سارة العمر

خطت مديرية التربية في مناطق مدينة #حلب الواقعة تحت سيطرة قوات #المعارضة مؤخراً، خطوة وصف بالجريئة باتجاه استقلالية العملية التعليمية في المدارس، إذ أعلنت الانفصال الإداري لما تبقى من المدارس عن مديريات التربية التابعة لحكومة #النظام، وجعلها  تابعة إدارياً وتعليمياً لها، حيث ظلت في السابق ممسكةً ببعض الخيوط التي تربطها بتلك المدارس، من خلال إبقاء المعلمين تحت جناح مديريات #التربية واستمرارها بصرف رواتبهم.

 

وفقاً للقرار الأخير، قامت المديرية بسحب الأختام من المدراء السابقين، وكلّفت مدراء من قبلها بإدارة  تلك المدارس، وأعنت عن السماح للموظفين في المدارس والمجمع التربوي المرتبط بالنظام بوضع أنفسهم تحت تصرف #مديرية_التربية_والتعليم_الحرة، ليتم إعادة تكليفهم حسب الشواغر الموجودة، مشيرة إلى أنها لن تسمح  للمدرسين الذين ليس لديهم نصاب تعليمي بدخول المدارس وذلك تحت طائلة المساءلة قضائياً.

وأثار القرار الأخير حفيظة عدد من المعلمين بسبب تخوفهم من انقطاع مصدر رزقهم.

يوضح مدير التربية والتعليم في مدينة حلب محمد مصطفى لموقع #الحل_السوري “أن قرار ضم المدارس المرتبطة بالنظام إلى ملاك التربية الحرة “جاء بهدف ضبط العملية التربوية في المناطق المحررة، ودحض مزاعم النظام التي يدعيها أمام الأمم المتحدة بأنه يدير التعليم في مناطقنا”.

ويضيف إن “نسبة المعلمين المرتبطين بالنظام، لا تزيد عن عشرة بالمئة من نسبة المعلمين إجمالاً في المناطق المحررة” مؤكداً أنه “سوف يتم استيعابهم ضمن ملاك التربية الحرة إن رغبوا بذلك دون إجبار، وإن قرروا الالتحاق بالنظام، فإن لدينا إمكانات بشرية وأكاديمية لسد النقص الحاصل إذ إن نسبتهم لا تكاد تذكر أصلاً”.

ويوضح أن القرار “لن يمنع المعلمين من ممارسة عملهم مع استمرار تقاضيهم للرواتب من النظام، إلا أنه يمنع الفائض؛ ممن لا يقومون بأي عمل تعليمي ويدخلون المدارس شكلياً، وفي حال انضمامهم إلى ملاك مديرية التربية والتعليم الحرة، فستكون لهم كافة الحقوق والواجبات التي لزملائهم في الملاك نفسه”.

وفي ظل انتشار #تزوير_الشهادات، وانخفاض نسبة الكفاءات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يؤكد مصطفى أن “المديرية لا تكتف بوجود الشهادة، إنما تعتمد على إجراء اختبار معياري للمعلم المتطوع قبل اعتماده يثبت فيه كفاءته العلمية”.

مدارس مؤقتة

هذه التطورات جاءت متزامنة مع الأوضاع المأساوية التي تعيشها المدينة من قصف ومستمر وتدمير ممنهج للمدارس وضعف للإمكانيات المادية .وتتولى مديرية التربية والتعليم في محافظة حلب، والتابعة لمجلس مدينة حلب الحرة، مسؤولية سير العملية التعليمية في كافة مناطق حلب وريفها، منذ عام 2013، وارتكزت جلّ مهامها منذ ذلك الحين على إعادة تأهيل #المدارس، وتوحيد العملية التعليمية في المناطق المحررة، بالتعاون على مجالسها المحلية، إضافة إلى اتخاذ الاجراءات التي تجنب المدارس القصف وحدوث مجزرة.

ومن هذا المنطلق قامت المديرية باتخاذ مدارس مؤقتة، عبارة عن شقق سكنية تستقبل أعداداً أقل من الطلاب، وتؤمن لهم أماناً نسبياً. كما قامت بتأهيل عشرات الأقبية والطوابق السفلية ليتم التدريس فيها عوضاً عن الطوابق العليا.

ويشكل القصف المستمر على المدارس والأحياء السكنية، العائق الأكبر في وجه العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما أكدته رئيسة المكتب التعليمي في المجلس المحلي إيمان الهاشم لموقع الحل مبينةً وجود 160 مدرسة يشرف عليها المجلس المحلي للمدينة، تعمل رغم ظروف القصف المستمرة، التي تؤخر العملية التعليمية والخطة الدراسية وتشتت أذهان الأطفال نتيجة للتقطع المستمر في الدوام والدروس.

وتشير الهاشم إلى أن المناهج التعليمية المعتمدة في جميع المدارس المحررة في مدينة حلب وريفها “هي عبارة عن المناهج السورية الرسمية مع بعض التعديل في الشكل وبعد حذف مواد مثل التربية القومية وكل ما يتعلق بنظام الأسد وحزبه”.

معلمون صامدون

“نحو  1500 معلم سوري يعملون اليوم في مدارس شرق مدينة حلب، يخاطرون بأنفسهم ويعملون ليلاً ونهاراً لحماية مستقبل الأطفال السوريين من الضياع والجهل”.. الأستاذ عبد الغني حلوبي مدرس في مدرسة الوفاء في حي الكلاسة الحلبي، يؤكد أنه رغم كل الصعوبات التي تواجه الطاقم التعليمي فهم ماضون في تعليم الأطفال ولن يسمحوا لأحد أن يسلبهم حقهم في التعلم،

ويقول: “يواجه المعلمون في المناطق المحاصرة صعوبات لا تتوقف على القصف بل بضعف الدعم النفسي والتربوي للأطفال نتيجة لما يعايشونه من خوف وقصف يشتت أذهانهم ويصعب التعلم عليهم”. ويضيف:” كان التعليم في السابق أسهل كثيراً، الأطفال اليوم يعانون الكثير من المشاكل النفسية الناتجة عن الحرب”.

أما نوال الحلو وهي معلمة أيضاً فترى أن انقطاع أجر المعلم من أهم المشاكل التي تواجه المعلمين، وتقول: “كان المعلمون في السابق يعملون بشكل تطوعي دون أن يتقاضوا أجراً، تغير الحال في السنة الماضية بعد تقديم دعم من عدة منظمات إنسانية وجهات داعمة خارجية، ولكن هذا الدعم ليس دائماً ومن الممكن أن يتوقف في أي وقت، ما يدفع بالكثير من المدرسين لترك العمل في هذه المدارس لكسب رزقهم بطرق أخرى”.

علاء العبد الله مدرس سابق لمادة الرياضيات، يلفت إلى أنه عمل لفترة في المدارس الخاضعة لسيطرة المعارضة ولكن بدون راتب، ما اضطره لترك التدريس والعمل كسائق أجرة، يقول: “أحب التدريس فهو مهنتي منذ عشر سنوات، ولكنني مسؤول عن عائلة ولدي خمسة أطفال، يجب أن أعمل وأجني المال لإطعامهم. الغلاء الفاحش الذي نعيشه، لم يترك لنا خياراً آخر”.

في حين يرى المدرس إسماعيل أن انقطاع الكثير من الأطفال عن التعلم لفترات طويلة يتطلب من المعلمين بذل جهود مضاعفة معهم حتى يتم تلافي التقصير والالتحاق بأقرانهم في العمر ذاته، ويقول: “تعمل الكثير من المنظمات الإنسانية على مساعدتنا في تعويض الخلل العلمي الحاصل لدى هؤلاء الأطفال، ولكن الأعداد كبيرة والإمكانيات محدودة، والقصف لا يدع لنا فرصة أن نتم هذه المهمة “.

وفي سبيل تخفيف الأعباء السابقة عن المعلمين تقوم المكاتب التعليمية في المجلس المحلي للمدينة بدورات تدريبية للمعلمين على أساليب التعليم الحديثة بحيث تمكنهم من على رفع قدراتهم في التعامل مع الأطفال الذين يعانون من ظروف الحياة الصعبة ومن ظروف الحرب وتربيتهم بشكل صحيح، وفقاً للهاشم إنهم يعملون بشكل حثيث” رغم كل الصعوبات لمنع العملية التعليمية من التوقف ولتقديم العون للمعلمين وفقاً لقدراتهم المحدودة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.