عمار الحلبي- طرطوس:

ألسنة اللهب تتصاعد منذ عدة أيام دون أدنى محاولة لإطفائها، أشجار “الصنوبر والسرو والسنديان” التي يبلغ عمرها مئات السنين تتعرض لإبادة حقيقية بسبب “ارتفاع درجة الحرارة”، النيران تأكل الغابات الخضراء، هذه الرواية التي تحدتت عنها وسائل الإعلام، خلال تغطيتها لحرائق مدينة #مصياف التي تزامنت مع حريق ” #العصرونية” الضخم في واحد من أهم أسواق #دمشق القديمة.

 

موقع ” #الحل_السوري” حلل مكان الحرائق وأجرى سلسلة لقاءات مع مواطنين بمنطقة مصياف ليتبين أن للحرائق رواية أخرى يتم كشفها في هذا التحقيق.

القصة الكاملة

في ليل 21 من الشهر الماضي، تصاعدت ألسنة لهب من منطقة “البستان” بريف مدينة مصياف الجنوبي، تبعها سحابة دخان سوداء غطّت كل معالم المنطقة السياحية، والتي تحتوي على آلاف الدونمات من الغابات الخضراء، #الحريق لمدة 24 ساعة حتى تحرّك فوج إطفاء حماه لإخماده دون جدوى، بسبب استفحال النيران التي امتدت إلى الحدود الإدارية مع #طرطوس، ما دفع محافظة #حماه للاستعانة بأفواج الإطفاء في #حمص و #اللاذقية وطرطوس، حيث تمكنوا من إخماد الحريق بعد أن ارتكبت الحرائق مجزرة حقيقية في الغابات الخضراء.

بعد ساعتين فقط، نشبت ثلاث حرائق في المنطقة ذاتها، وبدأت من الغابات التي لم تتضرر من الحريق الأول لتلتهم آلاف الأشجار وحوالي 450 دونم من المساحة الخضرا في قرى “البستان، #دير_الصليب، و #الصومعة”، واستمر هذا المسلسل حتى مطلع شهر أيار الجاري.

وسائل الإعلام والمسؤولون السوريون بمحافظة حماه زاروا مكان الحرائق وتم توجيه اتهامهم للحرارة المرتفعة التي اشعلت النيران.

مسلسل سنوي

راجع موقع الحل السوري الحرائق التي ضربت المدينة خلال السنوات الخمس الماضية، فتبيّن أن شهري نيسان وأيار يشهدان حرائق ضخمة ومشابهة من كل عام، نتيجة تزامن هذه الأشهر مع موسم التحطيب و #الفحم، حيث يتم الحصول على أجود أنواع الفحم الخاص بالشواء والنرجيلة من أشجار “السنديان والصنوبر والسرو” ما يشير إلى أن الحريق تم بفعل فاعل، ففي عامي 2015 و2014 شهدت المناطق ذاتها حرائق مشابهة لذلك الحريق الذي شب بقرى المدينة، وفقاً لتوثيق أرشيف الصحف السورية الثلاثة بدمشق والتي راجعها بدقة موقع “الحل”.

التقينا بالمزارع “عمار م” من ريف مصياف، تحدث الرجل مطوّلاً عن عمليات الحرائق فأرضه التي يزرعها بأشجار السنديان كانت إحدى المزارع التي تضررت من هذه الحرائق.

يقول “عمار م”في حديث لـ #الحل_السوري أن “العام الماضي شهد حرائق مشابهة وأكثر ضراوة التهمت العديد من الأراضي ومن بينها أرضه، لكن الإعلام لم يغطيها”، موضحاً أن “هذه القترة من كل عام تعتبر فترة مناسبة للتحطيب بشكل عام، وموسم الفحم بشكل خاص، والتي تجني الكثير من الأموال على تجارها”.

لا حرارة في الليل

في ليل الحادثة كانت درجات الحرارة متوسطة، وفي الليل أيضاً اندلعت جميع الحرائق التي قيل إن سببها ارتفاع درجات الحرارة، وأشعة الشمس، ما يشير إلى أنها حتماً تمت بفعل فاعل، ولا سيما أن الموجة الأخيرة من الحرائق التي شبّت نهاية الشهر الماضي، بدأت شرارتها الأولى بعد منتصف الليل.

يتحدث مواطن في قرية البستان، منزله قريب على الحرائق، بأن أول حريق اندلع ليل 21 من شهر نيسان، بدأت أولى ألسنته تماماً في الساعة 2 وربع بعد منتصف الليل، ويضيف بأن الأجواء في ذلك الوقت كانت باردة، حتى أن المواطنين لا يستطيعون الخروج دون لباس سترة أو جاكيت لأن الجو كان بارداً بشكل واضح ولا سيما في ساعات الليل المتأخرة.

هذه الشهادة يدعمها أكثر الصحافي السوري المقيم في مصياف عمر عبد الله والذي يكنّي نفسه “عمر دير ماما” نسبة لإحدى مدن مصياف، حيث كتب دير ماما على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عدة تدوينات مرفقة بصور حية عن حرائق مصياف وكتب في إحداها:

“هل نشكو الدولة لـ الدولة؟.. هيك حالة البلد … يُقال لك خلصِت الحريقة”.

أو إنطفت الحريقة و الحقيقة : خلصِت الأشجار، الفحم المخلوط من أشجار السرو والسنديان والصنوبر”.”

“انتهت الحرائق بنتيجة 10 -0 لصالح تجار الفحم و مُستصلحي الأراضي ومُمَثلي مصياف في دمشق”.

إقرار

في أول إقرار رسمي على الحادثة، قال موفق السباهي مدير #الحراج في #زراعة_حماه، “أن الحرائق التي اندلعت في مصياف جميعها تمت بفعل فاعل بكل تأكيد”، وأضاف أن هناك دليل على ذلك وهو نشوب الحريق الساعة التاسعة والنصف ليلاَ ولا يوجد في الموقع أي أثر لمكب نفايات”.

وتابع صباهي في حديثه لصحيفة “البعث” المحسوبة على النظام: ” بعد إن قمنا بإطفاء الحريق الأول اندلع حريق ثاني فوراً بنفس المكان، فأطفأناه فاندلع حريق ثالث، ما يشير لتورط فاعلين خلف الحريق” لكنه لم يسمي أي جهة بعينها.

يشاطره الرأي رئيس مجلس مدينة مصياف محمد الشيخ الذي جزم افتعال الحريق، حيث قال: “ما يؤكد ذلك أن الاستعدادات لإخماد الحرائق تبدأ في شهر أيار لذلك افتعلوه قبل أيار بأيام”.

وتابع الشيخ: “الفاعل استغل الظروف الجوية وهبوب الرياح الشديدة وأيام العطل ليقوم بالحرق وذلك بعد أن كان قد قطع الأشجار ولم يبقى إلا جذور الأغصان والأوراق التي تصبح كالبنزين سريعة الاشتعال بعد يباسها”.

لماذا مصايف؟

تعتبر مدينة مصياف من أكثر مناطق سوريا احتواءً للحراج والأشجار الخضراء، ولا سيما السرو والصنوبر والسنديان.

يقول المهندس الزراعي يحيى الأشقر لـ موقع #الحل_السوري: “هذه الأشجار التي يبلغ عمرها آلاف السنين تعتبر ثروة لتجار الحطب والفحم على مرحلتين، الأولى بقطعها والاستفادة مع أغصانها في التحطيب، حيث يعتبر خشب السرو الصنوبر الأفضل عالمياً للاشتعال، أما المرحلة الثانية فتنطوي على إضرام النار بجزوع الأشجار المتبقية لتتحول إلى فحم”.

وتابع الأشقر: “من منا لا يعرف جودة فحم السنديان الذي يستخدم للنرجيلة والشواء وثمنه باهظاً”.

خسائر لا تعوّض!

في ظل غياب الإحصاءات الرسمية عن حجم تضرر الحراج في #سوريا خلال الحرب، صدرت قبل فترة دراسة يتميمة بعنوان تقييم حساسية القطاع الحراجي في سورية، وخلصت إلى أن القيمة المادية للغابات في سوريا بلغت بحدود 43 مليار #يورو.

في الوقت ذاته صدر عن مديرية الحراج في #وزارة_الزراعة تقييماً للحرائق، فمنذ بدأ الحرب اندلع 1548 حريقاً 98% منها مفتعلاً، التهمت بحسب البيانات التي جمعها موقع “الحل السوري” أكثر من 68 ألف دونم من الغابات الخضراء، معظمها كان بمنطقتي مصياف و #الغاب، ويشير تقرير آخر صادر عن منظمة “يو إن بي دي” إن معظم الحرائق تمت بفعل البشر.

“إنها أكبر الخسائر التي تشهدها سوريا” هذا ما يقوله المزارع السابق والخبير في الحراج “يونس قورقلي” الذي يوضح أن “استمرار الحرائق المفتعلة بهذه الوتيرة لعامين إضافيين من شأنه أن يزيل المساحة الخضراء عن الجغرافية السورية لسببين، الأول أن الحرائق تلتهم جذر الأشجار ما يجعل مهمة النمو من جديد غاية في الصعوبة، والثاني وجود بيئة مناسبة للتصحر في المناطق التي تشهد تلك الحرائق، وفي حال امتد التصحر يستحيل إعادة زراعة هذه المناطق لأنها مكلفة جداً وتحتاج لعشرات السنين”.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.