منار حداد

يضع عبد الرؤوف قلعية الذي يعمل كسائق حافلة على خط “مزة جبل – كراجات” عبوة كاملة من البسكويت أمامه، تلفت نظر كل الزبائن الذين يستخدمون حافلته للتنقّل، غير إن هذه العبوة من الحلوى ليست للضيافة، وإنما لسد العجز الحاصل في العملة المعدنية السورية من فئة (5 ليرات،10 ليرات، 25 ليرة)، أو كما تُسمّى باللهجة السورية العامية “الفراطة”، التي باتت الشغل الشاغل للأسواق السورية خلال الأشهر الماضية، بدايةً بسائقي السيارات العمومية مروراً، بالمحلات التجارية والمطاعم، وليس نهايةً عند معظم متاجر المبيع بالمفرّق.

شح بالفراطة

عبد الرؤوف، السائق الذي يعمل 10 ساعات يومياً يقول لـ #الحل_السوري: “إن النقود المعدنية السورية شهدت منذ نحو ستة أشهر تضاؤلاً في التداول السوري، واستمرت بالانخفاض إلى مستوياتٍ حادّة، الأمر الذي دفع البعض للبحث عن بدائل عنها”.

وأضاف، أنه يضيّع وقتاً كبيراً خلال عمله في إقناع الركّاب أنه لا يملك فراطة متابعاً: “الجميع يدفعون العملات الورقية، فالزبائن أصلاً لا يملكون الفراطة، ويطلبون الباقي من السائق”، لافتاً إلى أنه لا يستطيع أن يعيد عملات نقدية لأكثر من 500 راكب يومياً.

لا يجد السائق أي مبرّرات منطقية لفقدان النقود المعدنية، لكنه يحذّر كونه ضالعاً بالمهنة، من أن استمرار اختفائها بهذا الشكل من الأسواق يُنذر بـ “كارثة في تداول الأموال بين الناس”.

ويقول أيضاً إنه في بعض الأحيان يُسامح المواطنين بـ 10 ليرات، في حين يسامحه بعض الركّاب بمبلغ 15 ليرة، وفي حالاتٍ أخرى يركن حافلته وينزل وسط شارع الثورة باحثاً عن النقود، وذلك بسبب أن علبة الحلوى لا تجدي نفعاً دائماً كون بعض الركّاب يتهمونه بأنه يحاول ابتزازهم.

أجور النقل الداخلي بـ “الفراطة”

شهدت الليرة السورية تهاوياً كبيراً خلال السنوات الماضية، وانخفضت إلى مستويات خطرة، حيث انخفضت قيمة القطعة من فئة 5 ليرة سورية من 10 سنت إلى 1 سنت فقط، بينما اختفت بشكلٍ تام النقود المعدنية الأخرى ولا سيما من فئة ليرة وليرتين ونصف الليرة وباتت توضع تحت زجاج المكاتب للذكرى.

وتساهم التسعيرة الخاصة بالنقل الداخلي في دمشق بانتعاش أزمة النقود المعدنية، إذ أنها تجاوزت حائط الـ 60 ليرة لبعض الخطوط، بعد أن كانت 7 ليرات قبل 2011، ما انعكس بشكلٍ كبير على صعوبة ركوب “السرفيس” للكثيرين من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن إعادة 40 ليرة للزبون الذي يدفع مبلغ 100 ليرة ورقية، باتت أمراً صعباً على معظم السائقين.

هل أخفاها المركزي؟

يقول عدنان وهو موظّف في بنك البركة الخاص في العاصمة السورية #دمشق للحل: “إن السكّان لا علاقة لهم إطلاقاً باختفاء النقود المعدنية” لافتاً إلى أن المواطنين في الغالب يحصلون على أجورهم من المؤسسات الخاصة، أو رواتبهم من المؤسسات الرسمية بالعملة الورقية من فئة 1000 أو 500 ليرة.

ويحلّل عدنان أنه حتى لو عكفت الكثير من المتاجر على الاحتفاظ بالنقود المعدنية وتكديسها بغية استخدامها لاحقاً خوفاً من نقصها، فأن ذلك “من المستحيل أن يكون سبباً رئيسياً في هذا الفقدان غير المبرّر”.

ويتوقّع المصدر أن يكون سبب هذا الاختفاء هو المصرف المركزي السوري، كونه الجهة الوحيدة القادرة على ذلك، ويكمل حديثه: “لا يوجد أي جهة في #سوريا قادرة على التحكّم بفئة معيّنة من النقد في السوق إلّا المصرف المركزي، فهو قادر على سحب النوع الذي يريده بهدف إحداث تأثير معيّن في التداول، أو دفع الناس إلى تداول العملة بطريقة معيّنة”.

انخفاض قيمة الليرة هو السبب

يُرجع الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الصمد اسماعيل السبب في شح النقود من الأسواق إلى “فقدان الحاجة إليها” حيث يقول “فقدت الليرة السورية أكثر من 93% من قيمتها في ظل التضخم الكبير في مستوى أسعار الخدمات التي يمكن مبادلتها بالفئات النقدية الصغيرة (5، 10، 25)، بسبب معدلات التضخم العالية التي تجاوزت 1200% وبالتالي باتت الحاجة أكبر إلى الفئات النقدية الكبيرة لإتمام العمليات التجارية”.

وأضاف أن الفئات الصغيرة لم تعد تفي بالحاجة ويمكن استخدامها كـ “فكة” في التعاملات التجارية، ضارباً مثالاً أنه “لم تعد هناك سلع وخدمات في السوق تباع بـ 135 ليرة مثلاً حيث يتم رفع السعر مباشرة إلى 150 ليرة وهكذا”.

واعتبر أن احتجاز أو منع أي فئة نقدية من التداول هي من سلطات البنك المركزي يأتي ضمن سياق “اتباع سياسات نقدية معينة وخاصة السياسات الانكماشية”، لافتاً إلى أن المركزي لم يصدر أي قرار باحتجاز أو سحب الفئات النقدية المعدنية، “بالتالي فالمسألة تعود لفقدان الحاجة إليها في التداول بسبب انخفاض قيمتها وارتفاع مستوى أسعار السلع والخدمات”.

وذكر الخبير أن العملات المعدنية أكثر فائدة اقتصادية من العملات الورقية، لانخفاض تكلفة إصدارها، وعدم وجود حاجة لمقابلتها بأي أصل في البنك المركزي، إضافةً إلى ارتفاع مستوى عمرها التداولي الذي يصل إلى 20 عاماً مقارنة بالعملات الورقية، مشيراً إلى أن المركزي لا يحقق أي فائدة اقتصادية من احتجازها، والفائدة الوحيدة هي اتباع سياسة انكماشية بتقليل الكتلة النقدية في السوق للتأثير على حجم الطلب، وبالتالي كبح جماح التضخم الذي خرج من يد السلطات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.