المنظمات الدولية تدق ناقوس الخطر ” الأمن الغذائي السوري في غاية الخطورة”

المنظمات الدولية تدق ناقوس الخطر ” الأمن الغذائي السوري في غاية الخطورة”

د.عبد الصمد اسماعيل:

ما زال الصراع الدائر في #سوريا ينهش في جسد الدولة والشعب معاً، فالحكومة تفقد يوماً بعد يوم المقومات والموارد الأساسية للاقتصاد الوطني وتتعاظم المآسي والآلام على طول مساحة البلاد وتزداد الصعوبات أمام المواطنين ليس لتأمين قوت يومهم فحسب بل في استمرارهم في الحياة.

خمس سنوات من الصراع المسلح فقدت فيها البلاد جل مقوماتها خراب ودمار في البنية التحتية تراجع في معظم المؤشرات الرئيسية الاقتصادية، مدارس وجامعات أقفلت، مشاف هجرها أطباؤها أو تعرضت للتخريب والنهب، معامل ومصانع دمرت أو توقفت عن #الإنتاج لأسباب كثيرة، وطن يهجر منه يومياً الآلاف، وينزح فيه الآلاف، مواطنون تحت الأنقاض أو هاربون دون وجهة محددة فقد باتوا بلا عمل ولا مأوى، والموت يلاحقهم أينما حلوا.

food1

وفي خضم هذه الأحداث المؤلمة جملة وتفصيلاً تطفو على السطح بوضوح قضية #الأمن_الغذائي في سوريا حيث أشار مدير منظمة #الفاو للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “أن 6.8 مليون سوري يعيشون حالات حادة من انعدام الأمن الغذائي وهو مستوى من الاحتياجات يتطلب مساعدات غذائية خارجية”

سوريا من الاكتفاء إلى الاستيراد

إذا سلمنا بأن سوريا قبل سنوات كانت البلد الوحيد في المنطقة المكتفي ذاتياً على نطاق تأمين الغذاء لمواطنيها وإنتاج #المحاصيل_الزراعية الرئيسية كالقمح والشعير بكميات تزيد عن حاجة البلاد إذ بلغت احتياطياتها من #القمح أكثر من 3.5 مليون طن كانت تتوزع على العديد من الصوامع المنتشرة فيها وتكفي الاستهلاك المحلي لسنة على الأقل إلا أنه في موسمي 2008 و2009 أصيبت البلاد بجفاف حاد تناقص فيه هطول الأمطار بشكل كبير في مختلف المناطق المنتجة للحبوب مما حذا بالحكومة إلى التوجه نحو #الاستيراد لتغطية النقص الحاصل في تأمين حاجة البلاد من القمح.

حيث استوردت الحكومة السورية خلال عام 2015 حوالي 650 ألف طن من القمح وهي السلعة التي تشكل أساساً للأمن الغذائي في سوريا باعتبارها المادة الأساسية في تصنيع الخبز الذي بدوره يعتبر جزءاً رئيسياً من مائدة الطعام السورية. ومن هنا كانت مسألة الأمن الغذائي في سوريا مرتبطة بشكل مباشر بقطاع الزراعة الذي بلغت مساهمته في الناتج المحلي 24% وسطياً خلال سنوات النصف الثاني من أعوام 2000 فضلاً عن أنه كان يشغل أكثر من 900 ألف عامل ويشكل مصدراً للدخل لأكثر من 40% من سكان البلاد وبذلك فإن أي تراجع في إنتاج هذا القطاع كان له تبعات سلبية واضحة على الاقتصاد الوطني وعلى الحياة المعيشية للسوريين.

تراجع الإنتاج الزراعي خلال الأزمةfood2

طالما شكل القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني الركيزة الأساسية للأمن الغذائي في البلاد من خلال ما كان يوفره من محاصيل زراعية استراتيجية كالقمح والشعير وكميات الخضار والفواكه إلى جانب اللحوم البيضاء والحمراء والبيض والحليب وتوفير المراعي الطبيعية للمواشي فقد شهد هذا القطاع تراجعات كبيرة خلال سنوات الأزمة بدأت بالجفاف وقلة هطول الأمطار في الثلاث سنوات الأولى منها ثم لتتداخل مع مجموعة كبيرة من العوامل الأخرى التي أفرزتها الأزمة والتي نذكر منها:

  • -الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات الري والمعدات الزراعية والتي أثرت على كمية المحاصيل الزراعية المنتجة.

-قلة الأسمدة ونوعيات البذار السيئة والتي أدت إلى قلة وسوء نوعية الإنتاج.

-ارتفاع أسعار الوقود مما أثر في ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم قدرة الكثير من المزارعين على الاستمرار في العمل والإنتاج

-استمرار العمليات القتالية والتي أدت إلى نزوح الكثير من المزارعين من أراضيهم وتركها وبالتالي خروجها من دائرة الإنتاج إذ تشهد البلاد تقلصاً في المساحات المزروعة وخاصة بالقمح وصلت إلى أصغر مساحة منذ ستينيات القرن الماضي.

-قلة توافر المقنن العلفي للحيوانات وارتفاع تكاليف تربيتها مما أدى إلى انخفاض كبير في أعدادها.

-التصدير العشوائي للمنتجات الحيوانية إلى دول الجوار وتهريب رؤوس الماشية عبر الحدود مما أدى إلى انخفاض كمياتها في الأسواق المحلية وبالتالي ارتفاعات جنونية في أسعارها.

-انخفاض منسوب المياه الجوفية وتراجع الطاقة التخزينية للمياه في السدود المستخدمة للري وسقاية المزروعات

وبناء على ذلك فقد تراجعت مستويات الأمن الغذائي في البلاد بشكل ملحوظ وبات الاستمرار في تأمين مواد الاستهلاك الأساسية مسألة في غاية الصعوبة ولم تعد كميات الإنتاج من القمح والشعير تسد أكثر من ثلث حاجة البلاد لها في ظل التراجعات الكبيرة في المساحات المزروعة والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية لهذا القطاع من شبكات الري والمعدات وانقطاع الأسمدة وارتفاع تكاليف الإنتاج وتوقف الكثير من معامل الصناعات الغذائية و” أن احتياطيات البلاد من القمح لم تعد تكفي لأكثر من بضعة أشهر قليلة ” بحسب مركز كارنجي للشرق الأوسط إلى ما هنالك من أسباب تعددت إلا النتيجة كانت مؤلمة وهي تداع واضح في مستوى الأمن الغذائي في سوريا وبداية اعتمادها على الاستيراد وإذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات الفقر والبطالة وتراجع قيمة العملة المحلية ومعدلات التضخم فإنه يمكننا الجزم بأن أعداداً كبيرة من السوريين في الداخل باتوا مستهلكين غير منتجين لم يعد بمقدورهم تأمين #الغذاء لهم ولأسرهم في وقت أصبحوا يعتمد معظمهم على السلال الغذائية التي توفرها المنظمات والهيئات الأممية والدولية.

ظهور الفجوة الغذائية وتفاقمها خلال الأزمةfood

يرتبط الأمن الغذائي لأي بلد كان بالدرجة الأولى بمقدار ما تستطيع الدولة توفيره من الغذاء بشكل يكفي حاجة المستهلكين أو يزيد عنها وهي مسألة تعتبرها معظم الدول مرتبطة بالأمن القومي للبلاد واستقلالية القرار الاقتصادي والسياسي فيها.

ومع بداية التسعينات في سوريا أولت الحكومة قطاع الزراعة اهتماماً متزايداً بدت نتائجه على تحسن مستويات الإنتاج الزراعي والتوسع في المساحات المزروعة وإقامة السدود المائية وتزايد أعداد قطعان الماشية فيها وبعد مرور عقدين من الزمن كانت الحكومة السورية تتغنى بإنجازاتها في مجال الاكتفاء الذاتي للغذاء.

إلا أنه ومع بداية النصف الثاني من أعوام 2000 وشروع الحكومة في سورية بتطبيق بعض السياسات النيوليبرالية كسحب الدعم عن #المحروقات والوقود والتراجع عن سياسات دعم المزارعين وتهميش المجتمع الريفي والتي ترافقت مع موسمين من الجفاف كان له بالغ الأثر في ارتفاع التكاليف لتتراجع مستويات الإنتاج الزراعي في البلاد وتحدث لأول مرة فجوة غذائية في البلاد اضطرت الحكومة إلى استيراد كميات من القمح من الخارج لسدها.

ومع بداية الأزمة وما تركته من آثار سلبية على #الاقتصاد_الوطني برمته والقطاع الزراعي خصوصاً فإنه وخلال عامها الأول فقط وبالتحديد في شباط من العام 2012 أعلن #برنامج_الأغذية_العالمي في تقرير له بأن 1.4 مليون سوري أصبحوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي لتبدأ معها رحلة التحديات التي باتت تواجه مسألة تأمين الغذاء عند السوريين فقد ازداد هذا العدد إلى 3مليون في العام التالي ليصل إلى أكثر من 6 مليون عام 2014.

إلا أن تحسن الموسم الزراعي نتيجة هطول كميات جيدة من الأمطار موسم 2015 -2016 ترافق مع مغادرة الكثير من السوريين البلاد خلال هذه الفترة وتحييد محافظة #الحسكة التي تنتج أكثر من ثلث إنتاج البلاد من القمح عن الأعمال العسكرية والمواجهات المسلحة كان كل ذلك كفيلا بتثبيط هذا الرقم عند حدود 6.8 مليون بحسب آخر تقارير منظمة الفاو وبالفعل فقد تحسن إنتاج القمح من حوالي 1.2 مليون طن عام 2014 إلى أكثر من 2.4 مليون طن عام 2016.

foodإلا أن المنظمة الدولية “الفاو” كانت قد أكدت مراراً “أن وضع الأمن الغذائي في سوريا حرج بكل المقاييس” نتيجة التراجع في كميات إنتاج الغذاء وارتفاع أسعاره مما يتسبب بعدم قدرة الكثيرين في الوصول إليه حيث أشارت في إحدى تقاريرها ” الحقول والأصول الزراعية تركت أو دمرت بسبب العنف والتشريد وارتفعت تكاليف الإنتاج وحصل نقص كبير في الإمدادات الزراعية الأساسية ” يضاف إلى ذلك التراجع في أعداد القطعان ورؤوس الماشية من 22.8 مليون رأس عام 2007 إلى أقل من 12 مليون رأس عام 2016 مما يعكس تراجعاً في حجم المنتجات الحيوانية في الأسواق المحلية وارتفاعات قياسية في أسعارها

وبذلك فمع استمرار الأزمة أصبح حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي كبيراً وباتت قدرته ضعيفة جداً على توفير مستلزمات البلاد من السلع الرئيسية وخاصة القمح وباقي السلع الغذائية من خضار وفواكه ولحوم مما دفع بالحكومة إلى التوجه نحو الاستيراد لتأمين ولو جزء من حاجة المواطنين من المواد الغذائية لتصبح مستورداً صافياً لها لا تؤهلها مواردها المالية على تأمين الكم الكافي منها لتدخل البلاد مرحلة قاسية تعاني من وضع مترد للأمن الغذائي فيها مما دفع المدير العام لمنظمة الفاو بالقول ” إن الأوضاع في سوريا في غاية الخطورة فيما يتعلق بموضوع الأمن الغذائي وتوفيره” محذراً من تفاقم الأزمات الغذائية وسوء التغذية في البلاد وجاء ذلك خلال كلمته في الاجتماع الوزاري لمؤتمر الفاو الإقليمي الثالث والثلاثين لمنطقة الشرق الأدنى 2016.

الأزمة تترك تحديات خطيرة على الأمن الغذائي Syrian children inside tent eating food

تسير الأزمة السورية في عامها السادس وتترك آثارها المدمرة على الاقتصاد السوري وعلى السوريين بلا هوادة وتدفع بأمنهم الغذائي نحو محطات مخيفة تدخل فيها البلاد في مواجهة صعبة لتأمين الغذاء لمواطنيها بعد أن تحولت إلى مستورد صاف للغذاء لتزداد يوماً بعد يوماً التحديات التي تواجه الأمن الغذائي في سوريا والتي يمكن أن تتلخص في النقاط الرئيسية التالية:

  • -الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع الزراعي وبنيته التحتية وتقلص إمكانيات الحكومة في إعادة تنفيذ المشاريع الزراعية الاستراتيجية والحديثة ومد شبكات الري الحديث مما أدى إلى انخفاض حجم المساحات المزروعة وبالتالي تراجعاً كبيراً في قدرته على توفير حاجة المواطنين من الغذاء بمختلف مستوياته وأنواعه.

-العمليات العسكرية تسببت بإتلاف مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية ونزوح آلاف المزارعين من قراهم وأريافهم مما أدى إلى تفكك المجتمعات الريفية وتراجع إنتاجيتها فضلاً عن تحولهم إلى المدن والبلدات الآمنة ليشكلوا ضغطاً على كميات الغذاء المتوفرة هناك وليصبحوا عاطلين عن العمل ينتظرون المساعدات الغذائية الخارجية بعد أن كانوا منتجين للغذاء.

-المعارك والمواجهات المسلحة في الغوطة الشرقية ودرعا “داكونة” إمداد دمشق بالخضار والفواكه والانهيار الاقتصادي شبه التام في حلب المدينة التي تعتبر الشريان الاقتصادي للبلاد نتيجة القصف المستمر والمواجهات العسكرية مما أدى إلى توقف الكثير من معامل الصناعات الغذائية تسبب بنقص كبير في الإمدادات التي تؤمنها من المنتجات والأغذية والاعتماد على تركيا لتأمينها.

-انقطاع الطرق وارتفاع أجور المواصلات بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك وبالتالي تعذر وصول الإمدادات اللازمة من المواد الغذائية إلى جميع المناطق وخاصة تلك التي تعاني من الحصار أو تعتبر مناطق ساخنة.

-الخسائر الكبيرة التي لحقت بقطاع #الثروة_الحيوانية نتيجة العمليات العسكرية المستمرة على الأراضي السورية مما تسبب بتراجع كميات الإنتاج الحيواني بمقدار 30% وانخفاض أعداد الدواجن بأكثر من 40% الأمر الذي تسبب بارتفاعات جنونية في أسعار المنتجات الحيوانية واللحوم وصلت لأكثر من عشرة اضعاف مقارنة بسنوات ما قبل الأزمة لدرجة لم يعد بمقدور أعداد كبيرة من السوريين الحصول على احتياجاتهم منها

– تزايد العجز المائي في البلاد لأرقام زادت عن 6 مليون م3 أمام انخفاض حصة الفرد منها وانخفاض نصيبه من المساحات المزروعة لأقل من 0.3 هكتار الأمر الذي يتسبب بانعدام القدرة على التوسع في المساحات المروية وبالتالي انخفاضات مستمرة في إنتاجية وحدة المساحة الزراعية أي توسع الفجوة الغذائية في البلاد.

market-إذا كانت المساعدات الغذائية التي تصل من المنظمات الدولية أو الخيرية كانت تسد جزءاً لا بأس به من احتياجات الغذاء للنازحين والقاطنين في المناطق المنكوبة إلا أن تزايد أعداد هؤلاء المحتاجين للمساعدات أصبح يحول دون تمكنها من تغطية كامل المناطق التي تعاني نقصاً في إمدادات الغذاء، هذا فضلاً عن الحصار المفروض على العديد من المناطق الأمر الذي يحول أيضاً في إمكانية إيصال المساعدات إلى القاطنين هناك.

– الارتفاعات الحادة والجنونية في أسعار المنتجات الزراعية والغذائية نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاجها ونقلها أو قلتها الأمر الذي سيتسبب برفع صعوبة سبل العيش ويفاقم من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية أمام المواطنين.

خاتمة القول

إن قضية الأمن الغذائي في سوريا باتت من القضايا المخيفة والمرعبة والتي إذا ما استمر الصراع فإنها ستصبح مستعصية الحل أو ستحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها لذلك فإنه لا بد من تضافر جميع الجهود للعمل على تثبيط المشكلة والبدء بوضع أسس سريعة لعلاجها لأن في ذلك مصلحة مشتركة للجميع من مزارعين وهيئات حكومية وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” الأممية ومنظمات الإغاثة الدولية وبرنامج الأغذية العالمي وذلك لتأمين الغذاء اللازم لجميع السوريين وسد فجوة العجز الكبيرة الآخذة بالاتساع. لذلك فإنه حري بأي جهة ذات سلطة إدارية على منطقة سورية اليوم الإسراع إلى آخذ كل التدابير والإجراءات الكفيلة بتحسين المواسم الزراعية ورفع إنتاجية الأرض ودعم المزارعين وتحفيزهم للبقاء في أراضيهم ومزارعهم وبدون ذلك فإن البلاد تتجه نحو كارثة غذائية لن ترحمنا الأجيال القادمة إذا ما تركناها تستفحل وتتمدد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.