فايز سارة

بين آخر الجرائم التي شغلت الراي العام السوري، جريمة ذبح عبد الله عيسى (الذي اختلفت الروايات عنه، وإن كان الأكثر ترجيحاً أنه طفل فلسطيني سوري في الثانية عشر من عمره) على أيدي اثنين من مقاتلي #حركة_نور_الدين_الزنكي، وهي واحدة من أشهر الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال #سوريا. والسبب في إعدام الطفل، أنه عضو في لواء القدس الفلسطيني، إحدى المليشيات المقاتلة إلى جانب النظام السوري.

 

عملية القتل (بعض النظر عما إذا كان القتيل طفلاً أوشاباً فلسطينياً أوسورياً)، كما حدثت جريمة متعددة الأبعاد. فهي جريمة قتل أسير، يفترض الإبقاء على حياته بعد نزع سلاحه، خاصة وأن الأسير كان مصاباً حسبما بينت صور الفيديو الذي وثق العملية الإجرامية، وهي أكثر من جريمة، لأنها تمت بطريقة وحشية، لا تتماثل مع ما اعتاده “داعش” في الذبح، بل زادت عليها وحشية وتشفياً، خاصة مع ترافقها مع إطلاق التكبيرات من قبل المجرمين والحضور، بمعنى تحويل عملية القتل الوحشية إلى عملية احتفالية.

عملية القتل بما صار فيها من حيثيات، تعيدنا الى أساس حركة نور الدين الزنكي، والتي يعود اسمها برمزيته إلى نور الدين محمود زنكي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي/ السادس الهجري، واسمه أبو القاسم محمود بن عماد الدين زنكي، وقد حمل العديد من الألقاب بينها الملك العادل، وناصر أمير المؤمنين، ولقب بعد وفاته مريضاً بـ “نور الدين الشهيد” تقديراً لمكانته في زمنه، ولما قام به من أعمال أسست لتحولات عميقة في تاريخ المنطقة ولاسيما في صراعها مع الغزو الصليبي. إذ نقل حكمه الذي بدأ موروثاً في إمارة #حلب، ليمده إلى #الشام، ثم #مصر، واشتهر عهده بالعدل وانتشار التعليم والصحة، وحارب الصليبين دفاعاً عن المنطقة وأهلها، ويشير إليه البعض بأنه الخليفة الراشدي السادس بعد الأربعة الأول والخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، ويحظى مقامه في #دمشق القديمة باحترام كبير من قبل الدمشقيين وزوار المدينة.

ربما كانت هذا الخلفية في ذهن مؤسس الحركة الشيخ توفيق شهاب الدين من قرية الشيخ سليمان شمال غرب حلب.، عندما أسس الحركة أواخر عام 2011 في إطار ظاهرة #الجيش_السوري_الحر لمواجهة نظام الأسد. لكن الخلفية لم تذهب الى الأبعد في الواقع العملي والميداني لعوامل متعدد أبرزها أصولية الشيخ المؤسس، فتكرست جماعة إسلامية مسلحة، تناصر ثورة السوريين على النظام، وتتعاون واحياناً، تندمج مع تشكيلات إسلامية أخرى، ترسم مستقبل سوريا على أساس “دولة إسلامية”، وليس ك “دولة ديمقراطية مدنية” وهو الهدف الأساسي لثورة السوريين.

بدلت الحركة زعيمها في العام 2015، فأعفت بقرار من مجلس شورى الحركة مؤسسها الشيخ توفيق، وانتخبت علي سعيدو قائداً عاماً خلفاً له، كما غيرت علاقاتها وتحالفاتها مرات منها انخراطها في #لواء_التوحيد، ثم انفصالها عنه، وتكرر الأمر لاحقاً في علاقتها مع “تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت” و”جيش المجاهدين” وغيرهما، قبل أن تعود لتستقر كياناً مستقلاً، كما غيرت اسمها مرات، لكنها في كل الأحوال، عززت علاقاتها الخارجية مع جماعات ومؤسسات دينية أصولية الطابع، ومع  قوى إقليمية ودولية مؤثرة في سوريا، وفي الخلاصة كانت في نقطة الوسط بين التطرف العميق والاعتدال المعلن.

ولأن حركة الزنكي في هذا الموقع، ووسط تنامي بيئة التطرف والإرهاب، لم يكن غريباً، ارتكاب أعضاء فيها عملية قتل أسير على نحو ما جرى، بخلاف ما قال بيان الحركة بأنه “حادث فردي”، و “لايمثل السياسة العامة للحركة”، التي وصفها بالمناسبة أنها “جهة ثورية تؤمن بمبادئ الثورة، وتلتزم بتطبيق المبادئ العامة لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقات الدولية وما نصت عليه الشرائع والأديان السماوية”.

والحركة التي قالت إنها شكلت لجنة قضائية للتحقيق مع المرتكبين، لم تبين الأساس القانوني الذي تقوم عليه اللجنة، هل هو القانون المدني، أم الشريعة، التي يفهمها شرعيو التنظيمات الإسلامية على قدر “اجتهاداتهم”. وهل سيحاكم مرتكبو العملية الإجرامية، أمام محكمة قانونية أو أمام محكمة شرعية.

لقد وعدت الحركة بإجراءات، تعالج تداعيات الجريمة، تتم “بشكل أصولي ولكن وفق المعايير القانونية” و “لإصدار الأحكام القضائية بأقصى سرعة ممكنة” والكل بالانتظار.

غير أنه ومهما تكن النتائج، التي ستأتي لاحقاً، فإنها لن تردم الهوة القائمة بين الزنكي والحركة، ولن تغيير في محتوى ما جرى في كشفه عن حجم الإجرام والتطرف القائم اليوم ليس في حركة الزنكي وحدها، بل في صفوف كل حملة السلاح في سوريا من النظام وأدواته وحلفائه إلى “داعش” و #النصرة وقوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي وتشكيلات المعارضة المعتدلة، التي تنتمي الزنكي إليها، وكلهم غارقون في مسلسل القتل بمستوى أو بآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.