فايز سارة

يمتد عمر التحالف الثلاثي الذي يضم إلى جانب نظام #الأسد كل من #إيران و #روسيا إلى ما قبل ثورة السوريين. غيّر التحالف بعدها تحول من طابعه “السلمي” إلى تحالف مختلف من طبيعة وحشية، حيث لم يعد يقتصر على المشاركة والدعم السياسي والاقتصادي  والتقني والاستخباري، بل أضيف إليها تعاوناً في الجوانب الأمنية والعسكرية، في الأسلحة والذخائر والخبرات إلى حدّ استخدام القوات والمعلومات وقيادة العمليات على جبهات القتال، وفي حصار المناطق المدنية في الأنحاء السورية كافة.

 

وإذا كانت ظروف الحلف الثلاثي في الفترة التي سبقت الثورة، فرضت مستوى أقل حساسية بين الأطراف، فإن المرحلة التالية بما كان فيها من سخونة الوضع السوري وتفاعلاته وما شكله من ضغط على أطراف الحلف، الأمر الذي أحدث انقلاباً في موقع كل طرف فيه بحكم وزن ودور كل واحد من الأطراف.

غير أنه وقبل الدخول في التحولات الطارئة على واقع الحلف وأطرافه، لا بد من التوقف عند نظرة النظام لعلاقاته بحلفائه، وهي رؤية لم يرسمها نظام #بشار_الأسد، بل رسمها نظام الأب منذ أن استولى على السلطة في سوريا عام 1970، حيث نظر إلى الحلفاء سواء في المستوى الداخلي أو الإقليمي والدولي باعتبارهم “خدم” لسياساته وخططه وأهدافه، وليس باعتبارهم شركاء في خطط  وسياسات وأهداف، وهذا ما كرسه النظام في علاقاته مع حلفائه في المستويات كافة ولاسيما في مجال السياسة الخارجية، ولعل نظرة سريعة إلى علاقات العربية والدولية بما فيها علاقاته مع إيران وروسيا، تؤكد هذا المسار.

وإذا كانت ظروف نظام الأسد الأب، وحتى ظروف نظام الإسد الابن قبل الثورة، سمحت للنظام باستمرار تلك الرؤية للتحالف مع الاخرين نتيجة التنافسات الدولية على #سوريا وحولها، فإن قيام الثورة، بدّل تلك القواعد خاصة في ضوء اختلالات القوة التي ضربت جوهر النظام في أدواته الأمنية – العسكرية، وتحول سياساته إلى الداخل في مواجهة ثورة السوريين، التي هددت وجوده واستمراره، فسمح لحلفائه الإيرانيين وأدواتهم من المليشيات الشيعية، ثم للروس بالدخول المباشر والانخراط في الصراع السوري بكل تفاصيله السياسية والعسكرية والأمنية وغيرها تحت هدف مشترك واحد اساسه الحفاظ على نظام الأسد وهزيمة ثورة السوريين وإعادتهم الى بيت الطاعة.

غير أن الهدف المشترك لأطراف الحلف الثلاثي، لم يكن يمنع وجود مصالح تخص كل واحد من الأطراف في سوريا. فنظام الأسد لا يريد شركاء في مملكته المطوبة على اسم رئيسها وبطانته، وإيران تريد الاستيلاء على سوريا وتكريسها جزءاً من استراتيجيتها أدواتها في المستويين الإقليمي والدولي، وروسيا تريد من سوريا قاعدة تابعة لها في شرق المتوسط، تخدم استراتيجيتها كدولة كبرى.

ووسط توافق هدف الحلف في الحفاظ على نظام الأسد، وتناقض مصالح المشاركين فيه، يمكن فهم الأبرز في سياسات كل طرف سواء كانت رئيسية أو تفصيلية. فعلى سبيل المثال، جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا، عقب الانتشار الواسع لإيران وميليشياتها في سوريا، وسيطرتها على قرار النظام، مما يجعل التأثير الروسي أضعف، وهو ما يتناقض مع مصالح #روسيا، فقررت التدخل المباشر، وهو حرض #طهران على إعلان إرسال وحدات عسكرية بعد أن كانت تغطي وجودها هناك تحت صفة مستشارين عسكريين، فرفعت القوات الروسية التغطية الجوية عن هجمات القوات الإيرانية و #حزب_الله وقوات النظام على مناطق المعارضة وقواتها في الشمال، مما تسبب بخسائر كبيرة للإيرانيين وميليشياتهم وقوات النظام.

وثمة أمثلة أخرى على تمايز سياسات أطراف الحلف الثلاثي، بينها اتجاه روسيا إلى التعامل مع المعارضة السورية سواء عبر التواصل مع القوى القائمة، كما هو الحال مع منصة #القاهرة، أو عبر خلق منصات من صنعها كما فعل في منصة #موسكو وأستانة، قبل أن تقرر خلق منصة قاعدة #حميميم، التي تشكلت تحت سيطرة الضباط الروس مباشرة، فيما استراتيجية إيران، والتي هي أقرب إلى استراتيجية نظام الأسد في هذه النقطة، تقوم على رفض التعامل مع المعارضة السورية بكل تلاوينها وأطروحاتها، لأنها ترفض أي شراكة لها- ولو هامشية- في مستقبل سوريا.

ولعل الأهم في تمايزات أطراف الحلف رؤيتهم لمستقبل سوريا. ففي وقت يرى فيه الروس حاجة إلى بقاء سوريا دولة واحدة لها مؤسسات موحدة ومركزية، وهذا ما يجعلهم يركزون على المؤسسة العسكرية – الأمنية باعتبارها الضامن لما سبق، فإن نظام الأسد مستعد للتوجه نحو سوريا المفيدة، التي تشمل منطقة الساحل وبعض المنطقة الوسطى وامتدادها نحو #دمشق، وهو ما يمكن حمايته بواسطة النواة الصلبة من قوات النخبة وتنظيمات الشبيحة، فيما تميل إيران إلى سوريا محكومة بوجود شيعي سياسي وديموغرافي واقتصادي وعسكري. إذاً هي تعمل على توسيع التشييع، وزيادة عدد الشيعة القادمين إلى سوريا، وتنمية ملكياتهم واستثماراتهم، وتقوية ميليشياتهم سواء المحلية أو الوافدة، مما يجعلها قوة  ثابتة في الواقع السوري على نحو ما صارت إليه في لبنان والعراق.

خلاصة الأمر في موضع الحلف الثلاثي إن هناك توافقات وأهداف مشتركة، يجري العمل متواصلاً عليها. لكن ثمة تمايزات بين كل طرف وآخر، تجعل من الحلف الصلب، قابلاً للتشقق، وصولاً إلى انفراط عقده، إذا استمرت مواجهته من جانب السوريين والقوى الإقليمية والدولية، التي تناهض وحدته وأهدافه، وتقاوم أجندات أطرافه في رسم مستقبل سوريا أو بعضها على الأقل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة