المحال مفتوحة، لكن بالكاد تجد زبائناً.. زئير الطائرات في الأعلى وجنود مسلحون ينتشرون في كل مكان، عبارات كتبها روث ماكلين من #سوريا في مطلع مقالٍ نشرته صحيفة #الغارديان  بتاريخ 17 نيسان 2017، يعرض فيه بعضاً من جوانب الحياة من خلال جولة أجراها في مدينة #دمشق_القديمة فقال:

يرتدي النادلون زي الثلاثينات من القرن الماضي، بشوارب تبدو مرسومة وشعر أملس مسرّح إلى الخلف، يسكبون التبولة في صحون النساء اللاتي يحملن خراطيم النارجيلات وينفخون دخانها عالياً في مطعم #سيلينا في دمشق القديمة.

حفلتا زفاف كانتا قائمتين، والمغني يدندن: “أحبك، لكن هذا لا يعني أنني سأبقى معك “. تنهض إحدى العروسان لتتمايل على أنغام الموسيقى بفستانها المرصّع بآلاف أحجار الكريستال المتألقة كمخالب على ظهرها العاري .. لا شيء يدل على وجود الحرب التي أودت بحياة نصف مليون شخص وشرّدت نصف سكان #سوريا.

بعد بضعة أيام من الاحتفال، وعلى بعد ميل فقط قتل 74 شخص في تفجير انتحاري مزدوج. معظم الضحايا كانوا حجاجاً عراقيين يزورون ضريحاً مقدساً. بعد أيام من ذلك، استطاع الثوار في الضواحي الوصول إلى منطقة واقعة تحت سيطرة النظام، وأشعل ذلك قتالاً عنيفاً بين الطرفين.

لكن المحال تبقى مفتوحة، وخرير الماء في النافورات الرخامية للمدينة لا يقاطعه سوى صوت الطائرات الحائمة في الأعلى، متجهة شرقاً إلى معقل الثوار المحاصرين في الغوطة أو إلى حمص.

بعد ستة سنوات من الحرب، يهتم الناس بأعمالهم في دمشق، لكن يبقون رؤوسهم منحنية بينما يحل السلام ويغرب من حولهم، تغلق المحال باكراً، تتثبت النباتات المتسلقة على أبواب الحمّامات الدمشقية القديمة. بريق الصلوات الخافتة يلف المدينة ليحميها من الأخطار فتبدو طبيعية، تلك المدينة التي لطالما كانت نابضة بالحياة والحب.

وفي لقاء له مع رجل أعمال سوري طلب عدم الكشف عن هويته قال: ” لقد ذهب جميع الناس الطيبون”، وأَضاف: “كان يتوجب عليك الحضور إلى هنا قبل الحرب، كانت المدينة مختلفة جداً.. ما تغير هو الناس “.

وقال أيضاً: “حاولت العيش في الخارج، لكنني كرهت تلك الحياة. هذا وطني، لكنني مواطن من الدرجة الثانية هنا. السوريون الآن في المرتبة الثانية. الإيرانيون أولاً، والروس هم الآلهة “.

تدعم كل من روسيا وإيران الحكومة السورية في الحرب التي بدأت كانتفاضة ثورية بردود فعل عنيفة، لكنها أصبحت معركة معقدة بين مجموعات مختلفة تحارب من أجل أسباب مختلفة تدعمها عشرات الدول المختلفة أيضاً.

في سوق التكية السليمانية، يكتظ أحد المحال بصناديق خشب الجوز التقليدية، أغطيتها مزخرفة بنقوش فسيفسائية معقدة مطعمة بقطع صغيرة من الصدف والعاج.. يبرز من بين الصناديق  بعض غطاءه مزخرف بعلمي سوريا وروسيا على خلفية بيضاء محشوة بأكملها بالصدف. وعلى الجدار المقابل له يتربع صحن تذكاري تظهر فيه صورة الرئيس بشار #الأسد مبتسماً وهو يصافح فلاديمير #بوتين.

من النادر أن تجد زبائن لهذه البضاعة. في المحل المجاور زبون يشتري قلادة قديمة قال: “الوضع ليس جيداً أبداً، وهو لا يتحسن، ويتوجب علينا العيش لكننا بالكاد نتمكن من البقاء أحياء”.

لقد جف مجرى الزوار الذين كانت تستقبلهم دمشق من قبل، وتوقف معها تدفق الدولارات من السياح. يدفع الأطفال الحمالون عرباتهم المعدنية متجولين في أرجاء سوق المدينة القديمة، وما يزال السوريون يتجولون في أزقته الضيقة، لكنهم يشترون مستلزماتهم الضرورية فقط، قليلاً من الشاي من هنا.. وحفنة من اللوز من هناك.

التضخم المنتشر جعل الحياة في حالة غلاء كبيرة. يقول محمد الذهبي، وهو صاحب محل نظارات: “يفاجئ الناس عندما يجدون أن النظارات تكلف أكثر بكثير من قبل، يجب أن تشرح لهم أن البيضة التي كانت تكلف 20 ليرة سورية أصبحت تكلف الآن 60 ليرة، وكذلك النظارات يجب أن تكلف ثلاثة أضعاف السعرـ إنها المعادلة ذاتها”.

بعض من زبائنه جمع الكثير من المال جراء الحرب يقول: “بإمكانك معرفة ذلك عندما يساومونك على السعر. فإذا قال أوه ذلك غالٍ ويسألك عن إمكانية تخفيض السعر فذلك الشخص حصل على ماله بجهوده. أما إذا دفع الثمن فوراً فهو لم يتعب كثيراً في تحصيل تلك الأموال”.

لكن معظمهم يكافحون من أجل الحصول على المال. تقول نور شامة البالغة من العمر 26 عاماً والتي تعمل مصففة شعر لمساعدة والدتها في دفع الإيجار: “النفقات الآن لا تصدق”.

تجلس نور على السجاد في مسجد بني أمية المليء بالناس الذين يقصدونه للصلاة والتأمل، وإلى جانبها عبير الأحمد ذات العشرين ربيعاً. لم تجتمع الفتاتان من قبل، لكنهما بدأتا الحديث عن الرجال : “ربما لن أجد زوجاً، جميعهم رحلوا، كل الطيبون رحلوا ” تقول شامة.

لكن عبير أجابتها: “الأوضاع الآن لا تسمح بقصص الحب على أية حال، سوف تكون الحياة باردة ولن يكون زواجاً سعيداً لأن لا أحد يستطيع إرضاء الطرف الآخر، فكيف في الحرب”.

يقول الكثيرون ممن يقطنون في دمشق أنهم يريدون لهذه الحرب “أن تنتهي فقط، حتى إذا كان الثمن بقاء الأسد في السلطة”.

لكن هذا ليس رأي الناس في الضواحي المحاصرة. فإذا كنت صحفياً تريد الذهاب إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، فأنت بحاجة إلى إذن للذهاب إلى أي مكان، ولا تستطيع العبور إلى الأراضي التي يسيطر عليها الثوار. كما هناك حدود للأشخاص الذين يمكنك التحدث إليهم.

ما يزال بالإمكان أن تقود سيارتك إلى المدينة القديمة وتشتري إفطاراً من مخبز تديره عائلة، وتتمشى إلى نهاية الشارع المستقيم الذي يقول الكتاب المقدس أن بولس الرسول مشى فيه بعدما أصيب بالعمى. الاختلاف هو أن مناقيش الجبنة سوف يقدمها إليك طفل، حيث أن الرجال الذين اعتادوا على استخدام المجراف لوضع الفطائر المسطحة في الأفران وإخراجها قد ماتوا أو هاجروا أو أنهم منشغلون في القتال.

وقبل أن تصل إلى هناك، سوف تمر عبر العشرات من حواجز التفتيش التي يقيم عليها جنود يطلبون معرفة عملك. وعند باب توما أحد البوابات السبعة للمدينة المسوّرة القديمة والمليء الآن بملصقات عليها صور القتلى من الجنود، سوف تجد رجالاً مسلحين يوجّهونك، بينما يقف رجال غامضون يضعون سماعات في آذانهم خارجاً يراقبون.

الآن، ينتشر المسلحون الذين يرتدون الزي الرسمي أو غير الرسمي في كل مكان، وجه آخر من حياة دمشق التي يجب التفاوض عليها. بعضهم من جنود الجيش السوري، والبعض الآخر أعضاء في قوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا موالية للحكومة تتكون من السكان المحليين.

بعد يومين من الهجوم الانتحاري المزدوج، يقف أعضاء الدفاع الوطني في حالة تأهب على الرصيف الذي تضرر جزء منه بسبب التفجيرين. الحافلات التي كانت على وشك نقل الحجاج إلى مسجد السيدة زينب، المزار المقدّس للشيعة السوريين، اسودّ لونها وثقّبتها الشظايا، لكن إطاراتها تصلح لذا يمكن إبعادها من المكان. في إحدى الحافلاتـ ما يزال زوج من الأحذية الرياضية عائداً لأحد الحجاجـ يقبع تحت كرسي صاحبه، محاطاً بالكثير من الشظايا الزجاجية.

يقول احد سائقي حافلات الحجاج الذين ماتوا: “العراقيون شجعان جداً، إنهم يؤمنون أن ساعة موتهم عندما تحين، فسوف يموتون، سواء قدموا إلى سوريا أم لا”.

تكثر نظريات المؤامرة حول الجهة المسؤولة عن التفجير، فيتساءل أحد السوريين بهدوء شديد: “من برأيك يقف وراء الهجوم؟” ثم يميل برأسه قليلاً ويغمز مجيباً: “ربما إيران، أيعقل أنها هي، أنا لا أعرف”.

أبو حاتم لم تمنعه أعوامه الثمانين من الانضمام إلى قوات الدفاع المدني، فقد ابنه في الانفجار الثاني، لكنه خرج بزيه الرسمي إلى عمله بعد يوم واحد من الجنازة قائلاً: “ما تزال هناك قوة بداخلي”.

وأضاف: “أنا أدافع عن بلدي، أنا مستعد للمحاربة من أجله.. جميعنا على استعداد لذلك. إذا قتلوا أحداً منا فهم قتلة، لكننا عندما نقتل أحدهم فنحن ندافع عن بلادنا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.