د. عبد الصمد اسماعيل*

ترتبط دول العالم مع بعضها البعض بشبكة معقدة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتبادلة، وبالرغم من أن العلاقات الاقتصادية تعتبر مسألة قائمة بحد ذاتها إلا أنه لا يمكن فصلها عن العلاقات السياسية والاجتماعية القائمة بين الدول.

وبذلك تتسع أو تتقلص العلاقات الاقتصادية الدولية تبعاً للسياسات الخارجية للدول تجاه بعضها البعض. هذا وقد أفرزت #الأزمة_السورية نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني بشكل خاص وعلى البلاد بشكل عام من حيث علاقاتها الخارجية وتعاطي الدول الأخرى مع معطيات الأزمة وخاصة الدول الغربية التي سارعت إلى فرض العديد من #العقوبات_الاقتصادية والساسية على #سوريا كان لها بالغ الأثر في تقلص حجم التجارة الخارجية، وانكشاف الاقتصاد السوري على بعض الدول كروسيا وإيران تحديداً، ما ترك آثاراً واضحة على الاقتصاد تمثل بانخفاض قيمة #الصادرات والواردات معاً وتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاعاً في مستويات #التضخم والبطالة.

ضعف الطاقة التصديرية للبلاد

ولما كانت #التجارة_الخارجية تظهر الحالة التنافسية للاقتصاد الوطني وقدراتها الإنتاجية سواء لجهة الصادرات أو لجهة الواردات، فإن مؤشراتها تعتبر مرآة تعكس مدى نجاع السياسات الاقتصادية المتبعة داخل الاقتصاد وقدرة قطاعاته الإنتاجية على العمل بكفاءة عالية.

ص1وعلى الرغم من توافر معظم مقومات نجاح التجارة الخارجية في سوريا من موارد اقتصادية زراعية وصناعية وسياحية وبشرية مع توفر ثروات نفطية كانت تجلب للاقتصاد الوطني مبالغ من القطع الأجنبي، إلا أن ذلك لم يساعد في تحسن صورة الميزان التجاري السوي على مدى عقود من الزمن. حيث تميزت بنية التجارة الخارجية بزيادة حجم المستوردات أمام ضعف القدرة التصديرية للبلاد لمسائل تتعلق بـ:

– ضعف القاعدة الصناعية والإنتاجية في البلاد وعدم قدرتها على تحقيق قيم مضافة حقيقية تمكنها من تصنيع المواد الأولية وإعادة تصديرها نتيجة المشاكل الكبيرة التي كان يعاني منها القطاع الصناعي وخاصة القطاع العام من اهتراء في الآلات والمباني وقدم خطوط الإنتاج وسوء الإدارة وضعف كفاءة المدراء العامين وتعيينهم على أساس الولاءات وليس على أساس الكفاءات.

– اختلالات هيكلية في بنية القطاع العام الصناعي (باستثناء قطاع الصناعة النفطية) نتج عنه سلبيات في الأداء وضعف في الإنتاجية وارتفاع في تكاليف الإنتاج مما قلل من قدراته التنافسية في الأسواق الخارجية.

– توجه #القطاع_الخاص الصناعي نحو الاستثمار في القطاعات سريعة الربحية وخاصة في الصناعات الاستهلاكية والبعيدة عن قطاعات الإنتاج المادي التي ترفع من القرات الإنتاجية والتنافسية.

– ضعف نوعية وجودة المواد المنتجة وبالتالي تكدس في المخازين أمام عدم التمكن من المنافسة في الأسواق المجاورة والعالمية.

– سوء الأداء الإداري والاقتصادي وتخبط في السياسات الاقتصادية المتعلقة بالتجارة الخارجية كتهعد القطع الأجنبي وربط الاستيراد بالتصدير والتوجه نحو تحرير التجارة الخارجية مما تسبب بأزمات حادة في قطاع التجارة الخارجية انعكست في صورة عجز متفاقم في الميزان التجاري.

– مكاشفة الاقتصاد الوطني على اقتصادات أكثر تطوراً منه كالاقتصاد التركي وتوقيع اتفاقيات تحرير التجارة الخارجية معه عام 2007 مما أضر بالقاعدة الإنتاجية داخل البلاد امام ضعف قدراته التنافسية معه ولا سيما في قطاعي الألبسة الجاهزة والمفروشات المنزلية.

– النسبة العالية من الصادرات السورية كانت تعود إلى حجم الصادرات النفطية (65%)مما جعل بنية التجارة الخارجية والميزان التجاري عرضة لتقلبات أسعار النفط والكميات المنتجة منه وهي سلعة ناضبة لا محال.ص3

تحسن نسبي في حجم التجارة الخارجية

منذ العام 2005 ونتيجة العديد من السياسات الاقتصادية وإقرار بعض القوانين المتعلقة بتحسين التجارة الخارجية فقد شهدت بنية الصادرات السورية نوعاً من التحسن في جهة الصادرات من السلع المصنعة ونصف المصنعةوتجسدت هذه السياسات في:

– إنشاء العديد من المؤسسات المتخصصة في التجارة الخارجية كهيئة تنمية وترويج الصادرات واتحاد المصدرين السوريين.

– إصدار وتحديث العديد من أحكام التجارة الخارجية بما يتناسب مع آليات التعامل الخارجي ويتناسق مع التعريفات الجمركية للبلدان التي يتم التهامل معها وخاصة دول الاتحاد الأوربي.

– السماح للقطاع الخاص بإستيراد معظم احتياجاته بعد أن كان ذلك محصوراً بمؤسسات القطاع العام مع إلغاء عمولة المؤسسة العامة للتجارة الخارجية على مستورداته وتمويلها عن طريق المصارف العامة.

– إزالة معظم الحواجز غير الجمركية كنظام الحصص وعمولات الجهات العامة وتعهذ قطع التصدير.

– إلغاء العمل بقاعدة ربط الاستيراد بالتصدير وتسديد قيمة فاتورة المستوردات عن طريق القطع الناجم عن التصدير.

– التوجه نحو تنويع بنية الصادرات السلعية وإعفاء المصدرين من شروط الحصول على إجازات التصدير.

– إعفاء الصادرات الزراعية من ضريبة الإنتاج الزراعي ومن ضريبة دخل الأرباح.

ساهمت تلك الإجراءات الحكومية في تحسن صورة التجارة الخارجية لسوريا في السنوات التي سبقت الأزمة حيث ازدادت خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2010، ففي حين بلغت الصادرات السورية 8.5 مليار دولار عام 2005 ارتفعت إلى 11.23 مليار دولار عام 2007 لتصل إلى 11.381 مليار دولار عام 2010 أي بنسبة نمو بلغ حوالي 34%.

ص4أمام ذلك بلغت قيمة المستوردات خلال نفس الفترة .10.11 مليار دولار عام 2005 لترتفع إلى 13.7 مليار #دولار عام 2007 ثم إلى 17.73 مليار دولار عام 2010 لتتراجع إلى دون 4.2 مليار دولارعام 2015 مما ترك عجزاً في الميزان التجاري السوري خلال الفترة المذكورة بشكل مستمر.

الأزمة تحطم أرقام التجارة الخارجية

تركت الأزمة آثاراً خطيرة وكارثية على مفاصل الاقتصاد الوطني وقطاعاته الرئيسية، وانعكست تداعياتها بالسرعة القصوى على قطاع التجارة الخارجية خاصة بعد قرار فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا ومنع التعامل التجاري معها من قبل #الاتحاد_الأوربي الذي شكلت نسبة التجارة الخارجية السورية معه 41% عام 2007 وصلت إلى 37% عام 2010 من إجمالي التجارة الخارجية في سوريا.

فقد تراجعت الصادرات السورية خلال سنوات الأزمة بنسب كبيرة حيث بلغت قيمتها عام 2011 حوالي 13.5 مليار دولار (كانت حصة روسيا منها 0.1% منها ) ثم تراجعت إلى مستويات متدنية أقل من 200 مليون دولار عام 2012 و2013، لتعاود الارتفاع منيجة تحسن المواسم الزراعية في عام 2014 إلى 1.3 مليار دولاروإلى1.2 مليار دولار مع نهاية عام 2015 أي سجلت تراجعاً بمقدار 90% نسبة لعام 2011.

أما الواردات فقد تراجعت أيضاً بأكثر من 75% فبعد أن كانت قيمتها الإجمالية 16.9 مليار دولار عام 2011 (كانت حصة #روسيا منها 13%) أصبحت بحدود 3.78 مليار دولار عام 2012 ثم عاودت الارتفاع منذ عام 2014 لتبلغ نحو 4.2 مليار دولار عام 2015.

المفارقة في حجم التجارة مع تركيا

ص5الأمر الملفت في مسألة التجارة الخارجية لسوريا، هي تزايد وانتعاش في حجم الصادرات التركية إلى سوريا، فقد بلغت هذه الصادرات بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة 1.8 مليار دولار عام 2010 مقابل 462 مليون دولار قيمة الصادرات السورية إلى تركيا، ولكن سرعان ما انهارت التجارة بين البلدين بعد اندلاع #الاحتجاجات، لتبلغ صادراتها إلى سوريا أقل من 500 مليون دولار عام 2012 مقابل 67 مليون دولار للصادرات السورية، وعلى الرغم من ذلك فقد عادت لتنتعش مرة أخرى خلال الأعوام اللاحقة لتتجاوز صادرات تركيا 1.9 مليار دولار مقابل 115 مليون للصادرات السورية، وذلك بسبب استمرار النشاط التجاري على طول الحدود، واستمرار القطاع الخاص السوري في علاقاته الاقتصادية مع الجانب التركي.

أسباب تراجع التجارة الخارجية خلال الأزمة

كانت سوريا تصدر قبل الأزمة الكثير من السلع والمواد المصنوعة ونصف المصنوعة إلى جانب #النفط كالملابس الجاهزة والسيراميك والأدوية والخضار والفواكه وزيت الزيتون واللحوم والفوسفات، لم تعد قادرة بعد انعدام الصادرات النفطية التي كانت تشكل أكثر من 40% من إجمالي الصادرات قبل الأزمة حتى على تصدير #الفوسفات التي كانت تعتمد عليه حتى بداية عام 2014 قبل أن يقع معمل خنيفيس للفوسفات في ريف حمص تحت أيدي الجماعات المسلحة والذي كان يتصدر قائمة الصادرات خلال فترة الأزمة تلاه التفاح ثم زيت الزيتون في حين تصدرت السلع الضرورية قائمة المستوردات السورية بعد اتباع سياسة ترشيد المستوردات حفاظاً على كمية القطع الأجنبي في البلاد فجاء السكر الأبيض أولاً ثم القمح تلاهما الحديد وذلك بسبب ضعف الدخول المحلية وانتشار البطالة مما دفع بميل الاستهلاك نحو السلع الضرورية على حساب تراجع السلع الأخرى كالآلات والمعدات ووسائل النقل والأجهزة الإلكترونية.

ص8وتعود أهم أسباب التراجع في حجم التجارة الخارجية في سوريا خلال سنوات الأزمة إلى ما يلي:

– الاضطرابات السياسية وعدم استتباب الأمن والتي تطورت إلى مواجهات عسكرية ومعارك مدمرة لبنية الاقتصاد الوطني

– العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية والاتحاد الأوربي على الحكومة ومنع التعامل التجاري والمالي معها وتجميد أرصدة مصرف سوريا المركزي لديها والذي كانت دوله تشكل الشريك الاقتصادي الأقوى لسوريا. (تراجعت نسبة المستوردات السورية من 24.6% عام 2010 إلى 16% عام 2012).

– تراجع القدرة الإنتاجية للبلاد مع التدمير والخراب الذي لحق بعظم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية نتيجة العمليات العسكرية والقصف المستمر مما ادى غلى إغلاق الكثير من المنشآت الصناعية وترك العاملين أعمالهم وأشغالهم نتيجة النزوح أو خطورة الوصول إلى أماكن العمل.

– ارتفاع كلف الإنتاج والتصدير وتكاليف النقل مع صعوبة إيجاد طرق آمنة لنقل البضاعة وانعدام الطاقة الكهربائية، أمام ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري (الديزل والفيول) ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد المنتجة وبالتالي أضعف من قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية والمحلية.

– سيطرة الجماعات المسلحة على معظم المنشآت النفطية في البلاد وخروجها من تحت سيطرة الحكومة الأمر الذي قلص من حجم الصادرات النفطية ووارداتها والتي كانت تشكل النسبة العظمى من التجارة الخارجية في سوريا.

– خروج الكثير من المعابر الحدودية من تحت سيطرة الحكومة وبالتالي صعوبة إيصال شحنات الإستيراد والتصدير من وإلى البلاد براً، وبالتالي الاعتماد على النقل الجوي لبعض السلع كالملابس وهي عملية مكلفة جداً، أو على النقل البحري وهي عملية مضنية من حيث الوقت والكلفة أيضاً.

– قطع العلاقات التجارية مع بعض الدول العربية التي كانت شريكاً تجارياً جيداً لسورية ولا سيما #السعودية والعديد من الدول الخليجية الأخرى التي كانت تعتبر سوقاً هامة للمنتجات الغذائية والنسيجية السورية.

عجز الميزان التجاري يسبب تدهور قيمة الليرة

عجز الميزان التجاري رقمياً يعني زيادة إجمالي قيمة المستوردات عن إجمالي قيمة الصادرات الوطنية، أما اقتصادياً فإنه يعطينا صورة واضحة عن ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني وضعف في قدراته التنافسية في الأسواق الدولية، وإن تزايد العجز في الميزان التجاري لا بد وأن يترك آثاراً سلبية على الاقتصاد تتمثل بتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع مستويات الأسعار، وتقلص الاحتياطيات الوطنية من القطع الأجنبي نتيجة استخدامها في تمويل المستوردات، وبالتالي حاجة الاقتصاد الوطني إلى الاقتراض من الخارج مع تلاشي التدفقات المالية إلى داخل البلد كالاستثمارات المباشرة أو تحويلات المقيمين في الخارج، فضلاً عن تراجع قدرة المنتجات الوطنية على منافسة نظيراتها الأجنبية في عقر دارها.ص6

وقد وصل العجز في الميزان التجاري السوري عام 2007 لحدود 2.1 مليار دولار ارتفع إلى 4.5 مليار دولارعام 2010 وإلى 3.4 مليار عام 2011، ثم وصل إلى 3.1 مليار عام 2015 وقد انخفض هذا العجز خلال سنوات الأزمة ليس بسبب تحسن القدرة التصديرية للبلاد بل بسبب تراجع حجم التجارة الخارجية السورية إذ وصلت لأقل من 1 بالعشرة آلاف من حجم التجارة العالمية نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية وضعف الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني وهروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الدول المجاورة.

الخاتمة والمقترحات

تشكل الصادرات خزان القطع الأجنبي بالنسبة للاقتصادات، مما يساهم في تمويل المشروعات الاستثمارية والتنموية داخل البلاد، فضلاً عن تمويل المستوردات المختلفة وتأمين حاجة الاقتصاد الوطني من السلع والمواد الرئيسية والضرورية لرفع الطاقة الإنتاجية ومستوى الأداء الاقتصادي.

وفي ذلك يمكن تقديم المقترحات التالية:

– الاستفادة في الوقت الحالي من الميزة التنافسية للاقتصاد السوري كتنمية الصادرات من الألبسة الجاهزة والسلع الزراعية بعد تحسن المواسم خلال السنوات الثلاث الماضية.

– تقديم الدعم اللازم للصناعات التصديرية وتوفير احتياجاتها من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج لرفع حجم الصادرات السلعية بعد انعدام صادرات النفط.

– إلغاء جميع إجراءات تقييد التصدير وتخفيض رسوم الصادرات ما أمكن وتسهيل عمليات التصدير وتحصيل قيمتها وتسليمها بالسرعة القصوى للمصدرين.

– التشدد في العقوبات القانونية على كل #تاجر مصدر يسئ إلى سمعة الصادرات السورية بشكل أو بآخر.

– ضرورة سعي الحكومة السورية لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ولو جزئياً بشكل يضمن تصدير السلع والمنتجات ويسهل عملية تحصيل قيمتها مالياً عن طريق المصارف.

– التوقف عن تمويل العمليات العسكرية لأنها تستنفذ ما تبقى من طاقة الاقتصاد وإمكانياته المالية وتحويلها إلى الاستثمار في المشروعات الإنتاجية التي ترفع من الطاقة التصديرية، وذلك بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة والبدء بعملية إعادة الإعمار قبل فوات الأوان.

(أكاديمي وباحث سوري)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.