د. محمد حبش

كان اكتوبر 2015 يوم تدخل الروس إعلاناً لنهاية أفكار السلم والحوار وتقاسم السلطة على مستوى الداخل السوري، ليس على  مستوى #النظام فحسب بل حتى على مستوى الأحزاب المعارضة في الداخل التي تراجعت عن نداءاتها للسلم والحوار واختارت المضي في مشروع النظام نحو حل عسكري، بل مارس بعضها المزاودة على النظام في عبادة الجيش والبسطار بوصفه الحل الحقيقي في مواجهة التطرف..

وبعد أن استقدم الكتائب الطائفية المتعددة الجنسيات الكافرة بالوحدة والحرية والاشتراكية والتي جاءت تحارب السوريين انتقاماً للحسين، وثأراً لكربلاء جاء  النظام بجحافل الروس الذين يملكون أكبر ترسانة عسكرية في العالم، وبدا كما لو أنه قلب كل الموازين، وبدا أن الحسم مسألة  أيام أو أسابيع، ومنح الروس ما شاؤوه من مزايا وقواعد عسكرية ووقعوا اتفاقاً مع النظام على حق الانتشار العسكري على الأرض السورية إلى أجل غير مسمى، وأصبح #مطار_حمميم مركزا لاتخاذ  القرارات المصيرية بشأن #سوريا، وسلم البرلمان والحكومة والقيادة والنقابات والجيش قراراتهم طوعاً للضباط الروس.

حتى رجال الدين الذين باتوا لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإنهم انطلقوا إلى السفارة الروسية بدمشق يعلنون أن الله ورسوله يقفان إلى  جانب المحارب الروسي النبيل الذي يقاتل لاسترداد الإسلام من المتطرفين، وإعادة الأمن والسلم إلى سوريا!!

كان من الواقعي أن يعتقد المؤيدون للنظام والخائفون من الصعود الإسلامي أن النهاية أصبحت قريبة فروسيا لم تحضر لتخسر وهي  تملك كل المقومات لسحق التمرد ونصرة النظام العسكري الذي يشبهها تماما.

ولكن بعد أكثر من عام على القصف الروسي المدمر الذي فاق كل مآسي الوطن المنكوب والذي تركز بشكل خاص على #حلب بوصفها حاضنة التطرف ومركزاً للمشروع الجهادي، مع أن هذه المعنى الذي يبحث عنه الروس موجود في كل قرية سورية، ومن الجلي أن استمرار هذا اللون من المعالجة يعني دمار كل أشكال الحياة والاحياء والانسان على سائر التراب السوري.

وبعد مرور نحو أربعمئة يوم من القصف الروسي اليومي، وتخصيص الأشهر الأخيرة لحلب وحدها والبدء بتدميرها من الشرق بيتاً بيتاً وبناية بناية … ولكن لم تنجل المعركة عن انسحاق وصمت بل عن مزيد من النار والدمار والضحايا من الأبرياء.

لا أعتقد أن سورياً له قلب يمكنه أن يباهي بشيء في هذه المأساة المريعة، حيث الكل خاسر، والدم السوري يقدم على مذبح الكبار من أجل لا  شيء، ولا شيء يتغير إلا أعداد القتلى وحجم المقابر.

الخرق يتسع على الراقع كل يوم، والدماء التي تنزف تعود بطوفان من مشاعر الثأر وطبول الحرب وإرادات الكراهية.

المشهد نفسه يتكرر… تتقدم المعارضة فتغرق في وهم الحسم، ثم يبطش النظام فيغرق في الوهم إياه، ولا تنتهي المأساة… وتتحول سوريا كلها إلى مادة قمار تتطاحن عليها الأمم.

الأيام الأخيرة  تدعونا إلى فعل شيء .. صوت الاعتدال الذي كانت سوريا تسمعه في الداخل أيام مؤتمر صحارى  وسميراميس وأيام الراحل مازن  مغربية والغائب عبد العزيز الخير والمطران يوحنا ابراهيم والطريق الثالث وأيام فاروق الشرع … الأصوات النبيلة التي توقفت منذ أن توحشت الحرب واتخذت القيادة السورية قرار الحسم .. أصبح من الوفاء لهذه الاصوات أن تعود اليوم لتكرار النصيحة فربما يشعر أولئك الذاهبون بسوريا إلى الهول والمجهول أنه لا نهاية لهذا الجنون، وأن الحل هو في حضور العقل والتخلي عن وهم الاستبداد والقبول بفتح صفحة جديدة لسوريا، عبر  مبادرات جريئة ومؤلمة يقوم بها النظام لإنقاذ ما تبقى من سوريا.

الوهم اللئيم الذي يتحدث عن غزو خارجي لسوريا غير واقعي، فالثائرون سوريون بواقع أكثر من 95 بالمائة حتى في سوق الحركات المتطرفة، إنهم متطرفون .. نعم ولكنهم سوريون، إنهم المتدينون من أبناء هذا الريف المسحوق الذي تم تهميشه وإذلاله عبر أجهزة القمع وقام من تحت أنقاض الموت الذي ألقته عليه طائرات الوطن ومدافعه وصواريخه وبات يعتبر الآن أن ساعة الحقيقة قد دقت ولم يعد لديه ما يخسره….

اليوم  هناك فرصة للسلام.. المعارضة المسلحة تسبح في وهم الحسم العسكري الذي سبح فيه النظام منذ خمس سنوات، والأيام دول، يوم لك ويوم عليك، والأخبار من حلب لا تسر النظام ولا حلفاءه، والأسرى من الفصائل الطائفية التي جاءت لغوث النظام يبلغون المئات في سجون الثوار، والمدن السورية مشروع قمار على طاولة الأمم الغازية.. والسوري المسحوق آخر من ينصرف الاهتمام إليه.

ربما كان لدى بعض الفاعلين في هذا النظام البائس من يستمع إلى بقية من خطاب العقل.. النار لن تطفأ بالنار، والحديد لن يفله الحديد، والتطرف لن يفله التطرف، والظلم لن يجلب الاستقرار، ومواجهة نوازع التدخل الخارجي لا تكون باستقدام الجيوش الجرارة ذات النوايا الاستعمارية الطائفية.

أيها السوريون في الداخل.. ارفعوا أصواتكم بالنداء من أجل  السلام.. لا تتركوا العسكر يحكمون مصائركم، هناك فاعلون كثير لا يؤمنون بالحرب ويلعنون الأشرار الذين يأخذون الأوطان إلى الموت، ربما يعضد صوت صوتاً ويطلق الشرفاء مبادرة تحقق كرامة السوريين وتنهي المأساة المريرة والموت الأسود.

هل سيكون لصيحة العقل هذه مسمع لدى العقلاء في الداخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الوطن المنكوب؟؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.