تسعى #روسيا لاستعادة مكانتها كدولة عظمى، وتواجه تحديات كثيرة للوصول إلى مبتغاها، ووجدت من الساحة السورية فرصة لإثبات وجودها واستعادة مكانتها، لكن هل نجحت في ذلك؟

أعد ماكس فيشر تقريراً نشرته النيويورك تايمز بتاريخ 24 أيلول جاء في مطلعه: “إذا ما قارنت خريطتين لسوريا، واحدة تعود لشهر أيلول الماضي عند أول تدخل للقوات الروسية في الحرب الأهلية والأخرى ليومنا هذا، سوف تجد أن خطوط المعارك تبدو متماثلة جداً”.

نجح تدخل روسيا في سوريا في تجميد مصالحها إلى حد كبير على طول خطوط المعركة. لكن مئات الغارات وعشرات الإصابات وأشهر من المفاوضات لم تفعل سوى القليل بشأن تقدم تلك المصالح بشكل واضح. الحرب ما تزال متأزمة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار ولا تستطيع القوات الموالية للحكومة استعادة السيطرة على تلك المناطق.

ويرى الكاتب أن الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين نجح في إكساب #موسكو كرسياً على أي طاولة حوار يمكن أن يُقرر مستقبل سوريا من خلالها، لكنه فشل في الاستفادة من سوريا للتقرب من الحكومات الغربية التي ما تزال تتجنبه وتفرض عليه عقوبات اقتصادية.

وبحسب الخبير الروسي في معهد العلاقات الدولية مارك كالوتي: “من الصعب أن نرى الكثير من حيث التأثير الاستراتيجي الحقيقي”.

ووفق التقرير بدا بوتين متفائلاً بأنه يستطيع استخدام سوريا ليثبت إمكانية احترام روسيا مجدداً كقوة عظمى، حيث وجهت رسالة مدوية لكل من القوى الغربية وحلفاء روسيا في أوروبا الشرقية السوفييتية سابقاً وآسيا الوسطى من خلال غزوها لأوكرانيا وضم أراضيها إليها.

لكن القوة العسكرية الروسية لم تحقق انتصاراً فعالاً لحليفها السوري الذي يتّكل بشكل كبير على الضباط الإيرانيين والجيوش الشعبية الموالية للحكومة.

في العام الماضي، وفي خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عشرة سنوات، دعا بوتين العالم للانضمام إليه في تحالف دولي واسع  لمحاربة المتطرفين. وتوقع المحللون أن بوتين يسعى لتحقيق صفقة كبيرة تخفّض من خلالها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي من العقوبات وتمنحه امتيازات في #أوكرانيا لقاء مساعدته في الحرب السورية.

لكن بحسب الصحيفة، وبعد عام من خطابه، لم تنضم إلى تحالف بوتين أية دولة كما لا تظهر أية بوادر لصفقة محتملة.

أما وسائل الإعلام الرسمية الروسية، فقد تلاعبت بالتدخل الروسي واصفةً إياه دليل على العظمة الوطنية. لكن بخلاف احتلال #أوكرانيا في العام 2014، والذي حفّز الدعم بوتين، يبدو أن جهوده في سوريا تلقت اهتماماً شعبياً أقل. ففي وقت سابق من هذا الشهر، شهدت الانتخابات التشريعية الروسية إقبالاً متدنياً في إشارة إلى اللامبالاة العميقة.

ويرى الكاتب أن بوتين قد حقق إنجازين صغيرين، كلاهما مهمان بالنسبة لسوريا لكن ليس كثيراً، مسلطاً الضوء على الفجوة بين طموحات قوته العظمى وقدرته على إنجازهم. وفي توضيحه لهذه الإنجازات كتب:

أولاً: لقد أنقذ التدخل الروسي #بشار_الأسد من نكسة عسكرية أخرى. فخلال الـ 2015 خسر أراضٍ لصالح الدولة الإسلامية ولصالح الثوار الذين تقدموا جزئياً بفضل الأسلحة المضادة للدبابات التي زودتهم بها الولايات المتحدة الأمريكية.

أجبر القصف الروسي الجماعات المعارضة على التقوقع، وأوقف تراجع قوات الأسد، لا بل وسمحت له بالتقدم واستعادة السيطرة على بعض المناطق التي ورغم صغر حجمها، وعززت من دفاعاته. كما ساعدت روسيا أيضاً الأسد في حصاره لحلب، معقل المتمردين، والتي تتعرض لقصف متكرر، الأمر الذي أجبر الجماعات المعارضة هناك على اللجوء للمتطرفين من أجل المساعدة، ما يجعل أمر تسليحهم من قبل الولايات المتحدة أكثر صعوبة، كما يستبعد إمكانية تضمينهم في أي اتفاق سلام نهائي.

ومع ذلك، ترى جنيفيف كاساغراند، وهي محللة في معهد لدراسة الحرب في #واشنطن، أن القوات البرية الموالية للحكومة لا تزال قليلة جداً وضعيفة للغاية لنتوقع إمكانية فوزها بالحرب. لا يمكن لتكثيف القصف الروسي أن يتغلب على المشكلة.

ثانياً، أجبر التدخل #الولايات_المتحدة على أشراك روسيا في أية مفاوضات. لا يمكن لبوتين أن يملي شروطاً أكثر مما يمكن للولايات المتحدة فعله، لكنه الآن واحد من ضمن العديد من القادة الذين يمتلكون حق النقض الفعال على أي اتفاق وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام. وهذا يمنحه النفوذ للحفاظ على الوصول الروسي إلى قواعدهم العسكرية في سوريا، ولضمان أن أي حكومة ما بعد الحرب سوف تكون حليفة لروسيا.

وفي إضافة لـ كاساغراند: “ما سوف نشهده في الحقيقة هو أكثر من نزاع مطوّل”. محذرة بذلك من أن التدخل الروسي ساهم في توحيد صفوف الجماعات المعارضة.

يرى الكاتب أن للغارات الروسية نتائج عكسية أيضاً بطريقة أخرى. فبحسب النوايا الأولية، من المفترض أن يقرّب التدخل الروسي روسيا من الغرب، لكنهم أثاروا غضب ونفور العالم بدلاً من ذلك بسبب هجماتهم على المدنيين.

ولأن المعارك البرية تقودها تشكيلة من الضباط السوريين والإيرانيين والميليشيات المؤيدة للحكومة، وبحسب السيدة كاساغراند، فإن لدى روسيا القليل من المستشارين في الخطوط الأمامية يمكنهم التواصل معهم خلال الغارات. لذلك من غير الممكن تقديم الدعم الوثيق لإطلاق الغارات في القتال.

أدى الغارات إلى إيقاع أعداد كبير من الضحايا بين صفوف المدنيين، ويبدو أننها شملت مواقع لمرافق إنسانية.

وبحسب المقال فقد تجنبت روسيا توريط نفسها في حرب برية في سوريا، كما فعلت في #أفغانستان في الثمانينيات، لكن يبدو أنها ما تزال غير راغبة بالانسحاب بحسب ما قاله بوتين في آذار. الانسحاب الآن بدون أي تنازلات مثبتة سوف يدمر صورة القوة العظمى التي يسعى إليها بوتين.

ويرى غاليوتي أن قرار بوتين بالبقاء في سوريا شكّل دلالات كثيرة في الأعين الروسية، فبينما ترى الولايات المتحدة روسيا كقوة ناهضة تجري بجسارة نحو العالمية، يقول أن الأمن الروسي ومسؤولي السياسة الخارجية _ الأشخاص المنشغلون في محاولة إنشاء اتحاد سوفييتي جديد _ يرون بلادهم وكأنها محاطة ومحاصرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية القوية والعدوّة .

وأضاف: “إذا كان لا بد من أن أصفهم بكلمة واحدة، أعتقد أنهم خائفون”.. هذا الخوف يعتمد بشكل جزئي على واقع الحال الروسي، فيدرك القادة الروس جيداً أنهم معزولون وأن اقتصادهم قد تقلص من خلال بعض التدابير إلى أقل مما هو عليه في #إسبانيا.

لكنهم وبحسب رأي الكاتب مدفوعون أيضاً بجنون الحرب الباردة طويلة الأمد، حيث يفسر فيها كل حدث _ بحسب قوله _ من الحرب الأهلية المتفشية في سوريا على أنه مؤامرة أمريكية تهدف إلى تدمير روسيا.

في الواقع، لم تجد أي من روسيا أو الولايات المتحدة الكثير من النجاحات في التدخلات البعيدة. لكن تميل طموحات كل منهما إلى تقليص الطرق التي تطيل التزاماتهم، سواء كانت الولايات المتحدة التي قبلت بـ 15 عاماً من الحرب في أفغانستان أو روسيا التي واصلت غاراتها الجوية لمدة عام في سوريا، ومن المحتمل أن تليها عدة سنوات أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة