عمار الحلبي – اسطنبول:

هرع إلى غرفته في #مركز_الإيواء مسرعاً وبيده مصنّف مكتوب عليه بلغة أجنبية ثم صاح بصديقه: “وأخيراً.. لقد حصلت على الإقامة”.

 

ظن اللاجئ السوري “عصام الكردي 27 عاماً” ان جميع المشاكل اللوجستية انتهت في #بلد_اللجوء بحصوله على تلك #الإقامة، لكن هذا الظن ما لبث أن تبدد، بعد أن شقَّ طريق رحلته الشاقة مع البحث عن منزل مستقل لاستئجاره.

ستة أشهر من البحث بمقاطعة “#هانوفر” شمال #ألمانيا دون جدوى، بسبب عدم معرفته باللغة الألمانية، وجهله بثغرات البلاد وتفصيل الحصول على #منازل من #شركات_الآجار المختصة بتأجير المنازل نادرة الوجود أساساً، حيث تشهد هذه الشركات طفرة غير مسبوقة تزامناً مع موجة اللجوء التي زادت الطلب عليها.

اضطر الكردي بنهاية المطاف لاستئجار منزل “بالأسود” أي على اسم شخص آخر قام بتأمين المنزل له لمدة سنة واحدة مقابل حصوله على 1500 #يورو “لقاء سمسرته بتأمين هذا المنزل”.

حكاية الكردي ما كانت لتبرز لولا وجود أشخاص من أبناء جلدته، لديهم خبرة عالية بتفاصيل الشركات الألمانية ولغتها، يقومون باستغلال #اللاجئين الجدد عن طريق استئجار منزل على أنه لهم ليقوموا بتأجيره مرة أخرى للاجئ جاهل بأمور البلاد، ولمدة سنة أو سنتين لقاء حصوله على مبلغ يتراوح بين 700- 2000 يورو.

شبكات عربية وسورية

بدأت موجة اللجوء الفعلية إلى #أوروبا منتصف عام 2012، أي أن أوروبا استضافت الدفعات الأولى للاجئين من ثلاثة سنوات ونصف، فيما لازالت تستمر باستضافة لاجئين جدد حتى اليوم وإن كان بوتيرة ضعيفة، وبالتالي فإن هذه الدول تحتوي على نوعين من اللاجئين، الأول تعلّم لغتها وثقافتها، واندمج بسوق العمل وبات يعرف معظم ثغراتها، أما الثاني فيجهل بكل ما سبق ذكره.

هذا الواقع فتح الباب أمام بعض اللاجئين القدامى لاستغلال الجدد الحاصلين على الإقامة حديثاً، لاستئجار منزلاً على اسمهم من إحدى الشركات المختصة بتأجير المساكن سواء لسكانها الأصليين أو للوافدين الأجانب، ثم يقوموا بتأجير هذا المنزل للاجئ جديد لا يعرف كيفية الوصول إلى هذه الشركات عبر القنوات الرسمية، ويحصلون على مبالغ كبيرة إضافة لاجرة المنزل الأصلي، ولمدة سنة أو سنتين وفي حال احتاج اللاجئ تجديد عقد الآجار عليه العودة للاجئ الذي منحه إياه على اسمه وفق ما يكشف هذا التحقيق.

كل ذلك يتم في دولتين رئيسيتين ” #ألمانيا و #السويد” الدولتين الأكثر استضافة للاجئين السوريين من حيث العدد، واللتين شملتهما عينة البحث في هذا التحقيق.

يقول فراس ديب، الناشط السوري المقيم بمدينة “مالمو” جنوب السويد لموقع ” #الحل_السوري” ، “إن معظم الشبكات تحمل إما الجنسية السورية أو #العراقية، ويضيف ديب أن السمسار الذي يستغل اللاجئ السوري سيكون حتماً قادر على تحدث العربية، ليتمكن من إقناعه بأن استئجار المنزل بطريقة نظامية عملية معقدة وتحتاج إلى كثير من الوثائق.

يستشهد ديب على إحدى المواقف التي شهدها هو، بأن لاجئ سوري من محافظة #درعا، استغل لاجئ من #حمص، وأقنعه بأن الإقامة لا تكفي لحصوله على منزل، وأنه بحاجة للكثير من الوثائق من بينها حساب بنكي ولا حكم عليه من السلطات السويدية، علماً أن كلامه غير حقيقي إلا أنه نجح بابتزاز اللاجئ وأخذ منه مبلغ 8000 #كرونة “حوالي 730 يورو” مقابل منحه منزل لمدة سنة قابلة للتجديد لقاء المبلغ ذاته.

احتيال فوق السمسرة

تندب عبير المصري حظّها بسبب عملية الاحتيال التي تعرضت لها، عبير لاجئة سورية من حلب قدمت إلى مقاطعة هامبورغ بألمانيا مع أولادها الثلاثة مطلع شهر11 من العام الماضي، حصلت الشابة السورية البالغة من العمر34 عام على الإقامة بعد أربعة أشهر، فتعرّفت إلى سمسار عراقي أمّن لها منزلاً مع حديقة صغيرة لأطفالها في احد الأحياء على أطراف المقاطعة.

تقول المصري لموقع ” #الحل_السوري”: “دفعت له 650 يورو لقاء تأمين المنزل، كان يتحدث الالمانية بطلاقة، بعد 22 يوماً على إقامتي به تفاجئت بدخول عائلة سورية إلى المنزل ومعها عقد آجار من الشركة، وأخبرتني بضرورة مغادرتي من المنزل فوراً لأنهم يريدون العيش به”.

حاولت عبير الاتصال بالسمسار أكثر من مرة دون جدوى، فعلمت أنها تعرضت لمحاولة احتيال، تضيف عبير أنه بعد أكثر من شهر علمت أن الشخص العراقي أجرها المنزل على اسمه لمدة عام ولكن مدة الآجار التي من حقه بالشركة هي شهر واحد فقط.

غياب القوانين

في ألمانيا، ينتشر هؤلاء السماسرة بأريحية أكثر من نظرائهم بالسويد وذلك بسبب العدد الهائل للاجئين هناك وحاجتهم لمنازل من جهة، ومن جهة أخرى فإن معظم اللاجئين هناك يبحثون عن مساكن في مراكز المدن الكبرى مثل “برلين العاصمة، ميونخ، هامبورغ” وغيرها بسبب تواجد مراكز العمل والاندماج والدراسة، غير أن هذه المدن تشهد كثافة سكانية كبيرة، ويقل بها عدد المنازل، وهو ما يعطي السماسرة هامش حرية أكبر.

يقول المحامي السوري المقيم في #ألمانيا واصل معّاذ في حديث لـ” #الحل_السوري” إن دول ألمانيا والسويد أو غيرها على حد سواء لا يوجد فيها قانون محدد وصريح لردع هؤلاء #السماسرة، ويستند معّاذ في قوله إلى عدة أسباب أهمها، عدم قدرة كثير من اللاجئين على تقديم الشكوى لأنهم متورطون بعملية استئجار منزل بشكل غير قانوني، إضافة لصعوبة اللغة والتواصل كون الضحية هنا هو لاجئ جديد ليس لديه خبرة كافية لتقديم الشكوى، ويضاف لذلك عدم قدرة السلطات الألمانية أو السويدية على النزول إلى الشارع والبحث عن شخص يعرض منازل لتأجيرها للاجئين بالأسود، كون الضحية لا بتلّغ عن حالة الاحتيال في الغالب.

ويقترح المحامي في هذه الحالة تأسيس شركات متخصصة بتأجير المنازل يتحدث موظفوها العربية ونشر عناوينها بين اللاجئين لتأمين منزل لهم بشكل قانوني، يردف معّاذ: “صحيح أنها مهمة صعبة لكنه الحل الأمثل في المرحلة الحالية، إذ أن عدم إقدام اللاجئ على تقديم شكوى ضد السمسار سيزيد المشكلة تعقيداً”.

إجراءات وقائية

رصد موقع “الحل السوري” سلسلة إجراءات أهلية قام بها #اللاجئون_السوريون أنفسهم للحد من سلطة السماسرة، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي نشطت أكثر من 12 صفحة متخصصة بهذا الغرض وتحمل عناوين مختلفة منها: “سكن اللاجئين في #برلين، بيوت دون كمسيون في #ميونخ، سوق عقارات اللاجئين”

إضافة لذلك بدأت الجمعيات الخيرية والمؤسسات المعنية بمساعدة اللاجئين في ألمانيا بمحاولة تأمين سكن لعدد محدود من اللاجئين الحاصلين على إقاماتهم حديثاً عن طريق خبرتهم بشركات التأجير وعلمهم باللغة وطريقة الحصول على المنزل بحكم أنهم مواطنون ألمان أساساً.

هذه المحاولات الخجولة حلّت جزءاً من المشكلة وليس كلها، بحسب ما يشير اللاجئ عبد الفتاح أمونة لـ”الحل السوري”، ويقول اللاجئ أن عدداً لا بأس به من اللاجئين من أصدقاءه تمكن من الحصول على منزل عبر الجمعيات الألمانية، لكنه أوضح أن بعض اللاجئين يتراجعون عن أخذ المنزل لأسباب شخصية وبحجج مختلفة، فالبعض منهم يرفض المنزل لأنه لا يحوي حديقة لأطفاله الصغار وآخرون يرفضونه لأن منطقته بعيدة عن مركز المدينة، وبالتالي يخوضوا رحلة تأمين منزل بديل بمفردهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.