الريف السوري: تغيير ديموغرافي يقابله خسائر زراعية تقدر بمليارات الدولارات

الريف السوري: تغيير ديموغرافي يقابله خسائر زراعية تقدر بمليارات الدولارات

حسام صالح

على الرغم من تعدد الدراسات والمصادر حول حقيقة الريف السوري والخسائر التي مُني بها منذ عام 2011، إلا أن العامل المشترك بينها هو فداحة الخسارة وأرقامها المهولة، فقد غيرت الحرب التركيبة السكانية في الريف، واكن الريفيون أصحاب الحصة الأكبر سواء في اللجوء أو الهجرة أو مستوى الدمار.

التوزع السكاني قبل الحرب وبعدها

وبالعودة إلى تاريخ التوزع السكاني في #سوريا بين ريف مدينة، اعتبرت الفترة بين 1970-1980 أكثر الفترات التي شهدت تراجعاً في سكان الريف السوري، نتيجة الهجرة إلى المدينة، لكن في المقابل، ومع بداية الثورة في سوريا عام 2011 انخفض عدد سكان الأرياف انخفاضاً كبيراً، حيث فقد الريف السوري أكثر من 3 مليون نسمة خلال سنوات الحرب الستة.

وفي دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بيّنت أن الريف السوري بشكل عام كان المتأثر الأكبر من الحرب الدائرة، وذلك من خلال عرضه لخريطة توزع السكان في عامي 2011 و  2015، حيث أظهرت الدراسة تراجع عدد سكان الرقة ودير الزور وحمص وحلب مقابل ارتفاعها في العاصمة دمشق وريفها على النحو التالي:

ريف دمشق دمشق حلب حمص دير الزور الرقة
2011 2015 2011 2015 2011 2015 2011 2015 2011 2015 2011 2015
2.3 مليون 1.9

مليون

1.8 مليون 1.5

مليون

5.9

مليون

4

مليون

2.1

مليون

1.9

مليون

1.7

مليون

1

مليون

1

مليون

0.8

مليون

 

لكن في المقابل هناك مجموعة من التغيرات التي طرأت على التركيبة السكانية وخصوصاً في كل من أرياف حمص ودمشق، على خلفية عملية التهجير التي تمت في حي الوعر والقصير وقريتي قزحل وأم قصب، إضافة إلى عمليات التهجير التي تمت في ريف دمشق وطالت مناطق الزبداني ومضايا ووادي بردى وداريا والمعضمية والتل وخان الشيح وقدسيا والهامة، وأغلب عمليات التهجير تتم إلى مدينة إدلب وريفها.

وفي السياق نفسه، وفي دراسة حديثة أجراها المكتب المركزي للإحصاء حول تعداد السكان في الريف السوري بشكل عام، حيث قدمت بيانات تفصيلية حول حجم التغير السكاني في جميع المحافظات السورية، وكان النصيب الأكبر لكل من دمشق وحلب، فيما احتل ريفا القنيطرة والسويداء المرتبة الأخيرة من حيث حجم التغير السكاني في الريف على النحو التالي:

المحافظة عام 2011 عام 2016 التراجع في عدد السكان نازحين
ريف دمشق 2,79 مليون نسمة 1,8 مليون نسمة 990 ألف نسمة 400 ألف
ريف حلب 1.804 مليون نسمة 1,26 مليون نسمة 544 ألف نسمة 460 ألف
ريف حمص 815 ألف نسمة 730 ألف نسمة 85 ألف نسمة 160 ألف
ريف حماه 1 مليون 560 ألف نسمة 460 ألف نسمة 60 ألف
ريف إدلب 1 مليون و50 ألف 1.25 مليون نسمة زيادة 200 ألف نسمة 565 ألف
ريف الحسكة 957 ألف نسمة 287 ألف نسمة 670 ألف نسمة 20 ألف
ريف الرقة 572 ألف نسمة 286 ألف نسمة 268 ألف نسمة غير محدد
ريف دير الزور 676 ألف نسمة 473 ألف نسمة 200 ألف نسمة غير محدد
ريف درعا 558 ألف نسمة 290 ألف نسمة 268 ألف نسمة غير محدد
ريف اللاذقية 546 ألف نسمة 206 ألف نسمة 340 ألف نسمة غير محدد
ريف طرطوس 566 ألف نسمة 452 ألف نسمة 114 ألف نسمة غير محدد
ريف القنيطرة 88 ألف نسمة 83 ألف نسمة 5 آلاف نسمة غير محدد
ريف السويداء

 

252 ألف نسمة 231 ألف نسمة 21 ألف نسمة غير محدد

 

 

تغير ديموغرافي في الريف السوري

من خلال الجدول السابق يتبين لنا أن الخسارة الأكبر كانت من نصيب محافظة الحسكة التي خسرت حوالي 70% من سكانها، تليها محافظة اللاذقية والتي خسرت نحو 58% من عدد السكان المقيمين، فيما خسر كل من ريفي حلب ودمشق أكثر من مليون ونصف نسمة، في حين غادر نحو ربع مليون شخص في ريف حمص منازلهم، وفي ريف حماه أكثر من 600 ألف نسمة، في حين كانت المفارقة الواضحة في ريف إدلب الذي زاد عدد سكانه بنحو 200 ألف نسمة، وهو ما يفسره سيطرة المعارضة المسلحة عليها كاملة، واعتبارها منطقة تسويات، يهاجر إليها سكان المحافظات الأخرى في أي عملية تسوية أو هدنة.

أقل الخسائر السكانية وعملية التغيير كانت من نصيب أرياف القنيطرة والسويداء، في حين كانت أغلب عمليات النزوح تتم داخلياً ضمن أرياف تلك المحافظتين.

وفي تحليل لموقع الحل السوري للبيانات الواردة أعلاه وبشكل مبسط، فإن الريف السوري بشكل عام خسر أكثر من 4 ملايين نسمة بين نزوح وتهجير ووفيات طبيعية أو جراء المعارك والعمليات العسكرية الدائرة، وبهذا وبمقارنة مع دراسة منظمة (الفاو) فإن الريف السوري خسر حوالي 30% من مجمل عدد السكان المقيمين فيه في عام 2011 منهم حوالي 2.9 مليون نسمة خسارة مباشرة، لتصل النسبة التقديرية للخسارة حوالي 35% من سكان الريف السوري بشكل عام وبموجب جميع الأسباب ووفق تقاطع الدراسات.

دراسات دقيقة ولكن !

وفيما يخص الآثار المترتبة على تغير التركيبة السكانية والتوزع الديموغرافي لسكان الريف السوري، استطاع موقع الحل السوري التواصل مع مصدر في الجهاز المركزي للإحصاء التابع للنظام مفضلاً عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، حيث قال إن: “معظم الدراسات والتقارير التي تتم في الجهاز ليست دقيقة وأن الدراسة الأخيرة حول عملية التغيير التي حدثت في أرياف سوريا أرقامها أكثر من ذلك بكثير، حتى الدراسات التي تقوم بها المنظمات الدولية ليست بالدقة الكافية لاستحالة الوصول لتلك المناطق”.

وأضاف المصدر، هناك قرى دمرت بالكامل ولم يعد لها وجود بفعل العمليات العسكرية، وهناك عمليات نزوح جماعي، وهجرة غير شرعية لآلاف الأشخاص لا يمكن حسابها، لكن في المقابل هذا التغير السكاني مهما كان حجمه سيؤثر على سوريا في المستقبل وبعد انتهاء الحرب، فمثلاً محافظة درعا المشهورة بالزراعة أكثر من نصف سكانها أصبحوا في دول الجوار وأصبحت الأراضي دون فلاحة، ما زاد نسبة التصحر، مقابل زيادة نسبة الإناث مقابل الأيدي العاملة من الذكور، وبالتالي أصبح هناك اختلال في التوزع الديموغرافي للسكان، والأمر ينطبق على كافة أرياف المحافظات السورية.

خسائر قطاع الزراعة

بعد أن تم استعراض عملية التغير السكاني والديموغرافي في الريف السوري الذي يعتمد في غالبيته على الزراعة، كان لابد من معرفة أثر الحرب على القطاع الزراعي السوري، فمن المعروف أن مساحة سوريا تبلغ حوالي 18.5 مليون هكتار، نحو 6.5 مليون هتكار منها قابل للزراعة، منها 5.7 مليون هكتار مستثمر، (حسب إحصائية لوزارة الزراعة).

قبيل الحرب في سوريا عام 2011، كان يعمل في القطاع الزراعي أكثر من مليون عامل، وتسهم الزراعة بـ 17.6% من الناتج الإجمالي، وتحقق اكتفاء ذاتي من القطن والقمح والزيتون والعديد من المواد الاستراتيجية، حيث وصلت نسبة الصادرات الزراعية السورية نحو 31% من إجمالي الصادرات في عام 2010.

وفي بحث لموقع الحل السوري عن واقع انتاج المحصولات الاستراتيجية قبل الحرب ومقارنة أرقامها خلال سنوات الحرب تبين التالي:

المحصول العام نسبة التراجع
2010 2016
القمح 4 ملايين طن 1.3 مليون طن حوالي 70%
الزيتون

 

مليون طن 70 ألف طن حوالي 86%
القطن

 

 

مليون طن 55 ألف طن  

حوالي 90%

 

220 مليار ليرة خسائر

وبالتالي انخفضت نسبة مساهمة القطاع الزراعي السوري في الناتج المحلي من 18% عام 2010 إلى حدود 5% بعد 2011، حيث قدرت مجموع الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي حتى العام 2016 حوالي 220 مليار ليرة سورية.

في حين أظهرت دراسة حديثة لمنظمة الفاو عن القطاع الزراعي السوري عن أن القيمة الكلية للخسائر والأضرار وصلت إلى حوالي 16 مليار دولار بالأسعار الجارية، وهذا الرقم بحسب الدراسة يعادل ثلث الناتج المحلي السوري في عام 2016، منها نحو 3.2 مليار دولار كلفة الأضرار في البنى التحتية.

الدراسة في الوقت ذاته، لفتت إلى أن التكلفة المبدئية لإعادة قطاع الزراعة على مدار 3 سنوات تتراوح ما بين 10.7 مليار دولار إلى 17.1 مليار دولار في المجمل، وذلك اعتماداً على التغيرات في النزاع واحتمالات الوصول لحل سلمي سواء جزئياً أو كلياً.

تكرير النفط بدائياً زاد من نسبة التصحر

موقع الحل السوري تعليقاً على تلك الإحصائيات تحدث إلى موظف سابق في وزارة الزراعة التابعة للنظام المهندس مجد سلطان والذي قال إن “المهم في كل هذه الأرقام الكبيرة هو أثرها على المدى القريب والبعيد، فقد أدى تراجع الإنتاج الزراعي لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية، وبالتالي أثر على المواطن الذي بات ينفق أكثر من 80% من دخله على الغذاء فقط، وباتت عملية استصلاح الأراضي مهمة صعبة للغاية خصوصاً مع استمرار العمليات العسكرية وارتفاع أسعار المحروقات، وهجرة اليد العاملة”.

واضاف أن “سوريا تحولت من دول منتجة ومصدرة للعديد من المحصولات الاستراتيجية تساهم في الناتج المحلي إلى دولة مستوردة، كما هو الحال في القمح والقطن وزيت الزيتون، بعد أن كانت سوريا تحتل مراتب عالمية في إنتاجها”، لافتاً إلى أن “عملية إنتاج النفط بشكل يدوي وبدائي في العديد من المحافظات الزراعية كدير الزور والحسكة ساهمت في تقلص الأراضي الصالحة للزراعة والنباتات التي كانت تشكل عوامل جوية تؤدي إلى ثبات التربة في البادية السورية ومنع ظاهرة التصحر، ناهيك عن الحرائق التي ضربت الغابات، ولاسيما في جبال اللاذقية والساحل السوري بشكل عام”.

وختم المهندس سلطان حديثه بالتأكيد على أن الدراسات الدولية حول الواقع الزراعي في سوريا مؤشر جيد لمعرفة احتياجات سوريا والمشكلات التي يعاني منها هذا القطاع، وبذلك يكون لديها قاعدة معلومات حول احتياجات سوريا لتكون ركيزة يتم الاستناد عليها في ملف إعادة الإعمار، في حال انتهت الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.