د.عبد الصمد اسماعيل

تعد قضية #الضرائب والرسوم إحدى أكثر القضايا التي طرحت إشكاليات كثيرة في مجرى عمل الحكومات المتعاقبة في #سوريا، حيث تميز النظام الضريبي السوري بترهله وقدمه واعتماده على القوانين والتشريعات الضريبية التي وضعت خلال العقود الأولى من القرن الماضي أو تلك المستنسخة منها.

 

ففي تصريح لأحد أساتذة المحاسبة الضريبية في جامعة دمشق قال: إن “السياسة المالية والضريبية لم تكن جدية والنظام الضريبي المطبق نسخة مشوهة للقانون الضريبي للعام 1949، حيث لا يوجد حتى اليوم أي تعديل أو إلغاء لنظام الضرائب النوعية وبذلك لا يمكن تحقيق حصيلة ضريبية”.

الضريبة لا تحقق سوى هدفها المالي

وحيث تشكل السياسة الضريبية أحد أهم مقومات السياسات المالية داخل #الاقتصاد_الوطني كان لزاماً على الحكومة السورية النظر ملياً في الخطوات التي اتخذتها في هذا السياق، حيث تشكل الإيرادات الضريبية المورد الأكثر أهمية بين موارد الموازنة العامة للدولة والتي ترفع من القدرة الإنفاقية لها وخاصة في مثل هذه الظروف التي تعاني فيها الحكومة السورية من تراجع كبير في مواردها المالية نتيجة توقف الإنتاج وحرمانها من الموارد النفطية وموارد التجارة الخارجية والسياحة.

وإذا كانت الحكومة السورية في السنوات القليلة التي سبقت الأزمة قد عملت على تحديث الكثير من القوانين المتعلقة بطريقة إدارة النظام الضريبي كما قامت خلال سنوات الأزمة باتخاذ العديد من الإجراءات حول تحسين حجم إيرادات الضرائب والرسوم المالية تركزت في الضرائب غير المباشرة، إلا أننا لم نلحظ أية آثار إيجابية لها على الحياة المعيشية والاقتصادية في البلاد فقد استمرت أسعار السلع والخدمات الضرورية في الارتفاع وزادت الضغوط المعيشية على المواطنين الذين يعانون أصلاً من تراجع قدراتهم الشرائية لأسباب عديدة.

وطالما تميزت #الإدارة_الضريبية في سوريا بعدم قدرتها على ضبط إيقاع العمل في هذا الجانب المالي الهام للدولة والشعب معاً، حيث لم تؤد الضريبة يوماً دورها في الحياة الاقتصادية والمعاشية للمواطنين ولا على صعيد الاستثمار داخل الاقتصاد الوطني وتوجيهه أو توطينه وبالتالي فهي لم تؤد أكثر من وظيفتها كمورد مالي للخزينة.

وتنقسم إيرادات الضرائب بين الرسوم المباشرة كضريبة الدخل والأرباح الحقيقية وضريبة الرواتب والأجور والضرائب والرسوم غير المباشرة كالرسوم الجمركية ورسم الطابع ورسم الإنفاق الاستهلاكي.

وقد تميزت الموازنات العامة في الدولة بشكل شبه دائم بتواضع حصيلة الإيرادات الضريبية فيها ولم تبلغ في أحسن أحوالها نسبة 35% من حجم #الإيرادات_العامة تأتي معظمها من #ضرائب الدخل المقطوع وضريبة الرواتب والأجور والضرائب التي تفرض على شركات ومؤسسات القطاع العام وتتميز بحصيلة قليلة وتكاليف عالية.

التحصيلات الضريبية في حدودها الدنيا

شهدت سنوات ما قبل الأزمة عدم ارتفاع نسبة الضرائب والرسوم من الناتج المحلي ولا من إيرادات الموازنة العامة للدولة فعلى الرغم من أن العبء الضريبي يشكل أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي إلا أن التحصيلات الضريبية لم تصل أكثر من 11% منه في أحسن الأحوال.

ويعود السبب في ذلك بتركز المطارح الضريبية عند أصحاب الدخل المحدود بينما بقي أصحاب الدخول العليا بعيدين عن تحصيل ما يجب تحصيله ضرائب ورسوم منهم بل طالما حاولوا التهرب من دفع المبالغ المستحقة عليهم بشكل أو بآخر.

فقد بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس التي سبقت حدوث الأزمة بالمتوسط 65% في حين بلغت نسبة ما سدده هذا القطاع من ضرائب ورسوم بالمتوسط 2% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالمقارنة مع القطاع العام الذي سدد نسبة تزيد عن 4% بالمتوسط خلال نفس الفترة ولم تبلغ مساهمته في الناتج الإجمالي أكثر من 35% من هنا نستطيع أن نلحظ حجم التهرب الضريبي القائم ومدى حرمان الخزينة العامة من موارد مالية كان يمكن أن يستخدم في تغطية نفقاتها.

ويعود ذلك لأسباب مختلفة تأتي في مقدمتها طبيعة النظام الضريبي المطبق ومدى قدرة الإدارة الضريبية على تطبيق اجراءات تنفيذية واضحة وبسيطة وشفافة كما لا يمكن إغفال عامل آخر وهو ثقافة المجتمع نحو مفهوم الضريبة ودرجة التزام المواطنين وأصحاب الأعمال بدفعها وفق النسب المقررة التي كان ارتفاعها سابقاً يشكل ذريعة للمتهربين منها.

وبناءً على الأسباب المذكورة أعلاه يمكننا القول أن حجم التحصيلات الضريبية في سوريا كانت دائماً في حدودها الدنيا فهي لم تشكل في أحسن الأحوال نسبة 35% من إيرادات الخزينة العامة للدولة في حين تصل في البلدان التي تتمتع بأنظمة ضريبية متطورة نسبة 90% ففي عام 2008 مثلاً بلغ حجم التحصيلات الضريبية 364 مليار #ليرة سورية دفع منها القطاع الخاص مبلغ 34 مليار ليرة شكلت نسبة 9.3% فقط على الرغم من أن #وزارة_المالية استصدرت أكثر من 100 تشريع لغاية 2007 حاولت من خلالها تغيير المنظومة الضريبية في سوريا كما أنها أحدثت في نهاية العام المذكور  الهيئة العامة للضرائب والرسوم كما حاولت اعتماد أساليب حديثة في إدارة الضرائب فنقلتها من التقسيم النوعي إلى التقسيم الوظيفي أي ملف واحد لكل مكلف بدلا من ملف لكل ضريبة يكلف بها المكلف، كما أنها اعتمدت مبدأ الضريبة المنخفضة مقابل توسيع قاعدة التحصيل الضريبي على حساب تخفيض نسبها مما ساهم قليلاً في تحسين حجم المتحصلات الضريبية خلال الفترة اللاحقة.

ظروف الأزمة تقلص التحصيلات الضريبية

تشير العديد من المصادر إلى التراجع الكبير في حجم التحصيلات الضريبية للدولة خلال فترة الأزمة إذا ما استثنيا عام 2011 والذي كانت الدولة فيه تسيطر على كامل الأراضي السورية والذي بلغت فيه الإيرادات الضريبية حوالي 405 مليار ليرة سورية (منها 150 مليار من مالية #دمشق التي تدفع حالياً ما يقارب 80% من التحصيل الضريبي) بحسب صحيفة “الوطن” المقربة من النظام من مصادر في وزارة المالية لتنخفض في العام 2013 إلى حوالي 164 مليار ثم وصلت إلى 186 مليار عام 2014 وتجاوزت 200 مليار عام 2015 أي حوالي 365 مليون دولار بحسب وسطي سعر الصرف في العام المذكور.

وهذا الرقم لا يشكل أكثر من 6% من وسطي حجم التحصيلات الضريبية في السنوات السابقة الأزمة مقدرة بـ #الدولار.

وعلى الرغم من فرض الإدارة الضريبية الكثير من الضرائب غير المباشرة والرسوم الجديدة خلال سنوات الأزمة، إلا أن التحصيلات الضريبية انخفضت بشكل كبير فمثلاً بلغت تحصيلات الخزينة العامة من رسم #الإنفاق_الاستهلاكي خلال النصف الأول من عام 2015 مبلغ 13 مليار ليرة فقط أي ما يعادل 26 مليون دولار فقط، وبمقارنة هذا الرقم مع نفس الفترة من عام 2011 حوالي 30 مليار ليرة نلاحظ انخفاضاً بنسبة تقارب 57% وإذا ما حولنا الرقم الأخير إلى الدولار بحسب سعر الصرف آنذاك 50 ليرة فهو يعادل 600 مليون دولار وهنا يتضح حجم المصيبة بأن التضخم الحاصل يلتهم موارد الدولة المالية بدون هداوة حيث يبلغ معدل الانخفاض أكثر من 95.5% وهذا يعني أن أي تحسن بالرقم المجرد لا يعني بالضرورة تحسنا في التحصيل الضريبي لدى الخزينة العامة.

ويعود تراجع حجم الإيرادات الضريبية خلال فترة الأزمة إلى أسباب عديدة نذكر منها:

-تراجع حصيلة الدولة من الضرائب والرسوم نتيجة خروج الكثير من المناطق من تحت سيطرتها واقتصار حصيلة الضرائب على الأنشطة الاقتصادية في تلك المناطق التي تخضع لسيطرتها فقط هذا من جهة، ومن جهة ثانية توقف الكثير من المعامل والمنشآت الاقتصادية عن العمل وخروجها من دائرة الإنتاج بسبب المواجهات المسلحة بين أطراف الصراع الأمر الذي قلص من المطارح الضريبية للدولة.

-تراجع حصيلة #الرسوم_الجمركية للدولة نتيجة تراجع حجم التجارة الخارجية وانخفاض حجم المستوردات خاصة واقتصارها على المستلزمات الضرورية وفق سياسة ترشيد #المستوردات التي انتهجتها الحكومة السورية كما فقدت الحكومة حصيلة رسوم الترانزيت نتيجة فقدانها السيطرة على المعابر الحدودية مع الدول المجاورة الأمر الذي حرم الخزينة من موارد مالية هامة.

-تراجع حجم حصيلة الرسوم الحكومية المفروضة على بدل تقديم الخدمات العامة كرسوم الكهرباء والمياه نتيجة خروج العديد من المناطق من تحت سيطرتها أو امتناع المواطنين عن تسديدها في غالبية المناطق السورية.

-استصدار العديد من القوانين والتشريعات الضريبية خلال فترة الأزمة بهدف زيادة واردات الخزينة العامة للدولة إلا أنها لم تؤثر على الواقع المعيشي للمواطنين الذين ما زالوا يعانون من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية وخاصة المواد الغذائية والأدوية والمحروقات والمواصلات والاتصالات.

-إجراء بعض التعديلات في النظام الضريبي إلا أنها لم تطال كبار المكلفين وأصحاب الثروات بسبب ضعف الجهاز المالي والفساد الإداري وتخلف النظام الضريبي لتبقى الحاصلات الضريبية دون المستوى المطلوب حيث تم رفع معدل ضريبة الدخل الشخصي التي كانت 19.5% عام 2006 إلى 22% عام 2014 وقد ادت هذه التعديلات إلى زيادة التحصيلات الضريبية بنسبة 40% في النصف الأول من العام 2015 مقارنة بنفس الفترة من العام 2014 ولتبلغ 106.6 مليار ليرة سورية منها 51.5 مليار ضرائب ورسوم مباشرة و55.1 مليار ضرائب ورسوم غير مباشرة.

التهرب الضريبي آفة بدون علاج

إلا أن المسألة الأكثر أهمية وسلبية في موضوع الضرائب كانت وما تزال حجم التهرب الضريبي الكبير في سوريا في السنوات السابقة للأزمة وخلالها بل يمكن القول بأن حجم التهرب الضريبي ازداد بشكل ملحوظ خلال سنوات الأزمة مما رفع القيمة المقدرة له بأكثر من 400 مليار ليرة موزعة ما بين التهرب الضريبي والجمركي بحسب خبراء في المالية والضرائب وهنا يمكن التركيز على جانبين هامين جداً في موضوع التهرب الضريبي:

أولهما أن تهرب كبار المكلفين ولو بنسب ضئيلة يشكل مبالغ ضخمة ويحرم الخزينة من موارد كبيرة (70% من حجم التهرب الضريبي لدى المكلفين الكبار) فمثلاً بلغت مجموع الأرباح الصافية لشركة سيرتيل 26.5 مليار ولشركة MTN 4.4 مليار أي بمجموع بلغ 30.9 مليار لم تدفع الشركتان ضرائب عنها أكثر من 2.9 مليار أي بنسبة 9.3% فقط والتي من المفترض أن تدفع بنسبة 14% وفق التسهيلات الضريبية الممنوحة لهما، حيث تبلغ نسبة ضريبة الأرباح الحقيقية في الشركات المساهمة الأخرى 22% وبذلك تكون الخزينة العامة قد خسرت 1.4 مليار ليرة ضريبة غير مدفوعة من قبل الشركتين تضاف إلى ما يجب أن تدفعه كأقرانها من الشركات المساهمة 6.8 مليار لو تم احتسابها على أساس نسبة 22% وبذلك تكون مجموع ما حرمت منه الخزينة العامة من الضرائب المفروضة على الشركتين 3.9 مليار ليرة في الوقت الذي تعاني الحكومة من نقص كبير في الموارد وأحوج تكون لها أكثر من أي وقت مضى.

لذلك لا بد من الشروع في إجراء تعديلات ضريبية تشمل التقليل من #التهرب_الضريبي وترفع حجم المطارح الضريبية وخاصة على أصحاب الثروة ورؤوس الأموال العالية بدلاً من رفع الضرائب غير المباشرة التي تثقل كاهل المواطن العادي وتضعه تحت مطرقة ضغوطات المعيشية اليومية.

الجانب الثاني هو تركز التهرب الضريبي في القطاع الخاص الذي تصل نسبة مساهمته في الناتج المحلي 70% في حين لم تتجاوز نسبة الضرائب المحصلة منه 11% من الناتج المحلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الأزمة في حين أنها كانت يجب أن تتجاوز 20% كقيمة للعبء الضريبي. وعلى الطرف الآخر بلغت مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي حوالي 30% في حين أن نسبة مساهمتها في التحصيلات الضريبية بلغت أكثر من 65% وكان قطاع النفط وحده قبل الأزمة يشكل نسبة 50% من التحصيلات الضريبية.

التهرب الجمركي الوجه الآخر له

ويتخذ التهرب الضريبي أشكال عديدة تبدأ بعدم الإفصاح عن النشاط الممارس أصلاً ولا تنتهي عند عدم الإفصاح عن الميزانيات المالية والحجم الحقيقي للنشاط الممارس بل تتجاوز ذلك إلى التهرب من الرسوم الجمركية على المستوردات التي شهدت تراجعا كبيراً في قيمتها خلال سنوات الأزمة وإذا ما أضفنا إلى ذلك كمية المستوردات التي تدخل إلى البلاد بشكل غير شرعي عن طريق #التهريب أو في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يتبين لنا حجم الخسارة الكبيرة التي تلحق بخزينة الدولة وتذهب إلى جيوب قلة من التجار والمستوردين والمتواطئين معهم من الفاسدين.

إضافة إلى التهرب من دفع رسوم الخدمات التي تقدمها الدولة كفواتير الماء والكهرباء او تخفيض قيمة رقم التعاملات التجارية والفواتير بهدف تقليل حجم المطارح الضريبي كل ذلك يترك آثاره السلبية على خزينة الدولة وعلى مستوى الخدمات التي يمكن أن تقدمها ناهيك عن أن مثل هذا الفساد يترك ظلاله الثقيلة على الاقتصاد الوطني ويرفع من تكلفته بنسب تتجاوز 30% ويعود هذا الموضوع بالدرجة الأولى في أسبابه إلى انخفاض مستوى الوعي الضريبي لدى الناس وفقدان الثقة بين الإدارة الضريبية والمكلفين بدفع الضرائب فضلاً عن عدم العمل بشكل جدي على تحسين القوانين الضريبية وتحديثها بما يتلاءم مع الواقع الفعلي للاقتصاد ولمقدرة المكلفين والتغيير في آليات التحصيل الضريبي وأساليب فرض الضرائب من قبل الإدارة الضريبية التي تعتبر العامل الأهم في كل هذه الدائرة المعتقة بالتعقيد والفساد والضعف.

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.