نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقالاً لـ آني برنارد توضح فيه أصداء الصراع السوري وتأثيراته على العالم برمته فقالت: “يبدو العالم غارقاً بالفوضى والقلق ربما هو الأكثر تأثيراً من أي وقتٍ مضى منذ انتهاء الحرب الباردة.. فغلب ظهور القادة المتسلطين، وتعرضت الديمقراطية الليبرالية للحصار، ويتلاشى نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية مع تدفق القتال عبر الحدود”..

قد تجاوزت الثورات الشعبية على جانبي المحيط الأطلسي كونها موجات غضب ضد الأنظمة لتثير مخاوف من الدين الإسلامي وفق ما جاء في المقال الذي رأى أن الغرب اعتبر الحرب في #سوريا أنها “مسلمون يقتلون مسلمين”.. “ها هي الحرب في عامها السابع، وقد سمح لها بالتمدد لفترة طويلة فأدت إلى قتل 400000 سوري ودفعت بالملايين إلى البؤس وقد وصلت آثارها السلبية إلى جميع أنحاء العالم، حيث هرب الملايين إلى الدول المجاورة والبعض منهم إلى أوربا”.

فكرة أن العالم بعد الحرب العالمية لن يسمح للقادة بقتل مواطنيهم تبدو الآن في تراجع كامل. وتزداد الحكومة السورية تمرداً في تصديها للثورة عاماً بعد عام، في حين أن الرئيس بشار #الأسد يبرر أفعاله بين الحكومات منذ العام 2011 على أنه “يحارب الإرهاب “.

وفي لقاء للصحيفة مع “المنشق السوري” ياسين الحاج صالح، والذي قضى قرابة عقدين من الزمن في سجون النظام في عهدي حافظ الأب وبشار الابن كسجين سياسي قال: “سوريا لم تكن السبب في كل هذا التغير، لكن نعم.. غيّرت سوريا العالم”.

أصيب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالعجز، ووكالات الإغاثة مرتبكة. حتى الهجوم الصاروخي الأمريكي على قاعدة جوية عسكرية سورية بأمر من الرئيس #ترامب لا يزيد عن كونه ومضة في هذه الاضطرابات. وتواصل الحكومة السورية بدعم من #روسيا سياسة الأرض المحروقة بعد أسبوعين من ذلك الهجوم أحادي الجانب.

وقد تجنب البيت الأبيض الخوض في الحرب السورية بشكل واضح مستفيداً من أخطائه من غزو العراق، وفي محاولة منه لتجنب تكرارها، واعتقد القادة الغربيون أن الصراع السوري يمكن أن يبقى احتدامه بمنأى عن بلدانهم، لكن حساباتهم كانت خاطئة حيث وصلت الأزمة السورية إلى قلب #أوربا وتجلت في سياستها.

وفي لقاء مع الهولندي جوست هيلترمان، مدير مجموعة الشرق الأوسط للأزمات الدولية قال: “لقد تركنا القيم جانباً، لكننا أيضاً لم نتمكن من العمل من أجل مصالحنا الخاصة، لأننا سمحنا للوضع بالاستمرار لفترة طويلة”.

بدأ الصراع في #سوريا عام 2011 على شكل احتجاجات سياسية تصدت لها قوات الأمن بدعمٍ غربي. حمل البعض من معارضي النظام السلاح، وجاء رد الحكومة بالاعتقالات الجماعية والتعذيب والحصار والمجاعات وقصف المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار. ظهر إثر ذلك الجهاديون المتطرفون لتُعلن الخلافة في نهاية المطاف من قبل الدولة الإسلامية وتثير أعمال العنف في أوروبا.. فرّ أكثر من خمسة ملايين سوري من بلادهم، انضم مئات الآلاف منهم إلى قافلة اللاجئين إلى أوربا عبر الأبيض المتوسط.. وقد رفعت الأحزاب اليمينية المتطرفة شعارات مناهضة للاجئين في أوربا مستفيدة من صور الحشود اليائسة من اللاجئين والعنف الشديد الذي تعرضوا له في بلدهم لزيادة المخاوف من الإسلام والمسلمين.. يقول الكاتب.

وتسببت أزمة اللاجئين في أحد أكبر التحديات التي واجهت وحدة الاتحاد الأوربي وقيمه الرئيسية من حرية الحركة والحدود المشتركة والتعددية. وصعّدت المخاوف على الهوية والثقافة، ودعمت المخاوف تجاه الأمن الاقتصادي وعدم الثقة بالنخب الحاكمة. نصبت بعض البلدان الأوربية حدوداً لها وأنشأت معسكرات للاعتقال في محاولة منها وقف تدفق المهاجرين، في حين رحّبت ألمانيا بهم، وقاومت بلدان أخرى المشاركة في تحمل أعبائهم. تكلمت بعض أحزاب اليمين المتطرف عن حماية المسيحيين البيض الأوربيين. حتى أن حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي لعبت دوراً جزئيا في زيادة المخاوف من اللاجئين.

لقد كشف الصراع السوري حالات فشل الأنظمة التي يدينها اليمين المتطرف. نشأ الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة بعد حروب مدمّرة القرن الماضي بهدف المحافظة على السلام ومنع الاضطهاد ومساءلة القادة وتقديم الإغاثة للفئات الأكثر حاجةً وضعفاً، لكن الثقة بهذه المؤسسات تنحسر في المواقف التي تكون بأمس الحاجة إليهم. فتتعرض اتفاقيات #جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب إلى الانتهاك العلني.

وفي مقارنة للنزعة الشعبوية والإسلاموفوبيا اليوم بمزيج الفاشية ومعاداة السامية في الحرب العالمية الثانية قام بها السيد ياسين حاج صالح أعرب إثرها عن قلقه من أن تأثير سوريا على العالم سيجعل من نظرته إليها أكثر سوداوية. وقال: “إن الأجواء في العالم لا تتجه نحو الأمل والديمقراطية، إنما تسري نحو القومية والكراهية وتصاعد حالة الأمن”.

اليمينيون المتطرفون في الولايات المتحدة شأنهم شأن أولئك في أوربا يتبنون الاستجابات الاستبدادية العنيفة للتهديدات الإسلامية المتصورة. يعمل البعض في الغرب على الدفع لتطبيع العلاقات مع الأسد، أملاً منهم المساعدة في الحرب ضد الدولة الإسلامية وإعادة اللاجئين إلى بلدهم. لكن تلك النتائج المرجوة صعبة المنال بدون مسائلة أو إصلاحات سياسية.

ومن خلال تغطية أعمال العنف في الشرق الأوسط، يبدو غالباً أن حالات القتل الجماعي التي تقوم بها الحكومات ضد شعبها أقل تأثيراً على الجمهور الغربي من حالات القتل القليلة التي تقوم بها الدولة الإسلامية وأسلافها من القاعدة لكونها مروعة أكثر.

وترى الصحيفة أنه من الصعب تجاهل المخاوف الغربية من الإرهاب الإسلامي التي نمت بشكل كبير جداً بحيث يرغب الكثيرين بتحمل أعداد كبيرة للوفيات من المدنيين العرب أو المسلمين وأية انتهاكات عسكرية رسمية تحت مسمى محاربة الإرهاب.

وقد كشفت الأزمة السورية عن عيوب منظمة الأمم المتحدة التي تمنح مجلس الأمن حق النقض أمام المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، كما تمنح الامتيازات للدول التي تقتل شعوبها. أما مبدأ مسؤولية الحماية والذي يعد مبرراً قانونياً للعمل العسكري لوقف الدول عن قتل مواطنيها قد دفن في سوريا، في حين جرى العمل به في كوسوفو وليبيا.

وتعتبر حادثة “الخط الأحمر” عام 2013 والضربات التي هدد بها الرئيس #أوباما مع عدم تنفيذها رداً على هجوم بالسلاح الكيميائي قام به نظام الأسد وأسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، عززت الشعور لدى الأسد أن بإمكانه الإفلات من العقاب، وقد لا يكون وفى بعهده بالتخلي عن جميع الأسلحة الكيميائية.

أما الأمم المتحدة، وبسحب المقال فليس بمقدورها فعل شيء سوى توثيق جرائم الحرب التي أصبحت أكثر من روتينية. ويهدد الصراع السوري اليوم المؤسسة الطبية المحايدة في الحرب، ومبدأ من اتفاقية جنيف الضروري للمحافظة على جهود الصحة العالمية كمكافحتها للأوبئة، حيث استهدفت الرعاية الصحية في سوريا بشكل خاص من قبل الحكومة، و قُتل أكثر من 800 عاملاً في مجال الصحة من خلال مئات من الهجمات على المراكز الصحية وفرق الإنقاذ، كما تعرض الأطباء الذين يقومون بعلاج الجرحى من المتظاهرين إلى الاعتقال، ومنعت الإمدادات الطبية عن المناطق التي تتعرض للحصار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.