حسام صالح

لم تزل حالة الجدل مستمرة قائمة حول نشأة فرع تنظيم القاعدة في #سوريا ودخوله المعترك السوري تحت مسمى “نصرة أهل الشام” أو ما يعرف بـ” جبهة النصرة” في فترة مبكرة بعد انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، ثم المراحل المتتالية التي مر بها هذا التنظيم خلال سنوات، وصولاً إلى إعلان فك الارتباط عن “قاعدة الجهاد” وتغيير المسمى إلى “جبهة فتح الشام”،

ويبدو غير واضح بشكل تفصيلي ما هي الفوائد التي جنتها القاعدة بشكل عام من دخولها سوريا؟، وماهي الخسائر التي ترتبت على ذلك؟، خاصة بعد ما وصلت إليه حالياً من ظرف، أجبرها إلى إعلان فك الارتباط أولاً، وهو ما صنف أنه عمل شكلي لا أكثر، ومن ثم محاولة الاندماج مع تنظيمات أخرى ثانياً لتضييع الحالة القاعدية الجهادية وإخفائها عن السطح وفق تحليلات.

مالياً

اعتمدت جبهة النصرة كغيرها من الفصائل العسكرية، على مصادر تمويل ضرورية لضمان بقاءها على الساحة واستمرار تسليحها، خاصة وأن طبيعة المعارك يومية وحروب كر وفر، وفي دراسة سابقة لموقع الحل السوري عن مصادر التمويل، تبين لنا أن الضرائب والأتاوات التي تفرض على الأهالي بحجج “شرعية” تأتي في المرتبة الأولى لضمان الحصول على مورد ثابت، إضافة إلى الضرائب على بعض المواد لتي تدخل من مناطق النظام إلى المناطق المحررة كالغاز والبنزين.

وخلصت الدراسة حينها إلى أن متوسط إنفاق النصرة شهرياً على عناصرها، البالغ عددهم 12 ألف مقاتل حينها بلغ حوالي مليون و800 ألف دولار، على أساس متوسط الراتب للمقاتل الواحد 150 دولار أمريكي، وبالتالي فإن انحسار جبهة النصرة في العديد من المناطق وفقدان سيطرتها على العديد من المناطق الاستراتيجية التي كانت تحقق مورداً أساسياً لها تقلص بشكل كبير، كما أن الحظر المالي المفروض على تحويل الأموال إليها شكل عوامل تهدد لوجود هذا التنظيم في سوريا، بالتزامن مع اشتداد الخناق عليه داخلياً من قبل السوريين أنفسهم أولاً ودولياً في المرتبة الثانية، على الرغم من فك ارتباطهم بتنظيم القاعدة وتحولهم إلى “جبهة فتح الشام”، بالتالي فإن كانت هنالك مكاسب مادية لقاعدة الجهاد من وجود فرعها في سوريا تحت أي مسمى كان، فإن هذه المكاسب التي قد تسهم في تطوير الحالة الجهادية وتوسيع رقعتها الجغرافية أو حتى دعمها بالسلاح والمقاتلين بدأت بالانحسار بشكل جلي، مع فقدان سيطرتها الجغرافية على الكثير من الأماكن لصالح قوى أخرى من جهة، واشتداد الخناق عليها وقصف مواقعها من عدة قوى أبرزها القوى الدولية (التحالف الدولي) من جهة أخرى.

 القاعدة وعلاقتها بالربيع العربي

بعد القضاء على بنية تنظيم القاعدة الأساسي إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان، وبعد عدم قدرة التنظيم في تبني استراتيجية مركزية، ومع مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2006، شهد التنظيم مرحلة تنظيمية جديدة، فغير جغرافيته التي كانت تقتصر عملياً على أفغانستان وباكستان، ليتجه أكثر إلى الشرق الأوسط كاليمن و #العراق وسوريا، مع اندلاع ثورات الربيع العربي ضد أنظمة الاستبداد، استغل التنظيم ذلك ساعياً للتواجد في المناطق التي تشهد فراغاً سياسياً وأمنياً، فاستطاع ملء الفراغ الذي خلفته المعارك والفوضى الأمنية في مناطق شتى من سوريا بل ولعب على وتر الحاجة الشعبية لقوى عسكرية للدفاع عن المدنيين في فترة معينة ضد بطش النظام بهم.

هذا الكلام أكده الباحث والمحلل السياسي السوري عمر كوش، لموقع الحل السوري بقوله “تنظيم القاعدة لم يكن وحده من استغل الثورة السورية وتغلغل في داخلها وإنما العديد من التيارات استغلت الفراغ مع غياب السلطة من العديد من المناطق السورية، وتجمعت في البداية في مناطق الجيش السوري الحر، حيث كانت القاعدة وأمثالها تحمل مشروعاً إيدلوجياً يتمثل في إنشاء مجموعة من الإمارات التي تسيطر عليها مع تلقيهم دعماً من العديد من الدول ورجال الأعمال المتشددين”.

سرعان ما تطورت قدرات جبهة النصرة في سوريا في أشهر قليلة مع نهاية العام 2011 لتصبح من أبرز القوى الفاعلة في الحرب السورية، حيث دعت الجبهة في بيانها الأول الصادر في 24 كانون الثاني من عام 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري، من خلال شريط مصور تلاه أبو محمد #الجولاني، زعيم التنظيم في سوريا.

ضربة داعش في ظهر القاعدة

هذا التطور وحجم القوة في تنظيم جبهة النصرة لم يدم طويلاً مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية، حيث يقول سعد الشارع الباحث في مركز الشرق للسياسات، في حديث لموقع الحل إن “الضربة القاسمة للتنظيم كانت عبر الانقسام الذاتي وظهور تنظيم الدولة، فعلى الرغم من آمال تنظيم القاعدة الداعية لحصوله على شرعية وشعبية أوسع نتيجة ممارسات تنظيم #داعش الدموية، إلا أنّ الممارسات التي قام بها التنظيم في سوريا كانت كفيلة بقلب الأمور على غير ما يريد”.

وأشار الشارع إلى أنه وحتى هذا التاريخ الحالي لم تستطيع جبهة النصرة أو حتى هيئة تحرير الشام من إبراز نفسها سياسياً .

عامل ربح لأعداء التنظيم؟

يطلعنا الكاتب والمعارض جمال حمور على واقع دخول تنظيم القاعدة إلى سوريا فيؤكد أنه قد يكون وجود تنظيم القاعدة على أرض الشام العلني على الساحة السورية هو حالة ربح لأعدائه في وجه من أوجهه، لأن سوريا تتميز باعتدالها تاريخياً، ومجتمعها بطبعه غير الحاضن للتطرف الديني، بالإضافة إلى أن التنظيم يشكل قوة عسكرية مهمة بالصراع مع النظام، أو مع الجيش الحر، وحتى القوى الإسلامية الأخرى، كل ذلك أسهم في سهولة تمييزه.

حمور وفي تصريح لموقع الحل، أشار إلى أن “عودة التنظيم إلى الظهور علناً وفي أماكن محددة يسهّل على الغرب والأمريكان والعالم القضاء عليه، حيث يتم تجميعهم للخلاص منهم”، وهو ما نفاه المحلل عمر كوش، وقال إن “لا مصلحة للولايات المتحدة وغيرها من الدول من تسهيل وصول المتطرفين حول العالم إلى مكان واحد للقضاء عليهم.. هي فكرة مرفوضة” بحسب تعبيره.

وحول المكاسب التي حققتها النصرة في سوريا، لفت كوش من جهة أخرى إلى أن تنظيم جبهة النصرة استطاع أن يتحول لقوة ضاربة في سوريا مستفيداً من الدعم المالي الذي تلقاه، وضعف النظام في الفترة الأولى وسهولة السيطرة على المناطق، إضافة إلى أن السوريين لم يكونوا يفرقوا بين المتشدد والثائر، إلا أن هذه الفكرة لدى السوريين تغيرت مع طول عمر الثورة والانتهاكات التي تتم من النصرة في المناطق التي تخضع لسيطرتها.

الفكرة التي تم استخلاصها، أن العالم لن يسمح بتشكيل دولة دينية في سوريا، وأن الحرب على النصرة والتنظيمات المتشددة قادم بشكل أكبر، لكن هناك مجموعة من الأولويات لدى الغرب وهي القضاء على تنظيم داعش صاحب التهديد الأكبر لهم اليوم وفق المحلل.

لعب على وتر الحاجة

معظم من تم الحديث معهم في هذا التحقيق، شددوا على أن تنظيم جبهة النصرة لعب على وتر الحاجة لدى السوريين وثورتهم ليتغلغلوا داخل المجتمع السوري، علماً أن السوريين بطبعهم شعب معتدل رافض للتطرف بكل أشكاله والدليل على ذلك المظاهرات التي تخرج ضد التنظيم وأفكاره وممارساته في المناطق التي يسيطر عليها.

يخبرنا الكاتب جمال حمور أن المكاسب التي تريد القاعدة تحقيقها سورياً هي أولاً نشر فكرها الجهادي المتطرف في المجتمع السوري، و “من خلال معرفتي فإن الكثير من السوريين المنضوين تحت جبهة النصرة غير مقتنعين بمشروعها ، فمعظمهم لا يقبل أن يكون أميره تونسي أو كويتي”، بحسب تعبيره.

بدوره يقول المحلل عمر كوش إن تنظيم القاعدة في سوريا لم يتلاش ولايزال متواجداً، ولكن بأشكال ومسميات مختلفة، معتبراً أن التنظيم في الغالب يلجأ إلى تغيير سياساته وطرق تعامله مع القضايا باختلاف الأوضاع السياسية في المنطقة.

مراوغة وفك الارتباط

في أواخر تموز من العام 2016، ظهر أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة في مقطع فيديو مصور، يظهر فيها صوت وصورة لأول مرة ليعلن رسمياً فك الارتباط بتنظيم القاعدة وتغيير اسم “النصرة” إلى جبهة فتح الشام.

الخبير في الجماعات الإسلامية الشيخ حسن الدغيم علق بدوره على تساؤل هل خسرت القاعدة بدخولها الحرب السورية أم ربحت بقوله : “لم يشهد تنظيم القاعدة اقتتالاً بين أذرعه إلا في الحالة السورية، فبقي موحداً في كل من العراق وافغانستان والصومال والجزائر”.

وأضاف الدغيم أن “الاقتتال الأول كان بين النصرة وتنظيم الدولة في كل من دير الزور والرقة، إلى ان أعلنت داعش قيام دولتها الاسلامية كما زعمت، ثم عاد الاقتتال مرة أخرى لكن بين تنظيم جبهة فتح الشام وجند الأقصى في ريف حماة، إلى أن خرجت جند الأقصى والتحقت بالمناطق التي تسيطر عليها داعش”.

في بحث عن الموضوع  ورصد لما نشر عنه في مواقع الأخبار والسياسة، وتعليقاً على هذا التغير الكبير، يشير محرر شؤون الجماعات الإسلامية في قناة الجزيرة تيسير علوني إلى أن جناحاً واحداً في التنظيم دفع باتجاه فك الارتباط، من أجل منع قصفه من قبل الغرب بذريعة ارتباطه بالقاعدة، إضافة إلى وجود جناح آخر داخل التنظيم يرى أنه من المحرمات إرضاء الغرب.

لكن هذا التغيير في نظر علوني ليس أكثر من تغيير في الصورة لا الجوهر؛ إذ إن بيان الجولاني لم يتحدث عن المنهج الجديد، ولم يقل إنه تخلى عن منهج القاعدة ووضع محددات جديدة.

وفي الوقت نفسه يشدد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية على أن التطور الكبير في بيان النصرة هو التأكيد على أن أيديولوجيتها الجديدة واستراتيجيتها شأن داخلي في سوريا.

في حين، يقول الكاتب جمال حمور “إن عملية فك الارتباط شكلية وهو تغيير في الأسماء دون تغيير الجوهر، وهي عملية تزييف للحقائق، فهم يرفضون لا بل يكفرون من يحمل علم الثورة، فكيف يقومون بتغيير منهجهم بيوم وليلة؟”.

أما الباحث في مركز الشرق للسياسات سعد الشارع، فأكد أن “فك الارتباط بتنظيم القاعدة كان حقيقياً ولم يكن صورياً، والدليل على ذلك ما نسمعه عن محاولات لبعض الشخصيات المحسوبة أكثر على تنظيم القاعدة بإعادة انتاجه من جديد في سوريا، والرد الحازم والقوي من قبل الهيئة بمنع ظهور التنظيم مجدداً وأن مرحلة تنظيم القاعدة بسوريا انتهت وإن بقي جزء فكريا منها يتمثل بأدبيات الجهاد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة