أخفق في مهمته فتأسس تنظيم الدولة الإسلامية.. تقرير للسياسات الخارجية في ملابسات نشوء داعش

أخفق في مهمته فتأسس تنظيم الدولة الإسلامية.. تقرير للسياسات الخارجية في ملابسات نشوء داعش

“أرسل تنظيم القاعدة منذ عشرة أعوام مبعوثاً خاصاً مهمته الطلب من أبي مصعب #الزرقاوي التخفيف من حدة أعماله الإرهابية، لكن هذا المبعوث فشل في إتمام مهمته السبب الذي أدى إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية #داعش”… ورد هذا ضمن تفاصيل تقرير أعده موقع السياسات الخارجية مستنداً إلى وثائق وتحقيقات، ونشره بتاريخ 23 تشرين الثاني 2016.

#غازي_عنتاب، المدينة التركية الحدودية مع سوريا، والتي أصبحت في يومنا هذا مركزاً لمختلف الرجال والنساء “الذين جذبتهم كارثة الحرب الأهلية السورية سواء كانوا جهاديين أجانب أو جواسيس أو صحفيين أو حتى عمال إغاثة.. فتعتبر هذه المدينة النقطة الأخيرة قبل وصولهم إلى دولة الخلافة التي لم تكن قد ظهرت بعد عام 2006، عندما بدأت الحكاية”.

بحسب التقرير: رن الهاتف في مديرية مكافحة الجريمة المنظمة والتهريب في مركز الشرطة الواقع في مدينة غازي عنتاب الجنوبية التركية ذلك حوالي الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم 16 تشرين الأول عام 2006، لم يقدم المتصل معلومات عن هويته، والغريب أن السجلات لم تُشير إلى جنس المتصل حتى، لكن الغاية من ذلك الاتصال كان تقديم معلومات سرية مفادها وجود عدد من الإيرانيين يسافرون إلى بلدة كيليس التركية الحدودية مع #سوريا ذلك عن طريق مدينة غازي عنتاب، وأنهم يستقلون مركبة لوحة ترخيصها تحمل رقم 79M0064.

وبناءً على المعلومات الواردة في المكالمة السرية، اعترضت سيارة الشرطة في المدينة المركبة التي تحمل الرخصة ذاتها مساء يوم 16 تشرين الأول 2006 لتجد بداخلها رجلين وسيدة وأربعة أطفال. قائد تلك المجموعة قدم نفسه على أنه محمد رضا رينجبار رضائي، وهو الاسم الذي ورد في جواز سفره الإيراني الذي قدمه للشرطة.

اشتبهت مديرية الأجانب في إدارة شرطة غازي عنتاب أن جواز سفر رضائي مزور، حيث احتوى الجواز على ختم دخول إلى تركيا بتاريخ 1 تشرين الثاني 2005 وهو ما أثبتته السجلات الإلكترونية، لكن لم يحمل الجواز ختم الخروج. وادعى رضائي أنهم عبروا الحدود من إيران إلى تركيا منذ بضعة أيام. بالإضافة إلى أن السجلات الإلكترونية لم تُشير إلى تصريحات الدخول والخروج تلك الموجودة أختامها على جوازات السفر لباقي أفراد المجموعة، ما يثبت صحة المعلومات الواردة في المكالمة.

اعترف الرجل عند مواجهته بالتناقضات الموجودة في جواز سفره، أن اسمه الحقيقي ليس محمد رضا رينجبار رضائي، إنما اسمه الحقيقي عبد الرحمن بن يار محمد وأنه ليس إيرانياً، إنما ولد في #أفغانستان وعاش في #كابول مع زوجته وأطفاله الأربعة.

كما اعترف أنه كان يرغب في التوجه إلى #أوروبا ليتقدم بطلب اللجوء السياسي في بلد يؤمن له وظيفة أفضل وتعليماً جيداً لأطفاله. ولكن، لماذا ألقي القبض عليه وهو في طريقه إلى سوريا؟ عن هذا السؤال أجاب أنه كان يرغب في زيارة بعض المعالم السورية خلال شهر رمضان قبل انتقاله إلى أوروبا، الرواية التي أكدتها زوجته خلال التحقيقات المنفردة التي أجريت معها.

رفض محمد العودة إلى أفغانستان وطلب إرساله إلى #باكستان في حال عدم إمكانية بقائه في تركيا. وأوضح أنه اشترى جواز السفر الإيراني المزور بمبلغ 500 دولار من المزورين في #إيران والذين وعدوه بأن هذا الجواز سوف يسهل عملية دخوله وخروجه من تركيا أكثر من الجواز الأفغاني.

من غير الواضح مدى معرفة السلطات التركية بهوية محمد، لكن مجموعة مختلفة من الجهات تعرف معلومات أكثر عنه، بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. فمن المعروف لدى تلك الجهات أن اثنين من عناصر تنظيم القاعدة الأتراك قد سافرا إلى إيران لمساعدة محمد وعائلته في عبور الحدود نحو تركيا، هما محمد يلماز ومحمد ريست إيسك. كما علمت أن يلماز قد شارك في القتال في أفغانستان ومن المحتمل أنه قدم الدعم من أجل سلسلة تفجيرات #اسطنبول عام 2003. وأن عضواً آخر من تنظيم القاعدة يدعى محمد بولات  كان هو الشخص الثاني في المركبة 79M0064 عندما تم إلقاء القبض على محمد وعائلته في غازي عنتاب.

إلا أن السلطات التركية كانت على يقين أن الشخص الذي تم إلقاء القبض عليه في غازي عنتاب لم يكن اسمه محمد رضا رينجبار رضائي، ولا حتى عبد الرحمن بن يار محمد، وأنه لم يكن لاجئاً في طريقه نحو أوربا. إنما يُعرف باسم عبد الهادي العراقي وكان موكلاً بمهمة ملحة لإعادة فرض سلطة القاعدة على مجموعتها المتمردة التابعة للتنظيم في العراق.

إلا أن عبد الهادي أدرك خلال فترة احتجازه في مركز شرطة غازي عنتاب أن مهمته قد فشلت. ولكن هل أدرك حينها إلى أي مدى قد فشلت. فقد خسر التنظيم أحد أهم “الشخصيات المبدعة” حيث كان في طريقه لتنفيذ مهمة جريئة لفرض السيطرة على المجموعة العراقية المتمردة عن التنظيم، المنظمة التي تطورت في نهاية المطاف إلى منافس شرس ضد القاعدة في الحركة الجهادية.

جاء الإعلان عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق  من قبل المجموعة التابعة للقاعدة في العراق قبل يوم واحد من اعتقال عبد الهادي، وكانت مهمة الدولة الإسلامية في العراق هي حكم هذه الأراضي بهدف إعادة تأسيس الخلافة. ولم يتم الإعلان عن الخلافة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية إلا في عام 2014، فإقامة الخلافة لم يعلن عنها عند تأسيس التنظيم.

قياديو القاعدة المختبئون في المناطق القبلية الباكستانية لم يتم استشارتهم من قبل أتباعهم في العراق، لذلك شكل هذا الإعلان تحدياً كبيرة لسلطة تنظيم #القاعدة وأنذر بالانفصال العام والعنيف بينه وبين ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية.

“هذه هي قصة العلاقة الأولية التي تربط تنظيم القاعدة بالتنظيم الذي أصبح فيما بعد الدولة الإسلامية. والجهود الفاشلة للمنظمة الجهادية الأقدم في إرضاخ قادتها الأغرار إلى سلطتها” كما يرد في التقرير.

القاعدة في العراق

وصل نشوان عبد الرزاق عبد الباقي إلى باكستان مطلع الـ 1990، بعد فترة قصيرة من انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان. كان كردياً من مدينة #الموصل العراقية وقد خدم في الجيش العراقي خلال فترة الحرب بين إيران والعراق. لكن لقبه قد اختلف في السنوات التالية، فكان يدعى أحياناً عبد الهادي الموصلي، وأحياناً أخرى عبد الهادي الأنصاري، لكنه في النهاية عُرف من قبل الجميع بـ عبد الهادي العراقي. وكغيره من المجاهدين، عاش في باكستان، وانتقل ليستقر في أفغانستان عام الـ 1995 أو 1996 عند فرضت طالبان سيطرتها على معظم أفغانستان. فاستغل عبد الهادي خبرته من الجيش العراقي وأصبح قائداً لكتيبة الأنصار. وقد تم اكتشاف مخططات لهيكل تنظيم كتيبة الأنصار وعمليات تدريبهم وفكرهم الإيديولوجي مع نسخة من دليل الجيش العراقي عائدة لعبد الهادي بعد هجمات 11 أيلول، وأوضح محللون بعد أعوام أن استخدام الدولة الإسلامية لتكتيكات الجيش العراقي دليل على أن شخصيات بعثية سابقة كانت تقود عمليات الجماعة. ربما كان ذلك صحيحاً، ليس لأن #صدام_حسين كان يدعم هذه المجموعات الجهادية، إنما لأن الرجل الذي قاد تلك المجموعات انشق للانضمام إليهم بعد خدمته في الجيش العراقي.

كان عبد الهادي نجماً لامعاً في تنظيم القاعدة بحلول عام 1998، فقد تولى إدارة دار ضيافة للتنظيم في كابول، وكان واحداً من ستة آخرين عرب كانوا متحدثين في لجنة التواصل العربية مع طالبان، ما أعطاه السلطة للتوسط نيابة عن عرب أفغانستان في مطالبهم من حكومة طالبان. وكان عبد الهادي واحداً من عشرة أشخاص في مجلس شورى تنظيم القاعدة في حزيران عام 2001، وهو مجلس شورى لأسامة بن لادن.

عُين عبد الهادي قائداً عسكرياً لشمال أفغانستان عندما سقط تنظيم طالبان بعد هجمات 11 أيلول. ونظراً لأصوله، سعى في توجيه استراتيجية القاعدة نحو العراق ولعب دوراً في تبني القاعدة لأبي مصعب الزرقاوي، الذي أصبح فيما بعد الأب الروحي للدولة الإسلامية. وعند اكتشافه محاولة أبي مصعب السوري تجنيد أعضاء من دار ضيافته في كابول، أبلغ عبد الهادي عنه وقام بالتنسيق مع سيف العدل وأبي حفص المصري، كبار أعضاء التنظيم، من أجل تطوير استراتيجية دعم الزرقاوي للحد من حصول أبي مصعب السوري على التأييد من قبل الجهاديين في بلاد الشام.

لم يبايع الزرقاوي أسامة بن لادن في بداية الأمر، وكانت اتصالاته مع التنظيم تتم عبر عبد الهادي. لكنه في النهاية أقدم على مفاوضات لطلب الدعم المادي من القاعدة ولتقديم مبايعته، فأرسل عبد الهادي مبعوثين للتفاوض مع الزرقاوي، كان أهمهم الباكستاني حسان غول الذي التقى الزرقاوي في كانون الثاني 2004، حيث أوضح الأخير بشكل صريح أن استراتيجيته في العراق تعتمد على إثارة حرب طائفية دموية. وأنه سيقدم على اغتيال شخصيات دينية وسياسية شيعية لكي تؤجج الحرب.

بحسب لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، فإن عبد الهادي عارض أيه عمليات تؤدي إلى إراقة الدماء بين المسلمين في العراق، وهذا ما أكده غول لمحققي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عندما تم إلقاء القبض عليه من قبل قوات مكافحة الإرهاب الكردية أثناء محاولته مغادرة العراق عام 2004.

كان عبد الهادي معارضاً لاستراتيجية الزرقاوي الوحشية  والمؤدية إلى الفتنة، وكان لدى عبد الهادي الكثير من الجهاديين المندفعين للمشاركة في الجهاد في العراق، فطلب من غول الحديث مع الزرقاوي لتحديد طريق يسلكه المجاهدون في رحلتهم نحو العراق فكان من الزرقاوي الحماس وطلب أعضاء ذوي خبرة تقنية خاصة للتوجه إلى العراق. مبادرة الزرقاوي في التعاون شجّعت عبد الهادي لإخباره أنه سيحضر شخصياً، الأمر الذي أقلق الزرقاوي من أن قائداً في تنظيم القاعدة أعلى رتبة وشأناً منه قد يتحدى سلطته، فرفض الاقتراح.

بايع الزرقاوي بن لادن في تشرين الأول عام 2004، لكن بشروطه الخاصة، واستمر باستراتيجيته الهادفة إلى الوحشية والفتنة. كما استمرت القاعدة في محاولاتها السيطرة على الزرقاوي، فحذّر أيمن الظواهري، وهو الرجل الثاني في تنظيم القاعدة حينها، الزرقاوي وطلب منه تجنب المجازر. وعندما نفذ مجندو الزرقاوي سلسلة تفجيرات في فنادق في #عمان الأردنية عام 2005، تطور الخلاف بينه وبين القاعدة. وطلب عطيه عبد الرحمن _ وهو قيادي في إيران _ منه إيقاف جميع عملياته خارج العراق.

أبدى الزرقاوي شيئاً من الرضوخ لقواعد القاعدة عندما أنشأ تحالفاً بين الجماعات الجهادية في العراق باسم مجلس شورى المجاهدين عام 2006. وتم تعيين أحد العراقيين أميراً. إلا أن المجلس لم يتمكن من شمل كل المجموعات الجهادية تحت لوائه، فلم يشمل المجلس جماعة أنصار السنة التي لديها أصول كردية ولا تثق بالزرقاوي، لذلك تواصلت قيادات تنظيم القاعدة مع قيادات أنصار السنة بشكل مباشر.

في كانون الثاني 2006، كتب الظواهري لأنصار السنة باسم لجنة القاعدة الخاصة لشؤون العراق، وأوضح أن اللجنة ترى ضرورة في توحيد صفوف القاعدة في العراق وجماعة أنصار السنة، ذلك بعد تنفيذ إصلاحات داخلية للقاعدة، كما أرسلت اللجنة بعدها بثلاثة أيام رسالة أخرى تدعو فيها إلى إزالة جميع العقبات التي تقف في طريق هذا التوحد، والتي كان الزرقاوي أحدها.

القاعدة أخبرت أنصار السنة أنها اتخذت خطوات تمهد للتوحيد بينهما، ذلك عن طريق إرسال “أخ شريف وشيخ فاضل إلى العراق”، لم تصرّح باسمه لكنها أخبرت الأنصار “أنتم تعرفونه جيداً”، وفي خطاب تنظيم القاعدة إلى القيادة الكردية لجماعة أنصار السنة تم توضيح عودة عبد الهادي العراقي كردي الأصل من مدينة الموصل إلى موطنه.

قُتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية في العراق في حزيران 2006، وحل مكانه أبو حمزة المهاجر، وتابع الأخير سياسة فصل تنظيم القاعدة في العراق عن القيادة المركزية بالرغم من علاقته الطويلة بتنظيم القاعدة.

أعلن مجلس شورى المجاهدين حل جميع الفصائل المكوّنة له وانضمامها تحت لواء جهادي يدعى الدولة الإسلامية في العراق، ذلك في 15 تشرين الأول 2006، والذي أوضح أن الهدف من إنشاء هذا اللواء هو السيطرة على الحكم وتأسيس الخلافة الإسلامية.

فشلت قيادة تنظيم الدولة الإٍسلامية في العراق أيضاً في توحيد صفوف الجهاديين في العراق بسبب رفض أنصار السنة الانضمام إليها. وعندما حاولت القاعدة إرسال عبد الهادي لإيجاد حلاً للمشكلات التي تواجه المجموعات الجهادية، اختفت جميع آمال القاعدة في السيطرة على الحركة الجهادية في العراق نتيجة إلقاء القبض على عبد الهادي في غازي عنتاب، وبدأ التنظيم الذي أنشأه الزرقاوي في السير بعيداً عن محوره الأًصلي. هذا هو محور الحكاية وفق التقرير.

رفضت السلطات التركية طلب لجوء عبد الهادي، وقامت بترحيله على الخطوط الجوية التركية إلى كابول في 31 تشرين الأول 2006، حيث كان المسؤولون الأمريكيون في انتظاره. وهو ينتظر الخضوع لمحاكمة عسكرية في غوانتانامو، حيث تم تصنيفه ضمن قائمة الـ 17 سجيناً الأكثر أهمية.

انتهت مهمة عبد الهادي في العراق عندما ألقي القبض عليه في غازي عنتاب، لكن جهود القاعدة لاستعادة السيطرة على الجهاد في العالم ما زالت مستمرة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة