سارة العمر

يصارع السوريون  داخل #سوريا للهرب من الموت، وتدبر الاحتياجات الأساسية للبقاء على قد الحياة، فيما يصارع من هم خارجها للحصول على عمل وتأمين السكن والتعليم والاستقرار، هذا الواقع دفع الكثيرين لإعادة قراءة مفاهيم اجتماعية اعتادوا عليها، كتحديد النسل وتأجيل إنجاب الأطفال الذي يرى فيه البعض ضرورة ملحة بسبب ظروف، فيما يراه أخرون خطأ فادحاً.

 

تأجيل الإنجاب

تشير إحصاءات البنك الدولي الى أن  تشهد سوريا تراجعاً مضطرداً لعدد الولادات الجديدة نسبة لعدد الأمهات، ووفق آخر تحديث للبيانات بلغت نسبة المواليد الجدد عام  2014 23  مولوداً مقابل كل 1000امراة متزوجة في سن الاخصاب مسجلة تراجعاً عن السنوات السابقة.

يرى سامي ( 30 عاماً)  من مدينة #حلب  أن إنجاب الأطفال ورعايتهم مسؤولية الأهل بالدرجة الأولى، فمن لا يملك القدرة على تحملها، فالأولى به ألا ينجبهم، يقول “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ما ذنب الأطفال ليتحملوا بشاعة هذه الحرب، أنا وزوجتي لا نفكر في الإنجاب أبداً،  ما الذي سيجنيه هنا غير الخوف والجوع والجهل. من الانانية أن تنجب طفلاً إلى الحياة ولا تستطيع أن تشتري له الحلويات أو الألعاب وحتى أن تطعمه وتلبسه، لا أريد أن أتعلق بروح أخاف أن أفقدها في أية لحظة”.

هذا ما تفعله سلمى ( 32 عاماً)  وهي أم لطفلين و تعيش في مخيم #باب_السلامة على الحدود السورية التركية، تقول  لموقع #لحل_السوري: “تنصحنا العديد من الناشطات والطبيبات اللواتي تزرن المخيم بضرورة تنظيم الإنجاب، فالظروف الراهنة تختلف عن السابق وأطفالنا يعانون من كثير من الأمراض نتيجة سوء الوضاع الصحية والمعيشية في المخيم، لذلك أتناول حبوب منع الحمل التي يقدمونها لي بانتظام، لا أريد أن أنجب ولداً آخر يعاني ما نعانيه”.

وتشكل ظروف الحمل والولادة  السيئة في المخيمات والمناطق المحاصرة، عاملاً إضافياً في تراجع الكثير من النساء عن فكرة الإنجاب، إذ بات موعد الولادة كابوساً يؤرق مضجع الكثيرات،  اللواتي بتن يفضلن الولادات القيصرية في المشافي على الولادات الطبيعية خوفاً من موعد الولادة المباغت والذي قد يتزامن مع أوقات القصف.

سحر لطوف ( 26 عاماً) تعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في مدينة حلب، اختارت أن تلد طفلها الثالث بعملية قيصرية خوفاً من أن تداهمها الولادة فجأة أثناء حركة الطيران التي تبدأ مع شروق الشمس وتخف مع غروبها، تقول: “لم يتوقف القصف بالقرب من محيط المشفى، وأنا في غرفة العمليات، تمكن الأطباء من توليدي بصعوبة وعلى عجل، وبعد انتهاء الولادة خرجنا جميعاً، رغم أن وضعي الصحي يتطلب البقاء فيها، خروجي بسرعة والتنقل بالسيارات العامة وحالة الخوف المسيطرة علي، أدت لالتهاب جرحي ولتدهور وضعي الصحي، الأمر الذي أدى لدخولي لمشفى أطمة الحدودي”، وتتابع “تجربة الحمل سيئة هذه الأيام، لن أعيد الكرّة”.

في المقابل، توجه العديد من السلطات العسكرية وما انبثق عنها من هيئات شرعية ومدنية وسلطات محلية  في المناطق الخاضعة للمعارضة، الأهالي من خلال ندوات ولقاءات في الأماكن العامة، والمساجد باتجاه انجاب الأطفال وتحريم الامتناع عن الحمل.

يروي محمد ناعور من جبل الزاوية بريف #إدلب لموقع الحل “في إحدى خطب  الجمعة التي ألقاها عبد الله المحيسني أحد شرعيي #جبهة_النصرة  في مسجد القرية، حض  الرجال على إنجاب الأولاد من أجل رفد الجبهات، واستمرار القتال لإسقاط طاغية الشام”.

ويشير ناعور إلى أنه بالرغم من أن  فكرة تحديد النسل لم تكن مقبولة في الأرياف السورية سابقاً، حيث تعتمد الأسر بشكل شبه كامل على الزراعة، لكن الخسارات الكبيرة في الأرواح وعذابات النزوح والفقر بات معظمهم لا يرغبون بإنجاب الأطفال.

الآلاف يولودون لاجئين

بالرغم من المستقبل الغامض الذي ينتظر أطفال اللاجئين السوريين المتواجدين في دول الجوار بسبب عدم حصولهم على أوراق رسمية، والتي تهدد بتحويلهم إلى أشخاص عديمي الجنسية في المستقبل. تشير الاحصائيات إلى تزايد أعداد المواليد الجدد في أوساط اللاجئين.

تقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد الولادات في أوساط اللاجئين السوريين في لبنان منذ عام 2011 حتى أيلول 2014 بـ36,871 ولادة، سبعون بالمائة منها غير مسجلة.

ووفقاً تقرير #تركي أعدته مجموعة من الخبراء من الاتحاد التركي للعمل ومن جامعة “هاجتبه”، غطى ثمانية عشر محافظة في عموم البلاد، ونشر نهاية ٢٠١٥، فإن عدد الولادات السورية في عموم المدن التركية، بلغ 150 ألف ولادة. التقرير أشار أيضاً إلى ارتفاع عام في نسبة صغار العمر بين اللاجئين، إذ يصل عدد من هم تحت سن الثامنة عشر إلى  مليون و800 ألف.

أما في #الأردن فيصل معدل الولادات في أوساط اللاجئين في المخيمات إلى مستويات قياسية، بالرغم من توفر الوسائل الطبية لمنع الحمل،  ويصل معدل الولادات إلى 40 ولادة مقابل كل  1000 شخص،  وهو ما يفوق المعدل نفسه في كل من الأردن وسوريا،  و يصل عدد الولادات في مخيم الأزرق الصحراوي إلى 70 ولادة شهرياً، ويقدر عدد النساء الحوامل بـ 16 ألف امرأة من أصل نحو 639 ألف سوري يعيشون في الاردن.  وفقاً لإحصائيات البنك الدولي واليونيسيف.

ترى شرائح اجتماعية معينة من اللاجئين السوريين، أن إنجاب المزيد من الأطفال وسيلة لتحسين وضعهم الاقتصادي والمعيشي، كونهم قادرون على العمل وإعالة الأسرة، في دول اللجوء كتركيا ولبنان والاردن، حيث  يتوجب على العائلة بأكملها أن تعمل لتأمين متطلبات الحياة الأساسية، نتيجة غياب قوانين عمل يحميهم.

مصطفى 43 عاماً لديه ثلاثة ذكور أكبرهم لا يتجاوز عمره الـ 17 عاماً، وينتظر مولوداً جديداً خلال أشهر، جميع أطفاله يعملون في مهن مختلفة بمدينة غازي عينتاب، يقول: “يعمل أولادي ويساعدونني في تأمين المصاريف، كل ولد منهم يربح أسبوعياً مئة ليرة تركية، لولا عملهم كنا نأكل من القمامة، أنا مصاب بالديسك ولا أستطيع العمل وحدي، أولادي سندي وعوني في الحياة”.

هذا الواقع تؤكده الأرقام، إذ تشير احصائيات غير رسمية  في لبنان أن  60 بالمائة من الأطفال السوريين النازحين منخرطون في سوق العمل، ويعملون في حقول شتى لضمان بقائهم على قيد الحياة، فضلاً عن تعرضهم لمختلف أنواع الاستغلال .كما كشفت وزارة العمل الأردنية أن نسبة عمالة الأطفال السوريين في الأردن تفوق ما نسبته %50.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة