رامي أدهم “مهرب الألعاب إلى حلب” أصبح بطلاً دولياً في فترة وجيزة، حيث خاطر بحياته مراراً وتكراراً لإيصال الألعاب والمساعدات إلى الأطفال المحاصرين في حلب، ماشياً على قدميه عبر الجبال، ومتسلقاً التلال تحت ستار الليل.

حظي أدهم بتغطية إعلامية كبيرة حيث اهتمت شبكات كبيرة مثل الـ CNN والـ BBC والجزيرة بقضيته، وساهمت هذه التغطية في زيادة التبرعات الخيرية لمشروعه بنسبة كبيرة فوصلت خلال شهور قليلة إلى 80000 يورو.

هو أب فنلندي لستة أطفال، سوري الأصل، غادر سوريا أواخر الثمانينات ويدير متجراً للغذائيات في هلسنكي.. أدهم كان قد حقق شهرة كبيرة في #فنلندا، وظهر علناً مع المشاهير والسياسيين. وقد حضرت السيدة الأولى في فنلندا (جيني هوكي) نشاطاً فنياً نظمته منظمة أدهم غير الحكومية (الجالية السورية في فنلندا).

ومع ذلك، صوّر تحقيق أجرته ماريا منير لصحيفة الـ HS والذي نُشر بتاريخ 21 تشرين الأول أدهم بصورة جديدة.. فقد أنشأت منظمته مشروع “يتيم حلب” بالتعاون مع #مؤسسة_الكفاح، يتلقى الأول تبرعات لينقلها بدوره إلى المؤسسة التي تكفل الأيتام والمشردين والنازحين جراء الحرب، فيكون لكل متبرع يتيم مخصص له يكفله في #حلب.

لكن وعلى ما يبدو لهذا المشروع عدة مخالفات ذلك بناءً على وثائق حصلت عليها الـ HS، حيث تظهر أن أدهم “قد لفّق قصصاً حول إصابته لكي يلفت انتباه الإعلام”، كما ذكرت الـ HS في وقت سابق من شهر تشرين الأول أن “لأدهم ارتباطات بحركات إرهابية”، الأمر الذي أنكره أدهم.

بحسب التحقيق، ظهر أدهم في صورة عامة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يشاركه فيها الجهادي المعروف عبد الله #المحيسني، ويذكر أدهم في المنشور المرفق أن المحيسني يساوي مئة ألف رجل، وأنه شيخ محبوب ومثال للمجاهدين.

أدهم الذي يواجه تهمة بتنفيذ عملية هجوم في فنلندا، تصدّر في شهر كانون الثاني من هذا العام عناوين صحف في فنلندا تحدثت عن إصابته بجروح في غارة جوية على حلب ذلك أن إصابته جاءت في سياق عمله في مجال الإغاثة.

وذكرت صفحة منظمة (الجالية الفنلندية السورية) غير الحكومية _ والتي سجّلت في فنلندا عام 2014 _ على الفيسبوك أن “الأخ رامي كان ضحية قصف اليوم، ولسوء الحظ ما زلنا غير قادرين على الاتصال به “.

وقد أُرفق منشور بعد يومين بصورة لأدهم مضمد الرأس والذراع الأيسر، حيث كان ذراعه مربوط إلى رقبته. وقد جاء في المنشور: “الأخ رامي الآن على الجانب التركي من الحدود، تم نقله لتلقي المعالجة الطبية، وقد يعود إلى فنلندا غداً”. وقد حصلت الـ HS على دليل يوحي بأن “الإصابة كانت كذبة ملفقة من أجل الدعاية والإثارة”.

رسائل الواتس آب النصية والصوتية المنقولة إلى الـ HS تكشف أن أدهم ومساعده السابق سامي مشعل لفّقوا حكاية الإصابة بتفاصيلها لبيعها لوسائل الإعلام الفنلندي. وقد “تم التأكد من صحة الرسائل من قبل خبير تكنولوجيا المعلومات”.

سامي، مصور سوري ساعد أدهم في صناعة مقاطع فيديو في حلب، وقام الثاني بجمع المال علناً لمساعدة ابنة سامي بعد أن أصيبت بعيار ناري من قبل قناص في حلب، ويتواجد الأب وابنته حالياً في فنلندا يطلبان اللجوء.

وبحسب التحقيق، وافق مشعل على مشاركة محادثاته مع أدهم المحفوظة على هاتفه مع الـ HS _ والتي ترجمت بشكل محترف من العربية إلى الفنلندية _ لأنه شعر بأن أدهم استغله، وذلك بعد أن وافق على مساعدة أدهم لأن الأخير وعده بمساعدته في حصول ابنته المصابة على المعالجة الطبية في فنلندا. وفي النهاية تبنى مستوصف فنلندي تكاليف العمل الجراحي.

وقال مشعل: “أقنعني أدهم كما أقنع آخرين أننا إذا ما ساعدناه فسوف يتبرع الناس أكثر من أجل الأيتام “.

وقد ورد في رسائل الواتس آب العائدة إلى كانون الثاني الماضي عرضاً لتفاصيل القصة المحبوكة بين أدهم ومشعل: “سوف يتواجد أدهم تحت الأنقاض بعد غارة جوية، تتسبب في إصابته في الرأس والذراع، وسترد أخبار عن أن رامي أدهم مصاب إصابة خطيرة إثر غارة جوية وحالته خطرة، وسوف يغيب أدهم عن الفيسبوك، ويغلق هاتفه لمدة ثلاثة أيام”.

وكتب أدهم: “ربما أقابل الأيتام بيدي المصابة، أو ربما يأتون إلي في مؤسسة الكفاح لأعطيهم الألعاب. ولذلك فقط سوف تنصب لي فنلندا تمثالاً في هلسنكي. وسيبكي الجميع”.

وأرسل أدهم لمشعل صورة له يظهر فيها مستلقياً على جانبه الأيمن في سيارة ورجل آخر ينحني لمساعدته، فعلّق مشعل قائلاً: “يجب أن يبدو الرجل وكأنه يساعدك لتستلقي على ظهرك ويعالج ذراعك”.

وأضاف مشعل في رسالة تذكيرية لأدهم. فقال: “يجب أن تقنع نفسك أن ذراعك مكسورة قبل أن تقنع غيرك”.

وبحسب التحقيق، فقد أرسل أدهم لمشعل رسالة نصية _ قبل إصابته _ مكتوبة باللغة الإنكليزية لتكون أول منشور يكتب على الفيسبوك بعد الحادثة، جاء فيها: “لسوء الحظ فقدنا الاتصال مع الأخ رامي أدهم اليوم، وحصلنا على تقارير تفيد بأنه كان من بين المصابين في قصفٍ قرب حلب”.

وبالفعل تحدث العديد من وسائل الإعلام الفنلندية عن إصابة أدهم، ونشرت صوراً له. كما تبعها ظهور أدهم بذراعه المحمولة على كتفه جالساً في استوديوهات التلفزيون ليحدث الناس عن إصابته، فقد أحسن اختيار لعبة تهريب الألعاب ليحقق بها شهرة واسعة.

وكشفت الرسائل أن أدهم ومشعل “أرادا تجهيز تسجيل فيديو للهجوم، لكن خطتهم لم تنجح حيث أن معظم القذائف التي تم تسجيل سقوطها لم تنفجر”.

نشأ خلاف بين هذين الشخصين فيما بعد، فادعى مشعل أن أدهم اعتدى عليه وأبلغ الشرطة بذلك، كما تحدث إليهم أيضاً بشأن الرسائل النصية والصوتية.

وفي إحدى الرسائل كان مشعل يسأل عن إمكانية تعيين محامٍ للحصول على وثائق شرعية، فوعده أدهم بتوفير بطاقة هوية مزورة، قائلاً: “يمكنا عمل هوية مزورة إذا رغبت، ولم لا؟ فقد عملت لنفسي واحدة اليوم “.

وبعد عدة محاولات فاشلة، تمكنت الـ HS من الاتصال بخالد صبحا _ مدير مشروع يتيم في مؤسسة الكفاح المتواجد في حلب – والذي علل قائلاً: “لدينا مشاكل أكبر لنناضل من أجلها”. أما في تطرقه للحديث عن أدهم قال: “أنا لا أريد أي علاقة مع إنسان منحط كهذا”. لكنه في النهاية وافق على الحديث فأوضح أن تعاون الكفاح مع أدهم بدأ عام 2013، حيث جلب لهم برامج مساعدات إنسانية تضمنت ملابس ومواد غذائية، وذكر أن أنشطة المؤسسة تتضمن العمل الإنساني مع الأيتام والمشردين واللاجئين داخلياً.

وأضاف: “اعتقدنا أنه شخص جيد، وإلا لماذا يسافر شخص كل هذه الكيلومترات ليصل إلى هنا لو لم يكن شخصاً جيداً؟! وبالرغم من ذلك كان لدي بعض الشكوك حول أمانته. وأصبح شخصاً مشهوراً جداً لدى أجهزة الإعلام الفنلندي “.

تلقت منظمة أدهم للمساعدات الإنسانية في فنلندا مبلغ 35 يورو شهرياً عن كل يتيم، يخصص هذا المال من قبل المُتبرّع ليتيم خاص به، ويتأكد المُتبرّع من أن هذه الأموال سوف تذهب مباشرة لمساعدة هذا الطفل حيث يُرفق بشهادة مانحة مع صورة وتفاصيل تتعلق بالطفل اليتيم.

لكن خالد صبحا أكد أن مشروع اليتيم لم يتلقى سوى تسعة إلى عشرين يورو شهرياً عن كل طفل من الجالية السورية في فنلندا. وهذا أقل بكثير مما زعم أدهم.

وأضاف صبحا: “المؤسسة كانت غافلة في بادئ الأمر عن الكمية التي يجمعها أدهم من المتبرعين الفنلنديين”، كما أرسل صوراً لـلإيصالات المختومة بشعار المؤسسة إلى الـ HS، وكان لدى الكفاح إيصالات أيضاً لتبرعات من #ألمانيا.

وعلى النقيض من أقوال أدهم، يقول صبحا أنه من المستحيل أن يوجه المتبرع المبلغ الممنوح إلى طفل معين. والسبب الرئيسي أن أعداد الناس المحاصرة في حلب متقلب.

وقد أنهى صبحا الشراكة بين أدهم والكفاح. فقال: “رفضت الاستمرار في التعامل معه وأخبرته أن الأيتام ليسوا بحاجة إليك. أنا لن أسمح لشخص أن يستغل حلب وأيتام #سوريا من أجل تحقيق المال والشهرة”.

ويقول صبحا إنه ناقش هذه المخالفات مع المنظمة، وأنها بدأت بإعطاء الوعود منذ شهر حزيران بأن الكفاح سوف يحصل على مبلغ 35 يورو شهرياً عن كل يتيم. وأضاف: “لم تصلنا مساعدات شهري آب وأيلول حتى الآن”.

واجهت الـ HS أدهم بتلك الاتهامات، فأنكرها بشدّة.. يقول أدهم أنه “لم يلفّق أي قصة حول إصابته في القصف على حلب، يضيف أنه لربما مزح بشأن بعض التفاصيل، لكنه بالتأكيد لم يكذب”.

وقال أيضاً: “ذلك اتهام مضحك، لا أحد يمكن أن يختلق قصة كهذه. لقد كنت في منطقة الحرب المحتدمة في مكان خطر جداً”.

كما أنكر أدهم إعطاء مبالغ شهرية أقل من الـ 35 يورو شهرياً ويقول إنه أرسل المساعدات بأشكال أخرى بالإضافة إلى المال. وبحسب ادعاء أدهم، فإن الـ 35 يورو وصل منها حوالي 33 يورو لكل طفل.

كما أرسل أدهم إيصالات إلى الـ HS تعود إلى هذا العام وتدعم أقواله. وبهذا تختلف ادعاءات كل من أدهم وصبحا في نواحٍ كثيرة.

وأكد أدهم أن الجالية الفنلندية السورية قطعت كل أشكال التعاون مع مشروع يتيم لمؤسسة الكفاح في آب من هذا العام. والسبب بحسب رأيه عدم مقدرته قبول إصرار المؤسسة توجيه التبرعات إلى كل الأطفال. فقد أراد أدهم أن يكون لكل متبرع طفل خاص يكفله. ويقول بأن المنظمة لديها 260 يتيم في حلب.

وقد صرح أدهم أن مشروع اليتيم أغلق في حلب بعد اتصال الـ HS بهم يوم الثلاثاء. وأنه نظّم يوم الأربعاء حملة جمع من خلالها أكثر من 80000 يورو، وأن تلك الحملة أيضاً أُغلقت فجأة.

“قدم الكثير من الناس التبرعات لمنظمة أدهم في اعتقادٍ صريح بأنه قادر على إيصال المساعدات إلى حلب، وأن التبرعات لن تذهب لسد التكاليف الإدارية أو السمسرة. كما تبرع الأطفال الفنلنديين بألعابهم ومصروفهم اليومي” تقول HS.

أحد السوريين المقيمين في فنلندا، والذي تحدثت إليه الـ HS، أوضح أنه تبرع لمشروع ادهم لمدة سنة كاملة، لكنه رفض ذكر اسمه. حيث قال أنه لم يكن يعرف شيء عن أدهم سوى ما يسمعه عن عمله الإنساني. فأعطى المال لأدهم نقداً. لكنه ومثل السوريين الآخرين المقيمين في فنلندا، والذين سمعوا بادعاءات مؤسسة الكفاح أنهم يتلقون أقل مما يتلقى أدهم، توقفوا عن العطاء.

وأعرب الفنلنديون السوريون عن قلقهم العميق إزاء الكشف عن أدهم، “ما سيجعل الناس يسخرون من تقديم المساعدات إلى سوريا التي مزقتها الحرب. ورغم ذلك يريدون التحدث أكثر، لأنهم يخافون من أن أدهم يشوه سمعة السوريين وجهود الإغاثة بشكل عام”.

أما وبحسب المدافعين عن أدهم، فإن قيامه بهذه المهمة الإنسانية يجعل من الضروري تعرضه لهذه الاتهامات بين الحين والآخر لمجرد تشويه سمعته. ويؤكدون أن العديد من المعارضين للحكومة السورية في شرقي حلب مقربين من الجماعات الإسلامية في المنطقة.

وكما هو واضح الآن، هناك تناقضات في جوانب عدة من عمل أدهم، “فصحيح أنه زار شرقي حلب أثناء الحرب الأهلية، وأنه خاطر بحياته من أجل تسليم المساعدات إلى سوريا. وبحسب المصور سامي مشعل، الألعاب والمساعدات التي ظهرت في الصور وصلت بالفعل إلى الأطفال. لكن القصة لاقت رواجاً إعلامياً ضخماً. أما عن الأموال التي تم جمعها من قبل أدهم، ما زال مصيرها غير واضح. فأين ذهبت؟”.

إن الحرب السورية الآن في عامها السادس، وقصة ” مهرب الألعاب إلى حلب” كانت إحدى استراحات الأمل في ظلام البؤس، فمازالت محنة حلب مستمرة، وما تزال وكالات الإغاثة تأمل أن تتمكن من إيصال شحنات الإسعافات الأولية إلى المدينة في وقت قريب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة