فايز سارة

تمثل عملية #درع_الفرات التي قامت بها القوات التركية في #جرابلس بالتعاون مع تشكيلات مسلحة من المعارضة السورية مؤخراً نقطة تحول في مكانة #تركيا وموقعها في القضية السورية. والمعلَم الرئيس لهذا التحول، يتمثل في نقاط ثلاث، أولها دخول القوات التركية العلني للمشاركة في العمليات العسكرية على الأراضي السورية، والثاني انخراطها الميداني في مواجهة تنظيم #داعش الإرهابي المتطرف لطرده من جرابلس وبعض جوارها، والثالث توجيه إنذارات لقوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل قوات #حزب_الاتحاد_الديمقراطي الكردي (PYD) جسدها الرئيس بالتوجه نحو شرق الفرات، وإلا فإنها ستكون هدفاً لعمليات الجيش التركي.

قبل عملية درع الفرات، جهدت تركيا دون جدوى لإقناع الدول المؤثرة في سوريا برغبتها التدخل المباشر، وشن عمليات عسكرية في سوريا، ولو عبر المشاركة المستقلة في الحرب على داعش، لكن الطلب التركي قوبل بالتراخي والمماطلة. بل إن فكرة تركيا في إقامة منطقة آمنة في الشمال الغربي من سوريا، لم تجد قبولاَ من تلك الدول رغم الإصرار التركي الذي جرى تبريره بمواجهة تدفق السوريين إلى تركيا، وقد وصل عددهم نحو ثلاثة ملايين هارب من حرب النظام ودماره، ومن الباحثين عن ملاذ آمن. وقد وفرت عملية درع الفرات فرصة لتجاوز الأمرين في آن معاً، فمن ناحية صار الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية واقعاً ولديه تأييد ضمني أو معلن من قبل بعض الدول المؤثرة في القضية السورية، وصار فرض منطقة آمنة في مكان تواجد القوات التركية في الشمال السوري أمراً واقعاً، يمكن أن يتوسع في المرحلة المقبلة.

المتغير التركي الجديد من الناحيتين السياسية والميدانية، يعود إلى ما قامت به تركيا في الشهرين الأخيرين من خطوات، كان الأبرز فيها ثلاثة:

الأول إجراء مصالحة تركية – روسية، انهت التوتر في علاقات الطرفين والذي ساد بعد إسقاط #تركيا طائرة روسية العام الماضي، والبدء في إعادة العلاقات التركية-الروسية إلى إطارها الطبيعي، وخلق إطار لبحث مواقف الطرفين سياستهما في سوريا على أمل الوصول إلى تفاهمات بينهما رغم صعوبة الوصول إلى ذلك حسب المواقف الراهنة للطرفين، وكانت قمة #أردوغان- #بوتين الأخيرة في #موسكو تأكيد على التغيير الجديد في علاقات الطرفين.

الثاني إعادة تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية بعد سنوات من القطيعة والتوتر نجمت عن عملية الاعتداء الإسرائيلي على السفينة التركية مرمرة، التي كانت متوجه إلى غزة في العام 2010، وتم في سياق عملية التطبيع قيام إسرائيل بدفع تعويضات لأسر ضحايا الأتراك ممن كانوا على سفينة مرمرة، وسماح إسرائيل بنقل مساعدات إنسانية تركية إلى قطاع غزة، وقيام تركيا بالاستثمار في البنى التحتية الفلسطينية.

الثالث بدء مرحلة جديدة في العلاقات التركية – الإيرانية، كانت فاتحتها لقاء وزيري الخارجية التركي  والإيراني الأخير في #أنقرة، وما كشفه من غزل الطرفين ورغبتهما في تحسين العلاقات بين بلديهما رغم تمايز موقفيهما في القضية السورية، التي لاشك أنها  ستكون على جدول أعمال زيارة الرئيس التركي المرتقبة إلى #طهران في عداد موضوعات سياسية واقتصادية، ستكون على جدول أعمال الزيارة، ولعلها تكون الأهم.

لقد شكلت التطورات السابقة الأساس في تحول المكانة التركية بالقضية السورية، وهو أمر عجزت أنقرة عن القيام به سابقاً رغم علاقاتها “القوية” مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عبر عضويتها في #حلف_الناتو، وقد دفعت هذه التطورات #واشنطن إلى تبدل في تعاملها مع تركيا، عبرت عنه زيارة مسؤولين أميركيين إلى أنقرة كان آخرها زيارة نائب الرئيس جون بايدن إلى إسطنبول، وقد أعلنت تركيا في أعقابها عزم الرئيس أردوغان زيارة الولايات المتحدة في وقت قريب، مما يضع العلاقات التركية – الأميركية على قاعدة تحسن ممكن في الفترة المقبلة، ليس بسبب رغبة أنقرة وواشنطن في الحفاظ على مستوى معين من علاقات الحلفاء التي لاشك أنها موجودة. بل لأن تركيا تسعى للبحث عن شروط أفضل لسياستها وعلاقاتها ولو في الأبعد عن واشنطن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.