نشرت صحيفة #الغارديان مقالاً كتبه جيوفاني أورتولاني استعرض فيه وضع صنف محدد من اللاجئين، وهم العلماء والباحثون وأصحاب المهارات العالية، والعقبات التي يواجهونها في الدول المضيفة لهم، بالإضافة إلى عرضه لبعض المقترحات المتاحة والتي تساعد في تجاوز هذه الصعوبات. حيث يشغل هؤلاء مناصب كبيرة في بلدانهم إلا أنهم وبعد لجوئهم إلى دول أخرى إثر الفوضى الواقعة في بلدانهم يضطرون للبدء من جديد وكأنهم أنهوا دراستهم للتو حيث لا تحتسب سنوات العمل كخبرة لهم.

بدأ الكاتب مقاله بالحديث عن تميم شالاتي الذي استذكر معه حياته في #حلب حيث قال “كان لدي راتب جيد وحياة اجتماعية”، ويشير إلى أسلوب حياته قائلاً “كنت أصحب طفليّ للخروج في نزهة نتناول خلالها المشويات الساخنة عدة مرات في الأسبوع. يشرح أنه عاش حياة مريحة مع زوجته الطبيبة وحيث كان هو يشغل منصب رئيس قسم الصيدلة والتكنولوجية الصيدلية في جامعة حلب”.

بدأ الانهيار الأول في حياة شالاتي في عام 2011، مع انقطاع التيار الكهربائي، ما يعني بقائه وعائلته بدون ماء لبضعة أيام.. وفي أحد أيام الصيف من العام 2012 وجد الشوارع فارغة والمستشفيات مغلقة “رأينا بعدها الناس تسير غرباً بعيداً عن المعركة المندلعة في القسم الشرقي من المدينة، وأخبرونا أن الحرب قد وصلت إلينا ” قال.

ويضيف “كانت تلك الليلة مرعبة مع تصاعد الوضع الأمني وخروجه عن السيطرة ليتدخل الطيران العسكري في غارته، عاشت الأسرة تلك الليلة بحالة من القلق والرعب الشديدين، تبعها ندرة توافر المواد الغذائية وانخفاض لقيمة العملة المحلية. كما تناقص عدد الطلاب في الجامعة ليحضر عشرة من أصل مئة طالب”. ومع حلول نهاية العام وخروج الكثير من زملائهم من البلد تناقش شالاتي وزوجته فيما إذا كان ينبغي عليهم السفر أيضاً أم البقاء.

قاوموا حتى حلول كانون الثاني من العام 2013، حيث وقع انفجاران في جامعة حلب أسفرا عن مقتل 80 شخصاً. كان شالاتي في مكتبه.. انحصر تفكيره على الفور في طفليه اللذين كانا في المدرسة الواقعة على بعد بضعة كيلو مترات من موقع الانفجار. “لم أتمكن من الوصول إليهم لمعرفة ما إذا كانوا على قيد الحياة .. كان موقفاً فظيعاً جداً” قال. ويضيف أنهما كانا آمنين لكن أحد الانفجارين دمّر الكشك الذي اعتاد الحصول على قهوته منه على مدى أيام الدوام.

وبحسب المقال، فقد بدأ شالاتي إثر ذلك محاولاته في تقديم الطلبات للحصول على وظيفة في جامعات #تركيا و #الأردن و #الإمارات العربية المتحدة، بحيث يمكنه الانتقال وعائلته خارج سوريا بشكل آمن. حيث كان عليه الانتظار لسنتين متوترتين أخريين قبل أن يحصل أخيراً على منحة من خلال صندوق إنقاذ العلماء التابع لمعهد التعليم الدولي IIE . حيث عيش شالاتي اليوم في بريطانيا وهو باحث زميل في قسم الكيمياء في جامعة يورك.

شالاتي شخص محظوظ جداً، فمعهد الـ  IIE الذي يساعد على إنقاذ العلماء المضطهدين منذ العام 1919، لديه نسبة قبول قليلة جداً في الوقت الحالي والسبب في انخفاض النسبة هو قلة الموارد المتاحة بحسب جيمس كينغ، وهو المدير المساعد لصندوق إنقاذ العلماء.

وتخمّن المنظمة أن من بين الملايين الذين فرّوا من سوريا هناك 2000 بروفيسور جامعي. مازالوا عالقين في المخيمات المؤقتة، هم غير قادرين على العمل حتى في حال تمت إعادة توطينهم.

وبحسب المقال، فإن 450 بروفيسور قد اغتيلوا في #العراق منذ العام 2003، وأظهر تحليل أجراه IIE أن 158 حالة اعتداء ضد المختصين الجامعيين وقعت في 35 بلد منذ آذار 2015 حتى أيلول 2016 كما تعرضوا لتهديدات مختلفة تراوحت بين القيود المفروضة على السفر إلى الملاحقات غير المشروعة أوالاختفاء القسري أو القتل.

وفي لقاء للغارديان مع رضوان زيادة، أحد كبار المحللين في المركز العربي في واشنطن قال “الباحثون والعلماء والناشطون في مجال حقوق الإنسان مستهدفون من كل الاتجاهات”. وأورد مثالاً عن طبيب أسنان غادر سوريا في العام 2007 بعد تلقيه تهديدات من قوات الأسد الأمنية إثر دعوته للإصلاح الحكومي، وهو الآن على قائمة المطلوبين للقتل لدى #داعش، رغم ذلك قضية لجوئه في الولايات المتحدة معلّقة منذ ثلاث سنوات.

يتساءل زيادة عن سبب عدم محاولة الدول المستضيفة بذل المزيد من الجهود للاستفادة من هؤلاء العلماء والباحثين والأطباء والمهندسين والعمال المهرة الآخرين، ويرى أن العقبة في تحقيق ذلك هي الافتقار إلى الإرادة السياسية مع تزايد الحركات الشعبية حول العالم. موضحاً أن كثيراً ما يعامل السياسيون اللاجئين على أنهم مجموعة متجانسة.

أما كينغ فيعتقد أن قلة الإحاطة والمعرفة بمؤهلاتهم العلمية بالإضافة إلى التحديات العملية المتعلقة بالتكلفة وعقبات اللغة وتقييم المؤهلات جميعها تشكل حواجز تحول دون الاستفادة من إمكانياتهم. ويضيف: “إن الحكومات ومؤسسات التعليم العالي بدأت تدرك الفرصة بالاستفادة منهم هنا، لكننا نتحمل مسؤولية حقيقية لضمان دعم العلماء اللاجئين لمتابعة عملهم الأكاديمي لأن هؤلاء هم من سيعيد بناء بلدهم والذين سيبنون مجتمعات مغتربين صحية وسيساهمون بشكل فاعل في المجتمعات المضيفة لهم”.

واجه شالاتي مشكلة في الحصول على اعتراف بمؤهلاته. فقد حاز على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة فرنسية، إنما بكالوريوس الصيدلة فقد حصل عليه من جامعة سورية، لذلك لا يمكنه العمل بشكل دائم في كلية الصيدلة في المملكة المتحدة ما لم يعيد تقديم بعض الامتحانات، العملية التي يمكن أن تستغرق ثلاث سنوات.

“في سوريا كنت أكاديمياً كبيراً، لكن عندما قدمت إلى المملكة المتحدة كان لا بد أن أبدأ من الصفر، كأنني للتو حصلت على شهادة الدكتوراه، وكما لو لم تكن السنوات الخمس من مهنتي وخبرتي موجودة” يقول شالاتي.

ما يزال بإمكان المؤسسات العلمية أن تلعب دوراً هاماً في مساعدة الباحثين اللاجئين على الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. “علمائنا اللاجئون غالباً لا يعتبرون أنفسهم لاجئين: وعندما يتم دمجهم في الحياة العملية فإنهم علماء من جديد، ومن المهم جداً أن يكونوا قادرين على التحرك ضمن سياق أكبر من تصنيفهم كلاجئين ” يقول كينغ.

وبحسب المقال فقد عقدت الأكاديمية العلمية للعلوم  TWASورشة عمل في شهر آذار لمناقشة كيفية تقديم أفضل الدعم للعلماء اللاجئين، وأوصوا بأن تقيم الأوساط العلمية علاقات مع مراكز إيواء اللاجئين وأن تسرّع الحكومات المضيفة في الموافقة على طلبات اللجوء الخاصة بالعلماء.

كما ناقشت TWAS كيفية إعادة بناء المجتمعات العلمية في البلدان التي تعود إلى حالة الاستقرار، واقترحوا على الحكومات توفير المرافق العلمية وإعفائهم من الضرائب ليتمكنوا من إقناع ذوي الشهادات والخبرة بالعودة إلى بلدانهم.

لكن إقبال محمد دوقان تشكك بشأن هذه التوصيات، وهي باحثة يمنية حصلت على منحة الآن في الجامعة الوطنية في ماليزيا. فتوضح أنها كانت رئيسة قسم علوم المختبر الطبي في جامعة السعيد في تعز في آذار 2015، لكنها قضت ثمانية أشهر بدون انترنت أو كهرباء أو راتب، كما أصيب منزلها بقذيفة.

وتقول “كيف يعود الطلاب والباحثون إلى بلدانهم مجدداً عند إنهاء دراستهم ؟! ليس لدينا مطار، وحتى لو عادوا فإنهم لن يحصلوا على رواتب، لأن ما تبقى من الحكومة لا تملك المال”.

هي ليست متأكدة مما يجب أن تكون عليه خطوتها المقبلة، فدراستها سوف تنتهي في العام 2018، تقول: “أنا الآن لست باحثة لاجئة، أنا باحثة زائرة، لكن لربما سوف أكون لاجئة في العام المقبل”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة