د.عبد الصمد اسماعيل:

– ارتفعت تكاليف الإنتاج في القطاع الزراعي خلال سنوات الحرب بأكثر من 12 ضعفاً.

– وصلت تكاليف زراعة هكتار واحد “مروي” من القمح إلى 150.000 ليرة سورية.

-رفع أسعار المحروقات زاد من التردي الحاصل في مستويات العمل والإنتاج في القطاع الزراعي.

– توفير مدخلات الإنتاج من محروقات وبذار محسنة وأسمدة عضوية بأسعار مناسبة تخفض من تكاليف الإنتاج.

 

إذا كانت الحرب قد جاءت على جميع المفاصل الرئيسية للاقتصاد السوري وقطاعاته، فقد تركت بصماتها السوداء من خراب ودمار وتهديم للبنية التحتية عليها، ولم يكن القطاع الزراعي بمنأى عن تلك الحرب، حيث نال القطاع الزراعي نصيبه من الخراب والتدمير وترك الفلاحين أراضيهم وقراهم نتيجة المعارك وعمليات القصف والمواجهات العسكرية المستمرة، ما أدى إلى تراجع كبير في حجم الإنتاج الزراعي وفي نسبة مساهمته في الناتج المحلي، الأمر الذي أدى إلى شح في كمية المعروض من المنتجات الزراعية في الأسواق السورية وارتفاعات جنونية في أسعارها.

zera3a ولم يعد المواطن ذو الدخل العادي قادراً على تأمين ربع احتياجاته اليومية منها، مما أصاب الدورة الزراعية بصعوبات كبيرة وأفرز الكثير من المعوقات في طريقها كان من أهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج.

تكاليف الإنتاج الزراعي تزداد 12 ضعفاً

ونحن في بداية موسم زراعي جديد في البلاد تزداد شكوى المزارعين هذه الأيام من ارتفاع تكاليف الإنتاج في جميع العمليات الخاصة بزراعة الأرض وسقايتها، فقد بلغ متوسط ارتفاع تكاليف الإنتاج في القطاع الزراعي أكثر من 1200% أي حوالي 12 ضعفاً لم يعد معها الكثير من المزارعين قادرين على تغطية تلك التكاليف والاستمرار في الإنتاج.

وارتفعت أسعار #البذار و #الأسمدة مع قلة توافرها وانخفض منسوب المياه بشكل كبير وأصبحت مسألة تصريف المنتج الزراعي في ظل انقطاع الطرق وارتفاع تكاليف المواصلات مسألة في غاية الصعوبة، مما دفع الكثير من المزارعين للنزوح أو التحول إلى مهن أخرى أكثر ربحاً وأقل كلفة وخاصة تلك المهن التي أفرزتها الحرب خلال سنواتها الخمس الماضية.

وجاءت قرارات الحكومة المتتالية برفع أسعار الأسمدة و #المحروقات كـ “لهب نار سقط في كومة قش”، فاشتعلت الأسعار في هذا القطاع الحيوي الهام تكلفة وإنتاجاً ومحصولاً ليصبحا المزارع والمستهلك معاً ضحية لهذه السياسات الاقتصادية الجائرة التي تهدف الحكومة من ورائها إلى تأمين المزيد من الموارد المالية لموازناتها التي تعاني ليس فقط من العجز بل ومن #التضخم الجامح.

وإذا كان #المازوت يشكل عصب الإنتاج في القطاع الزراعي من بداية الدورة الزراعية وحتى نهايتها من الحرثة الأولى وحتى لحظة تصريف المنتوج في الأسواق، فقد جاءت قرارات الرفع المستمرة لسعره خلال السنوات الخمس الماضية لتشكل ضربة قاصمة لهذا القطاع الذي يعاني أصلاً من تراجعات مستمرة في الإنتاج وفجوات كبيرة بين حاجة البلاد من المنتجات الزراعية والكميات المنتجة منها فعلاً دفعت بمساهمته في الناتج المحلي نحو الانخفاض المريع حيث بلغت حوالي 5% فقط خلال العامين الماضين بعد أن كان يشكل أكثر من 18% قبل بداية الأزمة.

رفع أسعار المحروقات ترفع تكلفة الإنتاجzera3a1

يشكل القطاع الزراعي أهمية قصوى داخل #الاقتصاد_الوطني إذ ما يزال يعتبر النهر الذي يرفد الحياة الاقتصادية والمعيشية في البلاد، فهو يعد مورداً لأكثر من 46% من سكان #سوريا ويعمل فيه ما يقارب المليون عامل، هذا فضلاً على أنه يؤمن حاجة البلاد من المنتجات الغذائية بشقيها النباتي والحيواني ويرفد العديد من الصناعات المحلية بالمواد الأولية ولا سيما صناعة المنسوجات.

ومن هنا كان لزاماً على القائمين بالسياسات الاقتصادية ضرورة المحافظة على سير العمل والإنتاج في القطاع الزراعي بصورة صحيحة وليس اتباع سياسات تشل من العمل والإنتاج فيه في ظل ما تعانيه البلاد من شح العرض وانخفاض كميات الإنتاج داخل الاقتصاد الوطني نتيجة توقف الكثير من المعامل والمصانع وتراجع حركة التجارة الخارجية وتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية لدى السكان الأمر الذي يشكل الوجه الآخر لمآسي الأزمة والحياة المعاشية في البلاد.

فقد جاء قرارات رفع أسعار عوامل الإنتاج في القطاع الزراعي في غير مصلحة البلاد وأهلها وفي غير صالح اقتصادها الوطني ولا سيما رفع أسعار المحروقات والوقود.

فقد تسبب ارتفاع أسعار المازوت بحوالي 1200% منذ بداية الأزمة وحتى الآن (كان سعر اللتر 15 ليرة مع بداية الثورة وقد أصبح الآن 180 ليرة) تسبب بارتفاع تكاليف الإنتاج بحوالي 500% تقريباً الأمر الذي انعكس سلباً على الفلاحين والمزارعين وعلى أنشطتهم الزراعية نتيجة ارتفاع تكاليف العمليات الزراعية برمتها بدءاً من الحراثة والبذار وليس انتهاءً بالحصاد والتصريف، مما أصاب أسعار السلع والمنتجات الزراعية في الأسواق بارتفاعات جنونية لم تشهد البلاد لها مثيلاً من قبل وصلت خلالها أسعار الخضار والفواكه لمستويات قياسية فاقت 1000% تلك في أحسن الأحوال.

ارتفاع تكاليف إنتاج القمح

فإذا سقنا تكاليف زراعة #القمح كمثال والتي تغطي المساحات المزروعة منه حوالي 1.68 مليون هكتار، فقد ارتفع سعر حراثة الهكتار الواحد من 400ليرة سورية قبل الأزمة إلى 2000 #ليرة سورية الآن أي بنسبة زيادة بلغت 500%.zera3a2

كذلك ارتفعت تكاليف رش البذار والحصاد والتسويق ففي حين كانت تكلفة حصاد الهكتار الواحد قبل الأزمة أقل من 1400 ليرة سورية فإنها تبلغ حالياً ما بين 10000 ليرة و15000 ليرة أي بنسبة زيادة بلغت أكثر من 1000% وقس على ذلك باقي العمليات الزراعية، مما رفع من تكاليف الإنتاج وجعل من جدوى الزراعة مسألة تحكمها كميات المحصول ووفرته خاصة بالنسبة للأراضي البعلية.

أما في الأراضي المروية المزروعة بالقمح والتي تشكل نسبة 43% من مجموع المساحات المزروعة أي حوالي 0.73 مليون هكتار والتي تتميز بوفرة الإنتاج نتيجة السقاية، فقد ارتفعت تكاليف الإنتاج أيضاً إلى أرقام قد تصل إلى 150000 ليرة سورية لمجمل العمليات الخاصة بزراعة وسقاية القمح في الهكتار الواحد نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والبذار والأسمدة وأجور العمالة وحصصهم من الإنتاج.

ويحتاج الهكتار الواحد إلى برميل من المازوت (200لتر) يومياً وغيار زيت بمقدار 7كغ للمحرك الزراعي نوع “سكانيا” أسبوعياً ،علماً أن الأرض تحتاج لثلاث أو أربع سقايات في الموسم الواحد.

هذه الأرقام تم حسابها على أساس أسعار المازوت في محافظة #الحسكة التي تسيطر على إنتاج وتوزيع المحروقات فيها مؤسسات #الإدارة_الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي والتي تبلغ 37 ليرة للتر الواحد في حين كانت تكاليف الإنتاج في الهكتار الواحد قبل الأزمة تصل ما بين 10 – 15 ألف ليرة سورية فقط.

وبذلك وبالرغم من رفع أسعار القمح إلى 100 ليرة سورية إلا أن فاتورة المحصول بالكاد تسد تكاليف الإنتاج للأراضي البعلية وقد تزيد قليلاً في تلك المروية.

المحاصيل الأخرى ليست بأحسن حال من القمحzera3a3

وعن تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من #القطن فقد وصلت إلى أكثر من 125 ليرة سورية بعد أن كانت ما بين 15 إلى 20 ليرة سورية في سنوات ما قبل الأزمة، نتيجة حاجتها لكميات أكبر من مياه السقاية (يحتاج الهكتار الواحد لأكثر من 11 براميل مازوت في الموسم الواحد)، حيث يتميز القطن بشراهته للماء الذي يحتاج بدوره إلى وقود ومحروقات لتشغيل المضخات الزراعية وإتمام عمليات زراعته وإنتاجه فضلاً عن ارتفاع تكاليف اليد العاملة في هذا المجال مع غياب الآليات الزراعية الحديثة الخاصة بقطفه وتجمعيه ناهيك عن تكاليف تسويقه ونقله إلى مراكز التجميع التي قد تنقطع الطرقات إليها خاصة إذا كانت في تلك المحافظات التي تشهد عمليات حربية ومواجهات عسكرية مستمرة.

أما إذا انتقلنا إلى الداخل السوري وتحدثنا عن الزراعات المحمية في البيوت البلاستيكية والتي يحتاج البيت الواحد منها إلى 1500 لتر من المازوت في الموسم الواحد بحسب تقارير #وزارة_الزراعة نتبين حجم المصاعب التي تواجه المزارعين لاستكمال مواسمهم كذلك الأمر في #ريف_دمشق و #الساحل ومنطقة #حوران الزراعية والتي يبلغ فيها سعر لتر المازوت 180 ليرة سورية مع قلة الكميات المتوفرة منه.

ونلاحظ وبدون أدنى شك أن إنتاج الخضار والفواكه والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من #المياه عادة، وبالتالي إلى كميات كبيرة من المازوت لتشغيل محركات الضخ قد أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير تجاوزت كل التوقعات وحلقت بأسعارها في الأسواق المحلية عالياً لدرجة وصل معها المواطن السوري إلى مستوى شراء بالوحدة وهو ما كان مستهجناً في البلاد وفق عادات الشراء التي كانت تسود السوق السورية

تراجع الإنتاج واتساع الفجوة الغذائية

وبذلك فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج في القطاع الزراعي قد رفعت من مستوى الأضرار التي تركتها الحرب على هذا القطاع، مما أضعف من قدرته على توفير مستلزمات السوق المحلية من الخضار والفواكه واللحوم إضافة إلى تراجعات كبيرة في حجم وكميات المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وخاصة القمح والشعير والقطن والشوندر السكري.

وتراجعت كمية القطن المنتجة من أكثر من مليون طن قبل الحرب إلى أقل من 150ألف طن عام 2015، كما تراجع إنتاج القمح نتيجة كل الأسباب التي ذكرناها سابقاً من حوالي 4 مليون طن بالمتوسط قبل الأزمة إلى 1.4 مليون عام 2014 ثم 2.4 مليون طن عام 2016 ، مما دفع بالحكومة بالتوجه نحو الأسواق الخارجية لتصبح مستورداً صافياً بهدف تأمين حاجة المواطنين منه.zera3a4

ولتدخل البلاد في وضع سيء جاءت ارتفاعات أسعار المحروقات لتزيد من التردي الحاصل في مستويات العمل والإنتاج للقطاع الزراعي صمام #الأمن_الغذائي في البلاد، حيث كانت منظمة #الفاو للزراعة والتنمية التابعة لـ #الأمم_المتحدة قد أشارت في تقرير لها نشر خلال الفترة السابقة بأن ” الحقول والأصول الزراعية تركت أو دمرت بسبب العنف والتشريد وارتفعت تكاليف الإنتاج وحصل نقص كبير في الإمدادات الزراعية الأساسية “.

ثم حذرت لاحقاً من ترد الوضع الغذائي في سوريا حين قالت ” أن وضع الأمن الغذائي في سوريا حرج بكل المقاييس نتيجة التراجع في كميات إنتاج الغذاء وارتفاع أسعاره مما يتسبب بعدم قدرة الكثيرين في الوصول إليه”.

وإذا كان ارتفاع تكاليف الإنتاج قد تسبب برفع أسعار السلع والمنتجات الزراعية مما ألهب أسواقها وأضعف من قدرة المستهلكين على شرائها فقد تسبب أيضاً بانخفاض حجم #الاستثمارات_الزراعية وعزوف المزارعين عن الاستمرار في الإنتاج أو التوسع في المشاريع القائمة أو إقامة مشاريع زراعية جديدة حيث لم تسجل لدى #هيئة_الاستثمار_السورية في السنوات الثلاث الماضية أية مشاريع زراعية بل شهد القطاع توقفاً لعدد كبير منها كمشاريع جر قنوات الري من الأنهار الضخمة ومشاريع الزراعة الحافظة التي كانت قد شرعت فيها منظمة #إيكاردا الدولية في سوريا ضمن مشروع ” تطوير نظم الزراعة الحافظة في شمال العراق وسوريا ” وغيرها من المزارع الخاصة والتعاونيات المشتركة الأمر الذي أصاب الأسواق بشح ملحوظ في المعروض من المنتجات الزراعية وارتفاعات كبيرة في أسعارها.

ضرورة اتباع سياسات زراعية ممنهجةzera3a6

تحت وطأة مفرزات الحرب وتداعياتها الخطيرة على أهم مفاصل الاقتصاد والحياة في البلاد بات القطاع الزراعي أحد أهم تلك القطاعات التي تعاني من أزمات خطيرة تتعلق أولاً بارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة رفع أسعار المحروقات والبذار والأسمدة ثم التوجه الحكومي المستمر نحو سحب الدعم من المزارعين ورفعه عن الإنتاج الزراعي فضلاً عن الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد من قبل الحكومات الغربية كل ذلك يقلص من فرص زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية منها وتلك التي تلبي الاحتياجات الغذائية الأساسية اليومية للمواطنين مما دعا بالمستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة السورية إلى القول ” أن الحرب والقرارات الحكومية على المدى القصير والمتوسط ستقلص من إنتاج الغذاء في البلاد من خلال تراجع أساليب التنمية وتراجع إنتاج المحاصيل والمنتجات الزراعية ذات القيمة الغذائية العالية التي تشكل سلة غذاء المواطن السوري”.

لذلك فإنه ينبغي من أي جهة ذات سيطرة حكم في سوريا اتباع سياسات اقتصادية ممنهجة وسليمة بشأن القطاع الزراعي تحافظ على مكونات المجتمع الريفي وتساند المزارعين لضمان استمرارية ارتباطهم بالأرض والعمل فيها من خلال اتباع منهجية واضحة تعمل على تقديم الدعم اللازم لهم وتوفير كل مقومات الإنتاج ومدخلاته من محروقات وبذار محسنة وأسمدة عضوية وبأسعار مناسبة تعزز من قدراتهم الإنتاجية وتساعدهم على رفع إنتاجية العمل داخل القطاع الزراعي وتدفع بهم نحو زيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الزراعية الاستراتيجية والمنتجات الغذائية وبالتالي تقليص الفجوة بين ما هو مطلوب وما هو متوفر منها مما سيقود بالنتيجة نحو تخفيض تكاليف الإنتاج وضمان إمداد الأسواق السورية بحاجتها من السلع الزراعية باتجاه العودة نحو الاكتفاء الذاتي من جديد.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.