د. عبد الصمد اسماعيل:

– تراجع إنتاج الغاز بأكثر من 60% خلال سنوات الأزمة

– ما يصل لمحطات توليد الكهرباء يومياً من الغاز لا يتجاوز 8 مليون م3 من أصل الحاجة الكلية 20 مليون م3

– يعد حقل الشاعر أكبر حقول الغاز السورية حيث يصل إنتاجه لحدود 3 مليون م3 يومياَ

– معظم أنابيب نقل الغاز بين الآبار ومحطات التجميع تعرضت إما للتدمير أو للتلف

 

تعد حوامل الطاقة اليوم أكثر العناصر التي تدور حولها التجاذبات الإقليمية والدولية، وتعتبر مسألة السيطرة على منابع الطاقة أمراً في غاية الأهمية وتقع على قمة الأولويات الاستراتيجية لكبرى دول العالم وذلك بهدف التحكم ليس فقط بمستويات القرارات السياسية والاقتصادية على الصعيد العالمي وإنما بزمنية طرح مثل هذه القرارات أيضاً.

gaz-1وإذا كان القرن العشرين هو قرن #النفط بامتياز فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن #الغاز والعناصر النظيفة الأخرى كالطاقات البديلة لذلك فإننا نلاحظ اليوم حروباً اقتصادية ضخمة بين كبرى دول العالم تدار بطرق يمكن القول عنها بأنها دراماتيكية لأن هدفها الأساسي هو السيطرة على منابع الطاقة ثم التوسع الجيوسياسي المرتبط بهذه المسألة وبالتالي تقويض مقومات فعل السياسي والاقتصادي للآخرين بآن معاً.

وإذا أدركنا أن ما يحدث في سوريا اليوم قد تداخلت فيه عوامل كثيرة ومعقدة دولية وإقليمية وحتى محلية باتت معها التحليلات السياسية غير قادرة على تبيان حقيقة الممارسات والفعل الدولي على الأرض سواء ذلك الفعل السياسي أو العسكري. إلا اته يمكن القول ودون مواربة أن المكانة الجيوسياسية لسورية وعامل الطاقة هما إحدى تلك العوامل التي تسهم في استمرار الحرب.

90% من الكهرباء المنتجة تعتمد على الغازgaz-2

لم تنصف #سوريا يوماً بأنها بلد طاقي كما باقي البلدان المنتجة لحوامل الطاقة سيما #النفط والغاز ولكن لا يمكن بأي شكل من الأشكال تغييب أن سوريا هي بلد منتج لحوامل الطاقة فقد قدر حجم الإنتاج السوري من النفط قبل بدء الاحتجاجات في البلاد عام 2011 بحوالي 385 ألف برميل نفط يومياً كان يتم تكرير 245 ألف برميل منها والباقي يصدر إلى الخارج على شكل نفط خام وخصوصاً باتجاه دول #الاتحاد_الأوربي علماً أن حاجة البلاد من المشتقات النفطية كانت تتجاوز 300 ألف برميل يومياً كما كانت سوريا تنتج حوالي 10.5 مليار م3 من الغاز الحر والمرافق (30.1مليون م3 يومياً) بهدف سد حاجة البلاد من هذه المادة التي تستخدم في قنوات عديدة أهمها تأمين حاجة السكان من #اسطوانات_الغاز المستخدمة لطهي الطعام ومد محطات #الكهرباء الحرارية بوقود الإنتاج إلى جانب مادة الفيول.

فاكثر من 90% من الكهرباء المنتجة في سوريا كانت تعتمد على الغاز إضافة إلى استخداماتها الأخرى كمادة لقيمة في عدد من الصناعات البتروكيماوية لا سيما الأسمدة بالإضافة إلى استهلاكه في المنشآت التابعة لوزارة النفط والثروة المعدنية مثل #مصافي_النفط وحقوله ومحطات توليد الطاقة التابعة لها علماً أن ما بين 25 إلى 30% من الغاز المنتج كان يتم إعادة حقنه في الآبار النفطية كميكانيكية ضغط لدفع النفط نحو الأعلى وتحفيز الإنتاج.

اتجهت الحكومة في سوريا نحو التوسع في استخدام الغاز في توليد الطاقة الكهربائية منذ بداية أعوام الألفية الجديدة بحيث شكلت نسبة 56% وسطياً من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة وذلك على خلفية تزايد كميات الغاز المنتجة في البلاد آنذاك بمعدل بلغ 14% وسطياً وعملت على التقليل ما أمكن من دور المشتقات النفطية الأخرى كالديزل و #الفيول بغية توفير أكبر قدر ممكن من النفط الخام لأغراض التصدير وبالتالي الاستفادة من عائدات القطع الأجنبي المتحصلة منه.

هذا فضلاً عن أن المحطات الغازية وخاصة ذات الدارة المركبة الحديثgaz4ة هي أكثر اقتصادية من تلك التي تعمل بالوقود السائل حيث تحقق مردوداً عالياً يصل إلى 50%.
ونتيجة للظروف التي خلفتها المواجهات العسكرية وكل ما يحيط بها من ظروف تراجع إنتاج الغاز بأكثر من 60% مما أدى إلى تراجع كبير في كميات الكهرباء المنتجة في البلاد ذلك أن 90% منها كانت تعتمد على الغاز كوقود في إنتاجها يذكر أن حجم الطلب الحالي في سوريا على الطاقة الكهربائية وفي ظل نزوح وخروج ملايين السكان والتدمير الذي لحق بالكثير من البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والإنتاجية يبلغ حدود 6500 ميغا واط تحتاج لنحو 7000 طن نفط مكافئ ينتج منها ما بين 1500 إلى 2000 ميغاواط فقط وبذلك تصل نسبة الطاقة المولدة المتاحة حوالي 25 – 30% من حجم الطلب على الطاقة علماً أن ما يصل لمحطات التوليد من حاجتها من الغاز لا يتجاوز 8 مليون م3 من أصل الحاجة الكلية 20 مليون م3 أما الفيول فيصل منه 2000 طن من أصل حاجتها الفعلية البالغة 15000 طن ما يتسبب في انخفاض كميات الإنتاج تنتهي بساعات تقنين طويلة في معظم المناطق السورية لتصل لأكثر من 18 ساعة في بعضها في حين يتواصل انقطاع التيار الكهربائي لأيام وأحياناً أسابيع في مناطق أخرى وخاصة تلك التي تشهد مواجهات عسكرية أو تقع تحت الحصار أو تقع ضحية عملية ضغط من قبل الجماعات المسلحة مستخدمة قطع التيار الكهربائي وبالتالي مضخات المياه كسلاح.

حقل الشاعر في مرمى العمليات العسكريةgaz-3جاءت العديد من التحليلات السياسية حول الحرب السورية بأنها صراع الدول الكبرى حول تقاسم النفوذ والسيطرة على إحدى البلدان التي يتوقع أنها تحتوي على احتياطي غازي كبير وذهبت معظم تلك التحليلات إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء على خلفية رغبتها في السيطرة على مفاتيح #الشرق_الأوسط من خلال البوابة السورية وهي تدرك تماماً أن أحد اهم عوامل انهيار #الاتحاد_السوفيتي السابق كان بعدها عن منابع الطاقة وبالتالي عدم إمكانية مد القطاعات الاقتصادية والصناعية في البلاد بحاجتها منها آنذاك.

وفي الحرب الدائرة في البلاد تبادلت الأطراف المتنازعة السيطرة على حقول النفط والغاز واعتبرت ذلك مسألة هامة وحيوية لها من خلال ما تدره هذه الحقول من واردات مالية من جهة ولضرب الطرف الآخر في احتياجاته من الوقود والمحروقات من جهة ثانية.

لذلك كان #حقل_الشاعر في #حمص إلى جانب بعض الآبار الأخرى الموجودة في المنطقة هدفاً مستمراً تسعى القوى المختلفة للسيطرة عليه والتي بدأت منذ تموز من العام 2014 ويعد حقل الشاعر أكبر حقول الغاز السورية حيث يصل إنتاجه لحدود 3 مليون م3 يومياَ ويضم هذا الحقل ستة آبار غازية ومحطة لتجميع الغاز تصل طاقتها التخزينية إلى 2.8 مليون م3 قامت جماعات تنظيم الدولة “#داعش” بتفجيرها مطلع تموز الماضي وضرب خط الأنابيب التي يبلغ طولها 77 كلم توصل الغاز المنتج إلى محطة المعالجة الواقعة في منطقة #الفرقلس (معمل إيبلا) أو ما يسمى معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى لذلك شكل هذا الحقل هدفاً مستمراً للجماعات المسلحة للسيطرة عليه وعلى الحقول الواقعة بجواره كحقل #المهر و #الهيل و #الأراك و #دبيسان و #أبو_رباح شرقي مدينة #تدمر الأثرية والتي تنتج بمجموعها الآن ما يبلغ تقريباً نصف إنتاج البلاد من الغاز أي حوالي 6 مليون م3 يومياً وتضم ايضاً شركة حيان للغاز لذلك شكلت مسألة السيطرة عليها من قبل تنظيم الدولة أكثر من مرة معضلة أساسية للحكومة السورية كونها تغذي المحطات الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية للمنطقة الجنوبية وللعاصمة #دمشق وحمص وإن انقطاع هذه الإمدادات كان يتسبب دائماً في إحداث أزمات مختلفة كانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في تلك المناطق أو زيادة عدد ساعات التقنين على أقل تقدير وقلة عرض أسطوانات الغاز المنزلي وبالتالي ارتفاع في أسعارها في السوق السوداء فضلاً عن إقفال العديد من المنشآت الحيوية كالمطاعم والمخابر الطبية وورش الخياطة وغيرها بسبب الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي لفترات طويلة نتيجة عدم توفر الغاز.

الأزمة تقوض مشاريع استثمار الغاز

بالرغم من أن الاستثمار في قطاع الغاز في سوريا بدأ مطلع السبعينات من القرن الماضي  إلا أن التوسع فيه لم يحدث إلا منتصف التسعينات وذلك نتيجة تزايد الحاجة للغاز والهدر الذي كان يحصل في حرق الغاز المرافق على الشعلة حيث بدأت الحكومة السورية منذ عام 1995 خططاً لزيادة الاستثمار والإنتاج في قطاع الغاز فقد كان حجم الإنتاج يصل حينها إلى 6.6 مليار م3 سنوياً وحجم الفاقد منه كغاز محروق على الشعلة كان يصل إلى 3.2 مليار م3 أي حوالي 49% من حجم الإنتاج وشرعت الحكومة حينها بالتوسع في الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي الهام من خلال مشاريع تم إنشاؤها ووضعت في الاستثمار بالإضافة إلى مشاريع بدأت بدراستها وتنفيذها.gaz6

كما قامت بتحديث وزيادة شبكة توزيع الغاز الطبيعي داخل البلاد فوصل طول الخطوط التي تربط كافة مواقع الإنتاج والاستهلاك ببعضها البعض 2126 كلم وبأقطار مختلفة تتراوح بين 24/21 إنش فاستطاعت بذلك أن تصل بحجم الإنتاج في عام 2000 إلى حوالي 7.5 مليار م3 فضلاً عن تقليل حجم الفاقد من المحروق على الشعلة لنسبة 9% فقط من حجم الإنتاج وبذلك جرى تطوير احتياطيات الغاز الحر في سوريا على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية ما ولّد كمية كافية من الغاز للاستهلاك المحلي وقلل من حجم فجوة استهلاكه في البلاد وزاد من مخصصات محطات إنتاج الكهرباء وفي ذلك اعتمدت الحكومة السورية في السنوات التي سبقت الأزمة على الاتفاقات مع #الحكومة_الروسية وبعض الشركات الروسية كـ “سترويستان غاز” لبناء مصانع وخطوط أنابيب لقطاع الغاز السوري والتي جرى تمويل بعضها عن طريق المقايضات في إطار قيام #روسيا بشطب نحو 12 مليار #دولار من الديون السورية في العام 2005.

ومع ارتفاع الطلب على الغاز نتيجة تزايد حاجة القطاعات الاقتصادية المختلفة له ازداد حجم الإنتاج حتى وصل في عام 2010 إلى حوالي 11 مليار م3 ما لبث أن تراجع نتيجة الأحداث التي اندلعت في سوريا وسيطرة المعارضة المسلحة على معظم حقول النفط والغاز في البلاد بدءاً من العام 2013 حتى وصلت إلى 5.7 مليار م3 عام 2015.

وتعمل الحكومة السورية وبالترافق مع محاولة إعادة السيطرة المستمرة على حقول الغاز في المنطقة الوسطى على تنفيذ مشاريع الغاز الممكنة في البلاد واستكمال المشاريع التي بدأت بها وخاصة مشروع غاز شمال المنطقة الوسطى الذي من المتوقع أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 3.2 مليون م3 مدركة الأهمية الحيوية لاستخدامات هذا المورد الطاقي الهام والنظيف وخاصة إمداد تلك المناطق الرئيسية الواقعة تحت سيطرتها كالعاصمة دمشق والمناطق الوسطى والغربية من البلاد.

إلا أنه يمكن الإشارة إلى قلة جدوى الإضافات التي يمكن أن تحققها #وزارة_النفط والثروة المعدنية على كميات الغاز المنتجة أو المخزنة ويعود السبب في ذلك إلى أن معظم أنابيب النقل بين الآبار ومحطات التجميع تعرضت إما للتدمير نتيجة العمليات العسكرية أو للتلف نتيجة تأخر الصيانات والعمرات الدورية فيها مما أصابها بنوع من الشلل شبه التام في معظم الحقول الرئيسية لإنتاج الغاز فحقل العمر كأكبر الحقول النفطية في البلاد والذي يضم معملاً للغاز يقع تحت سيطرة تنظيم الدولة وحقل الشاعر الذي يضم آباراً متعددة ومحطة لتجميع الغاز في وسط البلاد تعرض للتدمير والتخريب أكثر من مرة وتبادلت الحكومة مع تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة عليه في حين أن الحقول الواقعة في شمال شرق البلاد ومعمل غاز #الجبسة و #غاز_السويدية تقع تحت سيطرة #الوحدات_الكردية فضلاً عن انقطاع خطوط الأنابيب التي يمكن أن توصل الآبار بمحطات التجميع أو توصل محطات التجميع بمعامل الغاز لمعالجته وإنتاج الغاز النظيف وبالتالي عدم التمكن من إيصاله إلى مناطق الاستهلاك.

واقع الحال الآنgaz

تشير معظم الاحصائيات الصادرة عن وزارة النفط والثروة المعدنية إلى تراجع كبير في حجم الإنتاج من الغاز في سوريا لأقل من النصف حيث بلغ في نهاية عام 2015 حوالي 5.7 مليار م3 وجاءت تصريحات وزير النفط السابق في الحكومة السورية أن “الإنتاج في عام 2016 لن يبلغ أكثر من 4 مليار م3 نتيجة الظرف السيئة التي تركتها الأزمة وخسارة الحكومة لمعظم الآبار وحقول الغاز ومعامله في سوريا”.

وهذا ما تلمسناه حقيقة من خلال الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز لإنتاجه وحذو الحكومة إلى رفع سعر أسطوانات الغاز المنزلي أكثر من مرة كان آخرها في حزيران الماضي حيث ارتفع سعر الجرة الواحدة من 150 ليرة قبل بداية الأزمة إلى 2500 ليرة بعد خمس سنوات من الأزمة أي بنسبة زيادة وصلت إلى 1566%.

لكن الحديث عن الإمكانات الغازية الهائلة في سوريا لا يتوقف ففي دراسة لمنظمة #الإسكوا قدرت ان الاحتياطي الجيولوجي للغاز الطبيعي بأنواعه يبلغ حوالي 705مليار م3 وأن الاحتياطي القابل للإنتاج يبلغ 405 مليار م3 كما أشارت الكثير من الدراسات أن المياه الإقليمية السورية تحتفظ بكميات ضخمة من الغاز وخاصة بعد الاكتشافات الكبيرة التي تمت في المنطقة امتداداً من #إسرائيل إلى #لبنان وحتى قبالة السواحل القبرصية إلا أنه ولو ثبتت مثل هذه الفرضيات فإنها تحتاج لمبالغ ضخمة للتنقيب والاستكشاف ومن ثم الإنتاج وبالتالي لا يعتقد أن بمقدور الحكومة السورية القيام بذلك وحيدة وحتى أنها عندما طرحت هذا المشروع للمناقصة فإنه لم يتلق سوى استجابات محدودة على الصعيد العالمي وذلك بسبب الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها البلاد من جهة والعقوبات الاقتصادية المفروضة على حكومة النظام السوري من جهة ثانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.