة إلى السوق بسبب إغلاق الكثير من المنشآت الإنتاجية والخدمية أو توقفها عن العمل جزئياً أو تعطيلها كلياً.

– صرف الكثير من العاملين في القطاع الخاص عن العمل نتيجة لانعدام إمكانية الاستمرار في العمل بسبب ظروف الحرب الدائرة (بلغ معدل البطالة في القطاع الخاص أكثر من 77% بحسب تقرير لمجلة الإيكونوميست).

– تزايد أعداد الداخلين إلى #سوق العمل والذين تقدر أعدادهم ما بين 250 إلى 300ألف شخص سنوياً.

– انقطاع الطرق وصعوبة الوصول إلى أماكن العمل مع استمرار المعارك في محيط المنشآت والمصانع والمؤسسات مما دفع بالعاملين لترك أعمالهم.

– ترك أعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين وظائفهم خوفاً من سوقهم إلى التجنيد الاحتياطي وبالتالي تحولهم إلى عاطلين عن العمل.

وإذا اعتمدنا أن معدلات البطالة الآن تناهز 60% فإن ذلك سيترك أثار سلبية على المستوى المعيشي لأكثر من 12.2 مليون شخصباحتساب معدل الإعالة وجعلهم قريبين من خط الفقر.ص4

بطالة الشباب معضلة حقيقية

وتعتبر فئة #الشباب هي الأكثر تضرراً والأقل حيلة في الحصول على فرص عمل داخل البلاد مع استمرار الأزمة وتداعياتها السلبية على واقع النشاط الاقتصادي للبلد.

فقد بلغ معدل البطالة لدى الشباب 20% عام 2010 ليرتفع إلى 35.8% عام 2011، أي بنسبة زيادة بلغت 70% بحسب مدير الإحصاءات الاجتماعية والسكانية في المكتب المركزي للإحصاء، ثم ارتفع لأكثر من 73% عام 2014 ذلك أن #سوق_العمل تشهد سنوياً دخول الآلاف منهم إليها نتيجة تخرجهم من الجامعات والمعاهد ومع قلة المشاريع الاستثمارية المنفذة والتي عادة ما توفر فرص عمل جديدة داخل الاقتصاد الوطني تصبح المعادلة غير متساوية الطرفين حيث يزداد عرض العمل وينخفض الطلب عليه ليرى الشباب نفسه أمام معضلة حقيقية.

اقتصاد محطم وآثار سلبية مستفحلة للبطالة

في اقتصاد خسر عقوداً من التنمية وتراجع فيه حجم الناتج القومي من حوالي 60 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 16 مليار دولار عام 2015، تبدو بصمات الأزمة واضحة على معدلات النشاط الاقتصادي باتجاه خفضها بنسب عالية جداً أدى إلى تراجع وتيرة الأنشطة الخدمية والإنتاجية معاً وتوقفها في أحيان ومناطق عديدة لتلفظ بذلك عامليها نحو شبح البطالة المخيف، أمام تراجع الإنفاق الحكومي والاستثمارات العامة في القطاعات التابعة لها والتي كانت تستوعب سنوياً جزءاً لا بأس به من الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

وعلى ذلك، فقد أشارت منظمة #إسكوا أن هذا الأمر لا بد سيفضي إلى تزايد نسبة الفقر في سوريا مع استمرار النزاع الدائر لتصل إلى أكثر من 90% من مجموع السكان بعد ان كانت 18% في عام 2010، وظهور مظاهر غريبة داخل المجتمع كالالتحاق بالجماعات المسلحة سعياً وراء المعاش والسطوة وانتشار السرقة والنهب العشوائي وغير العشوائي وتجارة المواد غير المشروعة والتهريب واستنزاف مقدرات وثروات الشعب والمتاجرة بها بأبخس الأثمان ويمكن تلخيص الآثار الناجمة عن البطالة خلال سنوات الأزمة بما يلي:

الآثار الاقتصادية

– تدني #الناتج_القومي نتيجة وجود موارد بشرية قادرة على الإنتاج لكنها معطلة. وبالتالي حرمان الاقتصاد الوطني من قوى عاملة يمكن أن تساهم في تنميته وتطوره.

– تدني المستوى المعاشي للسكان نتيجة فقدانهم لمصدر الرزق الأمر الذي قد يدفع بهم نحو عتبات الفقر.

– إرتفاع معدلات #الفقر نتيجة انخفاض حجم الدخل القومي وتراجع القدرة الشرائية لدى قطاعات واسعة من السكان بسبب ارتفاع معدل الإعالة (4 أشخاص لكل عامل).

– انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتراجع مستويات الأداء فيه وسوء توزع الثروة الوطنية بين طبقات المجتمع.

– خسارة الاقتصاد الوطني للكفاءات والمؤهلات العلمية وهجرة الأدمغة والعقول السورية إلى الخارج نتيجة عدم توافر فرص العمل المناسبة وبالتالي غياب ظروف العيش الكريم.ص8

الآثار الاجتماعية

– انهيار القيم والأخلاق لدى العاطلين عن العمل الأمر الذي قد يدفع بهم نحو العمل في قطاعات مشبوهة ومؤذية اقتصادياً واجتماعياً.

– البطالة تقود إلى الانحراف والتشتت النفسي، وإلى حالات إنسانية متردية وأحياناً سلوك إجرامي وعدواني تجاه المجتمع وفي ظروف الحرب الدائرة قد تدفع إلى الإنخراط في صفوف الجماعات الإرهابية والتكفيرية المسلحة.

– تقود البطالة أحياناً إلى تفكك الروابط الأسرية نتيجة عدم قدرة العاطل عن العمل على تأمين الدخل الكافي لإعانة أسرته على العيش.

– انتشار ظاهرة عمل #الأطفال بهدف مساعدة الأهل في توفير دخل للعيش أمام صعوبات عدم إمكانية توافر عمل لمعيلي الأسر مما قد يحرمهم من طفولتهم ومن التعلم وما يحمله ذلك من آثار على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم فيما بعد.

– تأخر سن الزواج وإرتفاع نسبة العنوسة وتنامي ظاهرة الأمية داخل المجتمع مع ما تتركه هذه الظواهر من آثار سلبية على المجتمع وأفراده معاً.

في ظل الأزمة، كيف نكبح جماح البطالة؟

مع استمرار الحرب، لا يمكن الحديث عن أية إجراءات فعالة لتنشيط سوق العمل وتخفيض معدلات البطالة كون عملية الاستثمار وتأسيس المشاريع الإنتاجية والخدمية في القطاعات الاقتصادية المختلفة هي المفرخة الأساسية لفرص العمل ورفع الطلب على #الأيدي_العاملة وهذه المسألة تحتاج أولاً إلى سياسات مالية فعالة داخل بيئة استثمارية مستقرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وهذا ما يغيب عن الساحة السورية نتيجة استمرار الأزمة.ص7

وأمام هذا الوضع يمكنني أن أطرح بعضاً من المقترحات التي أرى من شأنها تخفيض معدلات البطالة أو كبح جماحها على أقل تقدير وهي:

– وضع الأسس والمعايير العلمية السليمة للشروع بسياسات مالية ناجعة تتعلق بالإنفاق العام من جهة وبالضرائب والرسوم على عمل القطاع الخاص من جهة ثانية كونه المشغل الأكبر للقوى العاملة.

– تقديم #القروض الإنتاجية والاستثمارية للقطاع الخاص وبتسهيلات مصرفية مغرية من ناحية سداد الأقساط أو معدلات الفائدة وخاصة للمشاريع الإنتاجية وربطها بمستويات التشغيل وفرص العمل التي يمكن أن توفرها وأعداد العاملين الذين يمكن استيعابهم فيها.

– تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج في المعامل والمصانع ولمعظم القطاعات داخل الاقتصاد الوطني بما سيضمن عودة عجلة الإنتاج للدوران ويزيد من معدلات الربحية فيها وبالتالي سيشكل رافعة لحجم الطلب على العمل وتوقفها عن صرف العاملين من العمل وخاصة في القطاع الخاص.

– التركيز على تقديم التسهيلات اللازمة لتأسيس المشروعات الصغيرة التي قد توفر دخولاً للبعض فتساهم في تنشيط الأسواق وتحريك عجلة الإنتاج مما سيدفع نحو رفع حجم الطلب على العمل وخاصة في الأرياف التي تتمتع ببعض الأمان والاستقرار على خلاف المدن الكبيرة غير المستقرة أمنياً.

– النأي بالاستثمار الحكومي عن أية مشاريع استثمارية خدمية ضخمة وتوفير رؤوس الأموال تلك لإقامة #مشاريع إنتاجية تشكل بترابطاتها الأمامية والخلفية عاملاً لتأسيس مشروعات أخرى توفر فرص عمل جديدة.

– رفع حجم #الإنفاق العام ما أمكن وتخفيض معدلات الفائدة على القروض مما قد يزيد من القوة الشرائية لدى الأفراد ويشكل طلباً على السلع والمنتجات ويكون عاملاً محفزاً للمنتجين نحو زيادة معدلات الإنتاج وبالتالي يزداد طلبهم على اليد العاملة مع ضرورة الإشارة إلى توازن هذه السياسة كي لا ترفع من معدلات التضخم التي هي بالأصل مرتفعة جداً.

– التعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية نحو تفعيل عملها في المناطق الآمنة نسبياً وتوجيهها نحو تأسيس مشروعات إنتاجية لتشغيل العاملين مما يساهم في توفير مصدر للدخل فيساعدهم ذلك على تأمين احتياجاتهم اليومية والمعاشية من جهة ويقلل من نسب البطالة من جهة ثانية وذلك بدلاً من سياسات تقديم المساعدات العينية المباشرة التي تشجع على التسكع والكسل والتواني في البحث عن العمل.

– اتباع سياسات تعليمية مرتبطة بسوق العمل، وإخضاع العاملين إلى دورات تدريبية وتأهيلية مستمرة، لتغيير التركيب الهيكلي لقوة العمل بما يتناسب وحاجة المشروعات القائمة والتطورات الإنتاجية والتقنية فيها.

– تفعيل دور المؤسسات المدنية لتأسيس مشروعات صغيرة تتناسب مع واقع المناطق المعاش فيها توفر فرص عمل ولو بسيطة بهدف تشغيل أعداداً من العاطلين عن العمل وتوفير مصدر رزق لهم.

(أكاديمي وباحث سوري)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.