فايز سارة

عقد وفدان من #الائتلاف_الوطني و #هيئة_التنسيق_الوطنية سلسلة اجتماعات لهما في #بروكسل مؤخراً، وذلك بدعوة من المفوضية العليا للاتحاد الأوربي، وأصدر المجتمعون بياناً عما تناولت اجتماعاتهما، وما تم عليه الاتفاق بين الطرفين. وكله لا يخرج إلا قليلاً عن نتائج الاجتماعات الثلاثة السابقة، التي عقدها الطرفان في العامين الأخيرين والتي انعقدت جولاتها في #القاهرة و #باريس و #بروكسل، وكرست تفاهمات وتقاربات سياسية بين الائتلاف وهيئة التنسيق، مهّدت للقاء الائتلاف والهيئة في مؤتمر #الرياض بمشاركة قوى وشخصيات أخرى بالمعارضة لتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، التي حصلا على عدد وازن من مقاعدها، بمعنى صيرورتهم القوة الرئيسية في المفاوضات مع #نظام_الأسد.

 

الجديد في اجتماع بروكسل لجهة المعارضة، كان قليلاً، لكن بعض نقاطه كانت مهمة، والأبرز فيه قيام المجتمعين بمناقشة المذكرة التي قدمها #رياض_حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات حول مفاوضات #جنيف3 ومستقبلها، وقد شكل المجتمعون عدة لجان للبحث والتداول حول المذكرة وموضوعات أخرى، يفترض أن تجتمع في أقرب وقت.

الأهم من النقطة السابقة في جدة اجتماع بروكسل، محاولة بعض المشاركين في الاجتماع، إخراج الاتحاد الأوربي من تقليدية موقفه في الموضوع السوري والذي تكرس في نقطتين، أولهما تقديم المساعدات الإنسانية سواء الغذائية والطبية، أو المساعدة في قبول أعداد من اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم الظروف في #سوريا أو بلدان اللجوء، وصاروا بحاجة ملحة لملاذ آمن صعب الحصول عليه، والنقطة الثانية دعم غالبية الدول الاوربية للجهود التي تبذلها بالشراكة مع الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لدفع عملية السلام في سوريا خطوات إلى الأمام ومساندة المعارضة في موقفها التفاوضي من أجل الوصول إلى تسوية، توقف قتل ودمار نظام الأسد وحلفائه للسوريين وبلدهم.

أبرز الذين أداروا هذه المحاولة أنس العبدة رئيس الائتلاف الوطني الذي ركز في الاجتماعات وفي التصريحات، التي أطلقها من بروكسل على ضرورة مشاركة أوربية فعالة  في الموضوع السوري، تتجاوز الدور الراهن، فاقترح تشكيل مجموعة 1+5 لحل الأزمة السورية على غرار ما حدث في مفاوضات الملف النووي الإيراني، بحيث تكون كل من #فرنسا و #ألمانيا و #بريطانيا الموصوفة بأنها قلب أوروبا الى جانب #الولايات_المتحدة و #روسيا مسؤولة مباشرة عن الحل في سوريا، لا أن يقتصر الأمر على كل من #واشنطن و #موسكو اللتين اثبتتا عدم قدرتهما – أو جديتهما- في الجهود المبذولة وفقاً لنتائج جنيف3، والتي وصلت إلى انسداد بفعل التشدد الروسي إلى جانب النظام، وتراخي واشنطن، وكلاهما أبعد ما يكون عن التأثر المباشر بالتداعيات السلبية للقضية السورية.

وطبقا للوقائع، فإن أوروبا جار مباشر لسوريا عبر الشراكة في البحر المتوسط، وترتبط أغلب دولها بعلاقات خاصة وذات عمق تاريخي مع الكيان السوري سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الأمنية بخلاف ماهو عليه حال كل من الولايات المتحدة وروسيا، وليس لأي منها تماس وعلاقات عميقة مع الكيان السوري رغم ما يقال عن العلاقات الروسية – السورية أو الأميركية – السورية.

الأمر الثاني، إن روسيا وكذلك الولايات المتحدة، لم تتأثرا جدياً بالنتائج السلبية لتطورات القضية السورية بخلاف أوروبا، بل جعلا منها ساحة لتعزيز نفوذهما سواء العسكري الروسي أو السياسي الأميركي. فليس من لاجئين سوريين في روسيا ولا مساعدات مهمة من الأخيرة، ولا يتجاوز عدد اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة عدة آلاف، وحجم المساعدات الأميركية، لا يتجاوز حجم ما ساعدت به دول أوربية صغيرة، فيما كان حجم اللاجئين السوريين إلى الدول الاوربية في المرتبة الرابعة بعد ثلاثة من دول الجوار السوري هي تركيا ولبنان والأردن.

والأمر الثالث، هو موضوع الإرهاب، فقد كانت أوروبا في السنوات الأخيرة، هدفاً رئيساً لنشاطات جماعات التطرف والإرهاب وخاصة #داعش، بعدما استوطنت شرقي المتوسط ولاسيما في سوريا والعراق، واكتوى عدد من الدول الأوربية بنيران الإرهابيين وتفجيراتهم على نحو ما حصل في باريس وبروكسل، فيما أثر الإرهاب وحضور جماعاته في روسيا والولايات المتحدة أقل من ذلك بكثير.

إن العوامل السابقة كلها، تجعل من الأوربيين وبخاصة الدول الموصوفة بـ “قلب أوروبا” الأكثر علاقة وحساسية وفاعلية بالقضية السورية، علاقة تتجاوز ما للروس والأميركيين بالقضية، وبالتالي فإن دورهم أقل بكثير مما يفرضه الواقع، وتتطلبه المصالح سواء المصالح الراهنة او المستقبلية. فأوروبا ليس بمقدورها أن تغيير واقعها الجغرافي ولا مصالحها، التي لاشك أنه سيكون تأثير ملايين السوريين من اللاجئين عليها في المستويين الداخلي والخارجي من حيث اتصالها مع الكيان السوري وسكانه، أياً يكن الشكل المستقبلي لهذا الكيان.

وإذا كان من الصحيح، أن ثمة عوامل داخلية منها الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية المتفاقم في غالبية الدول الأوربية، وانقسامها في الموضوع السوري، وصعود قوى اليمين إلى السلطة في معظم الدول، والتخوف من الإرهاب الذي بات وباء القارة وهاجسها، إضافة إلى عوامل خارجية، أبرزها الهيمنة الأميركية، التي كرستها واشنطن، والصلف الروسي المتصاعد في سوريا، وقبلها في أوكرانيا والذي لا تبعد أهدافه كثيراً عن تخويف الأوربيين.

لقد استتبعت الظروف الداخلية – الخارجية المحيطة بأوروبا، أن تتحول القارة إلى دور غير فاعل في الشرق الأوسط وفي سوريا على نحو خاص، وأصبحت تابعاً للسياسات الأميركية والروسية في سوريا، ومتلقياً لتداعياتها وخاصة تلك المتعلقة بالمساعدات والهجرة والإرهاب، وهو أمر إذا استمر فسوف يفاقم التداعيات على الواقع الأوربي وعلى علاقات أوروبا مع بلدان المنطقة، الأمر الذي يفرض على الأوربيين تغييراً في سياساتهم ومواقفهم، وبانتظار أن يفعلوا ذلك قبل فوات الأوان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.